الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةحواراتشؤون عربية

جبار: معرفة تاريخ العلوم العربية تتيح فهم الحاضر والاستعداد للمستقبل

كيوبوست

أكد البروفيسور أحمد جبار، وزير التعليم والتربية الجزائري الأسبق، والمؤرخ للعلوم العربية وتاريخ الرياضيات على وجه الخصوص، أن تطور العلوم في البلدان الإسلامية هو نتيجة ديناميكية عامة مدفوعة بظهور “الدين الجديد” وقتها، والتي غذَّتها الاحتياجاتُ الجديدة لتلك المجتمعات في القرنين الثامن والعاشر.

وأبرز الأستاذُ الفخري بجامعة ليل الفرنسية، المولود في 2 أغسطس 1941 في عين الدفلى بالجزائر، ضمن حواره مع موقع “كيوبوست”، بأن الاهتمامَ بمعرفة تاريخ الأنشطة العلمية في الدول الإسلامية ليس تمجيداً للماضي، بل معرفة تتيح فهم الحاضر بشكلٍ أفضل، والتحضير للمستقبل أيضاً.

وبخصوص دور وزارات التعليم في البلدان العربية في تحفيز تطوير العلوم، أفاد البروفيسور جبار بأن تطور العلم في البلدان العربية أو الإسلامية الحالية يعتمد على عدة معايير تختلف باختلاف الدول، حسب الحكام، وحسب الديناميكيات أو المكابح التي تحدثها البيئة الدولية.

ويعد البروفيسور أحمد جبار من أبرز دعاة ومناصري الاعتماد على العلوم في المنظومات التعليمية للدول العربية والإسلامية، مع الاعتماد على المعرفة الرئيسة بالجوانب والسياقات التاريخية والأيديولوجية لهذه العلوم، حتى تكون في متناول الفهم والإدراك.

اقرأ أيضًا: دعوة للتفكير… لماذا ابتعد العالم العربي عن العلم؟

ومن أبرز كتب ومؤلفات جبار كتاب “العلوم العربية في عصرها الذهبي”، و”تاريخ العلوم العربية (مقابلات مع جان روسموروك)”، و”الجبر العربي”، و”العلوم العربية في إفريقيا: الرياضيات وعلم الفلك (مع مارك مويون)”، وكان جبار أميناً علمياً بارزاً لمعرض “العصر الذهبي للعلوم العربية” في معهد العالم العربي في باريس سنة 2005.. وهذا نص الحوار مع البروفيسور أحمد جبار:

معرفة الماضي

جواباً على أول سؤال يتعلق بموضوع “العصر الذهبي للعلوم العربية”، من رياضيات وهندسة وفلك وغيرها، وبماذا ستفيد هذه المعرفة الأجيال الحالية والقادمة، أجاب جبار بأن معرفة تاريخ الأنشطة العلمية في الدول الإسلامية يعد جزءاً من معرفة تاريخ حضارة الإسلام ككل، بما تشمله من ظواهر دينية وثقافية وسياسية، وحضارة مادية، بما لها من أبعادٍ اقتصادية وأبعاد تكنولوجية، وأبعاد علمية؛ وبالتالي، فإن معرفة الماضي تجعل من الممكن فهم الحاضر بشكلٍ أفضل، والاستعداد للمستقبل.

“ما جدوى دراسة ومعرفة السياقات والجوانب التاريخية والأبستمولوجية للعلوم؟”، سؤال آخر لـ”كيوبوست” أجاب عنه جبار بالقول إن دراسة ومعرفة الجوانب التاريخية والمعرفية للعلوم تجعل من الممكن تحسين التعليم العلمي الحالي، من خلال البعد التربوي، وإثراء تدريب الطلاب من خلال الانخراط في ثقافة العلوم.

وأردف جبار بأن ثقافة العلوم تمر، على وجه الخصوص، عبر إدخال تاريخ المفاهيم والأدوات المنتجة أو المستخدمة في التقاليد العلمية للحضارة الإسلامية، ولكنها تتطلب معرفة أفضل بالتاريخ الثقافي (بالمعنى الواسع) للمجتمعات في الفضاء الإسلامي أيضاً.

البروفيسور أحمد جبار

سياق العصر الذهبي

لكن.. كيف تمكن العرب في تلك الحقبة الذهبية من تحقيق كل تلك المنجزات من العلوم، وما الذي توفر حينها ولا يتوفر الآن، رغم أننا نعيش في رغد من العيش ومن التكنولوجيا أيضاً؟

يجيب جبار بأن تطور العلوم في البلدان الإسلامية كان نتيجة ديناميكية عامة مدفوعة بقدوم “الدين الجديد”، والتي غذَّتها الاحتياجاتُ الجديدة للمجتمع في القرنين الثامن والعاشر.

واستدرك جبار قائلاً “لكن الدافع الحاسم كان نتيجة ظاهرتين، الأولى عبارة عن الإرادة السياسية لبعض القادة في ذلك الوقت، والذين فهموا أهمية العلم في تطوير المجتمع؛ والظاهرة الثانية تمثلت في ظهور فئات اجتماعية جديدة لها مصلحة في تطوير العلوم والتكنولوجيا”.

غلاف كتاب “العلوم العربية في عصرها الذهبي”

حريٌّ بالذكر أن جبار حاول في مؤلَّفِه “العصر الذهبي للعلوم العربية”، وفق ديباجة الكتاب، أن يرصد بشكلٍ عام وضعية العلوم العقلية في الحضارة العربية الإسلامية منذ البدايات الأولى لتشكل نسيج هذه الحضارة التي صارت بمثابة الحاضنة للموروثات العلمية للحضارات القديمة؛ البابلية والهندية والفارسية واليونانية.

بالمقابل، وخلال ثنايا الدردشة ذاتها مع “كيوبوست”، نفى مؤرخ العلوم العربية وجود أي تبادل بين الفضاء الإسلامي وأوروبا خلال فترة تطور العلوم العربية، وقال إنه “لم يكن هناك حتى تداول للمعرفة من الفضاء الإسلامي إلى الفضاء المسيحي في أوروبا”. ما هو السبب؟

يجيب جبار: “لم تكن المجتمعات الأوروبية مستعدة، في الفترة الزمنية بين القرنين التاسع والحادي عشر، لاستيعاب المعرفة التي تُرجمت من اليونانية والسنسكريتية (السنسكريتية تشير عموماً إلى العديد من اللغات الهندية الآرية القديمة) إلى العربية، سيَّما التي تم إنتاجها في إطار الحضارة الإسلامية، إذ لم تبدأ عملية استحواذ أوروبا على العلوم العربية ببطء إلا في القرن الثاني عشر، قبل أن تشهد تسارعاً من القرن الثالث عشر إلى الخامس عشر.

اقرأ أيضاً: الإسلام والانتخاب الطبيعي: علماء عرب سبقوا داروين بنحو 1000 عام!

بين الازدهار والتطور

وفي سؤالٍ للموقع بخصوص رؤية جبار، كونه تولى سابقاً منصبي وزير البحث العلمي ووزير التربية والتعليم في الجزائر، بخصوص دور وزارات التعليم في البلدان العربية في العمل على ازدهار العلوم، أفاد الضيف بأنه لا يملك إجابة شاملة لهذا السؤال، لأن تطور العلم في البلدان العربية أو الإسلامية الحالية لا يعتمد فقط على تاريخها العلمي، فهو يتضمن عدة مقاييس تختلف باختلاف الدولة، وأيضاً حسب المجتمعات العربية أو الإسلامية المعنية، وحسب الديناميكيات أو المكابح التي تحدثها البيئة الدولية.

وبشأن أسباب التدهور والانحدار الذي أصاب المنجز العلمي للدول العربية والإسلامية، أكد جبار أن العوامل التي يمكن أن تفسر عملية انحدار حضارة الإسلام، وتباطؤ الديناميكية العلمية ثم توقفها، عديدة ومختلفة.

اقرأ أيضاً: الدين والمجتمعات الغربية

وأكمل جبار “المرحلة الحالية من البحث في تاريخ الأنشطة العلمية تقتصر، بشكلٍ أساسي، على عمل جرد وتحليل للإنتاج العلمي الذي وصل إلينا، وستستمر هذه المرحلة الأولى لعدة عقود”.

وزاد “في الواقع، يتطلب البحث عن ظاهرة الانحدار معرفة أفضل بظروف إنتاج العلم خلال العصر الذهبي لحضارة الإسلام، ومعرفة أفضل بالسياقات السياسية والثقافية والأيديولوجية والاقتصادية التي تمارَس فيها العلوم. وبعد ذلك، سيكون من الضروري إجراء أبحاث جديدة لمحاولة إثبات الصلة بين التباطؤ في الأنشطة العلمية و”الأزمات” المختلفة التي تمر بها المجتمعات في البلدان الإسلامية، والتي قد يكون لها تأثير بدرجات متفاوتة على الديناميكية العلمية”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات