الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

ثورة 1919م في مصر.. أولى الثورات المدنية في المنطقة

كيوبوست- مدى شلبك

على إثر تحرر العرب من الدولة العثمانية، بعد أربعة قرون من الاستعمار، وقعت الدول العربية تحت استعمارات أخرى بداية القرن العشرين، كانت حتمية التاريخ تسير باتجاه ظهور تيار تحرري عربي يتمرد في وجه الاستعمار، ويكمل مسيرة التحرر والاستقلال؛ فكانت مصر في طليعة المواجهة.

وعلى إثر تلك الإرهاصات الوطنية، اندلعت عام 1919م أول ثورة مدنية في مصر؛ بهدف التخلص من الاستعمار البريطاني، فبخلاف الثورة العُرابية (1881- 1882) ضد الخديو توفيق والتدخل الأجنبي، التي كانت بقيادة الجيش، جاءت ثورة 1919م المدنية، التي انخرط فيها الرجال والنساء والطلبة والعمال والمثقفون…

البداية.. اعتقال زغلول ورفاقه

وجاءت التحركات المصرية لنيل الاستقلال في ظل أجواء مواتية لقيام ثورة في مصر، فلم يفِ الاحتلال الإنجليزي بتنفيذ وعوده بالجلاء عنها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فقد أصبحت مصر محمية بريطانية منذ نوفمبر 1914م.

كما عانى المصريون ظروفاً معيشية قاهرة، نتيجة سياسات النهب التي سخَّرها الاستعمار البريطاني لخدمة مصالحه، والتضخم والبطالة ونقص السلع، والمعاملة السيئة بحق العمال المصريين، وتجنيد المصريين قصراً للمشاركة في الحرب لصالح بريطانيا في العمليات العسكرية في فلسطين وسوريا.

ولم تتوانَ السلطات عن قمع المعارضة، التي تجلَّت بأن حاول وطنيون مصريون، على رأسهم سعد زغلول، عرض مطالبهم بالاستقلال، ففي سبتمبر 1918م شكَّلوا وفداً للتوجه إلى مؤتمر باريس للسلام، كما عرضوا مطالبهم على المفوض السامي في مصر “فرانسيس ريجنالد وينجيت”، في 13 نوفمبر 1918م، وأرادوا الحصول على إذن للسفر إلى لندن؛ لعرض قضيتهم.

سعد زغلول- AFP/Getty Images

قوبلت مطالب زغلول ورفاقه بالرفض، كما شككت وزارة الخارجية البريطانية في شرعية زغلول ورفاقه كممثلين لمصر، ليفاجئها المصريون بجمع توقيعات ضمن التماس ضخم أكد مستوى الدعم الذي يحظى به زغلول ورفاقه؛ بما في ذلك “علي شعراوي” و”عبدالعزيز فهمي”، الذين شكلوا في ذلك الوقت حزب الوفد، وواصلوا العمل من أجل الاستقلال؛ حتى قبضت السلطات البريطانية عليهم في 8 مارس 1919م، ونفتهم بعد يوم من اعتقالهم إلى جزيرة مالطا، ما أدى إلى اندلاع ثورة 1919م.

مظاهر الثورة

اندلعت ثورة 1919م بعد يوم من اعتقال زغلول، وامتازت بأنها وحَّدت الشعب المصري؛ فقد شارك بها أفراد من جميع أطياف المجتمع، من طلاب وعمال وموظفين ومفكرين وفنانين منهم سيد درويش، الذي تصدر الجماهير في المظاهرات، واعتبر رمزاً من رموز الثورة؛ إذ شكلت أغانيه مثل “بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي”، وأغنيتَي “قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك” وقوداً لها. كما شهدت ثورة 1919م حضوراً ملحوظاً للمرأة المصرية.

وفي أسابيعها الأولى شهدت الثورة انطلاق مظاهرات طلابية حاشدة في عدة محافظات، واندلاع احتجاجات في القاهرة قمعها البريطانيون بعنف؛ فقتلوا واعتقلوا متظاهرين، وقادت المظاهرات إلى إضرابات عمالية، تحولت إلى إضراب وطني عام شمل السائقين والمحامين والقضاة وعمال السكك الحديدية، ومهنيين من قطاعات مختلفة؛ ما أصاب البلاد بالشلل.

اقرأ أيضاً: ثورة 25 يناير.. تحركات مطلبية أوقعت المصريين في فخ الإخوان

وشارك الفلاحون في الثورة، وكانت في الريف المصري أشد عنفاً؛ فقد تم تخريب خطوط السكك الحديدية وخطوط التلغراف، وقُتل جنود بريطانيون ومسؤولون مصريون متعاونون مع السلطات البريطانية.

وفي 15 مارس 1919م، حدثت تظاهرة حاشدة، ضمت عشرة آلاف متظاهر عند قصر عابدين بالقاهرة. وفي اليوم التالي، تجمعت مئات النساء المصريات للاحتجاج لأول مرة على ممارسات الاستعمار البريطاني، بقيادة زوجات القادة المنفيين؛ بما في ذلك صفية زغلول وهدى شعراوي، وشمل دورهن تنظيم الإضرابات والحشد لمقاطعة البضائع البريطانية.

نساء يتظاهرن ضد المستعمرين البريطانيين عام 1919 في القاهرة

وكرَّست ثورة 1919م شعار “الدين لله والوطن للجميع”؛ فخلالها التحم المسلمون والأقباط، واجتمعوا على غاية واحدة؛ نيل الاستقلال، ومن المشاهد التي جسدت تلك الحالة؛ أن اعتلى القمص سرجيوس منابر الأزهر الشريف وألقى من عليها خطباً وطنية، كما كلَّف الأزهر شيوخاً ليخطبوا في الكنائس.

النتائج

خلال شهر مارس من عام 1919م كانت بريطانيا آخذة بفقدان السيطرة على مصر، ولاحتواء المشهد استبدلت بالمفوض السامي في مصر وينجيت، الجنرال إدموند ألنبي، الذي أجرى مفاوضات مع سياسيين مصريين طالبوا بالإفراج عن قادة “الوفد”، والمشاركة في مؤتمر باريس، وبناءً عليه غادر زغلول (زعيم الأمة) ومنفيون آخرون إلى باريس في 7 أبريل.

كرَّست ثورة 1919م شعار “الدين لله والوطن للجميع”

ومع ذلك لم تنتهِ الثورة، فتم تكليف اللورد ميلنر بقيادة بعثة إلى مصر في ديسمبر 1919م؛ للبحث عن حل سياسي يضمن مصالح بريطانيا في مصر، لكنَّ القادة المصريين المؤيدين للاستقلال لم يبدوا أي تعاون مع ميلنر؛ بل تجددت الإضرابات والمظاهرات، ما اضطره إلى استدعاء زغلول ورفاقه إلى طاولة المفاوضات في لندن.

اقرأ أيضاً: “قناة السويس”.. فخر المصريين من الحفر إلى التأميم

وفي 4 أبريل 1921م عاد زغلول إلى مصر، مشترطاً إلغاء الحماية البريطانية مقابل إجراء مزيد من المفاوضات؛ الأمر الذي رفع شعبيته، فرأى ألنبي أن شعبية زغلول ستحول دون تشكل حكومة موالية للاستعمار في مصر، فتم ترحيل زغلول مرة أخرى في ديسمبر من نفس العام إلى جزيرة سيشيل.

ونتيجة لترحيل زغلول؛ تجددت الاحتجاجات مرة أخرى في جميع أنحاء مصر؛ ما اضطر بريطانيا في 28 فبراير 1922م إلى إعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة، دون إشراك زغلول وقادة المعارضة في المفاوضات، ووضع قانون انتخابي يؤسس لانتخابات برلمانية، في حين تم إقرار الدستور عام 1923م. بالمقابل؛ احتفظت بريطانيا بالسيطرة على السودان، الذي كان وقتها تابعاً لمصر، بالإضافة إلى بقاء السيطرة على الشؤون الدفاعية والخارجية للحفاظ على مصالحها الاستعمارية فيها، وظلت القوات البريطانية متمركزة في مصر حتى توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954م.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات