الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

ثقب الأوزون… أعظم قصة نجاح بيئي في تاريخ الأمم المتحدة

كيوبوست

لم تكن موجة الحرائق التي اجتاحت غاباتِ عدة دول، أواخر صيف عام 2021، وعزَاها خبراء إلى التغير المناخي، التحذيرَ الأول من التغيرات التي طرأت على الكوكب منذ عقودٍ بفعل نشاطات بشرية وصناعية، كالاحتباس الحراري وثقب الأوزون، بل جاءت أولى محاولات التحذير قبل حوالي أربعين عاماً.

لكن الدول الصناعية أخذت ناقوس الخطر بعين الاعتبار بعد أن قرع بـ 15 عاماً، إذ تبنت حكومات العالم بروتوكول مونتريال الناجم عن اتفاقية “فيينا” لحماية طبقة الأوزون عام 1985، وبموجب البروتوكول عملت الحكومات والعلماء والصناعة على التخلص من 99% من جميع المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، واحتفالاً بـ”أعظم قصة نجاح بيئي في تاريخ الأمم المتحدة” حددت الأمم المتحدة يوم 16 سبتمبر يومَ الأوزون العالمي…

فما هي قصة بروتوكول مونتريال؟ وكيف أثّر بالإيجاب على طبقة الأوزون؟

اقرأ أيضًا: في يومها العالمي.. الفيلة تواجه خطر الانقراض

اكتشاف المشكلة

تعود أولى إرهاصات الحل، إلى عام 1973، عندما اكتشف الباحث في جامعة كاليفورنيا- إيرفين، “ماريو مولينا”، أن مركّبات الكربون الكلوروفلورية (CFC)، المستخدمة في تبريد الثلاجات، وصنع رشاشات الرذاذ، ورغوة البلاستيك، من شأنها أن تدمر طبقة الأوزون والتي هي جزء من الغلاف الجوي العلوي لكوكب الأرض، وتحتوي على غاز الأوزون، الذي يمنع وصول الموجات فوق البنفسجية القصيرة الضارة إلى سطح الأرض بتركيزٍ عالي.

وبذلك يشير مصطلح “ثقب الأوزون” إلى نضوب غاز الأوزون في الغلاف الجوي العلوي، (الستراتوسفير) تحديداً، فوق المناطق القطبية للأرض، ويسبب استنفاده وصول كمياتٍ أكبر من الموجات فوق البنفسجية إلى الأرض، التي تؤدي لمشاكل صحية في جهاز مناعة الإنسان، والإضرار بالعيون كإعتامها، وارتفاع نسب الإصابة بسرطان الجلد وسرطانات أخرى، وزيادة إنتاج فيتامين د.

مركبات الكربون الكلوروفلورية (CFC)، المستخدمة في صنع رشاشات الرذاذ من شأنها أن تدمر طبقة الأوزون

أما بالنسبة للبيئة، فإنّ تعرّض النباتات لكمياتٍ أكبر من الأشعة فوق البنفسجية، يُلحق الضرر باليخضور (الكلوروفيل)، وبالتالي تنخفض القدرة الإنتاجية، مما يعرض الأمن الغذائي للتهديد، كما تعطل تلك الأشعة، لأسبابٍ مختلفة، نمو بعض أهم المحاصيل الغذائية كالأرز. وتؤدي زيادة الأشعة فوق البنفسجية، إلى زيادة أوزون غلاف التروبوسفير، وبهذه الحالة يصبح غاز الأوزون مصدر ضرر؛ لأنه سام.

ومع أن مركبات الكلوروفلوروكربون (CFC)، التي اكتشفها مولينا، مدمرة للأوزون، فإنها لم تكن الوحيدة، إذ تعتبر الهالونات، سبباً في ذلك أيضاً، فهي غازات كانت تستخدم سابقاً في علب رذاذ الأيروسول وغازات التبريد، ومواد إطفاء الحرائق، كما استخدمت على نطاقٍ واسع للحفاظ على أجزاء الكمبيوتر الكبيرة، والأجهزة العسكرية، ومحركات الطائرات التجارية.

اقرأ أيضًا: إصلاح النظم الإيكولوجية.. حل لأخطر التغيرات البيئية

إضافة إلى رباعي كلوريد الكربون (CCl4) وبروميد الميثيل (CH3CCl3)؛ أهم غازات الهالوجين المحتوية على الكلور، والمنبعثة من الأنشطة البشرية، ويستخدم في المقام الأول كمادة تبخير لمكافحة الآفات في الزراعة، وتطهير سلع شحن الصادرات.. وغيرها.

إجراء دولي     

تم تأكيد تحذيرات مولينا عام 1985، بعدما رصد فريق من العلماء البريطانيين انخفاضاً ملحوظاً في تركيز الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، وبناءً عليه قامت حكومات عدة دول؛ من بينها الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، اللتان كانتا منخرطتين في الحرب الباردة حينها، بفتح حوارٍ لحل المشكلة البيئية، وتوصلا لتوقيع بروتوكول “مونتريال”، الذي صادق عليه كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبموجبه تقرر منع استخدام المواد الكيميائية التي تستهلك طبقة الأوزون، وذلك عام 1987.

مراحل تشكل ثقب الأوزون وتلاشيه- وكالة البيئة الأوروبية

وتمكَّن بروتوكول مونتريال من إحراز نتائج ملموسة، فقد انخفض الاستهلاك العالمي للمواد المستنفدة للأوزون بنحو 98% منذ أن بدأت الدول الالتزام بشروطه، وأظهرت طبقة الأوزون أولى علامات التعافي.

ومع ذلك، فمن غير المتوقع أن تتعافى طبقة الأوزون تماماً، قبل النصف الثاني من القرن الحالي، وذلك لأنه بمجرد إطلاقها، تبقى المواد المستنفدة للأوزون في الغلاف الجوي لسنواتٍ عديدة، وتستمر في خلق الضرر.

حل أدى لمشكلة!

كان من المفيد التخلص من المواد المستنفدة للأوزون -مواد من صنع الإنسان- مثل مركّبات الكربون الهيدروكلورية فلورية، فهي أيضًا مسببة للاحتباس الحراري الذي نتج عنه التغير المناخي.

اقرأ أيضًا: ماذا سيحدث لو خسرنا النحل؟

لكن من ناحيةٍ أخرى، عندما بدأت الصناعات بالتخلي عن تلك المواد الضارة، اعتمدت في الوقت ذاته بدائل لا تقود لاستهلاك الأوزون، لكنها تصنف من المواد المسببة للاحتباس الحراري، كالغازات المفلورة (“F-gases”). لذلك في عام 2016، وافقتِ الأطراف الموقّعة على بروتوكول مونتريال على إضافة الأنواع الأكثر شيوعاً من الغازات، إلى قائمة الممنوعات؛ لأنها تزيد من الاحتباس الحراري، والذي من أهم نتائجه التغير المناخي، الذي كان سبباً في نشوب أخطر حرائق الغابات.

ووفقًا لتقرير نشرته المفوضية الأوروبية على موقعها، فإنه لضمان عدم استهلاك الأوزون مجدداً، لابدّ من التنفيذ الدقيق للقيود الحالية المفروضة على المواد المستنفدة لها. إضافة إلى التعامل مع مخازن وأماكن تواجد المواد المستنفدة للأوزون، بطريقةٍ صديقة للبيئة، واستبدال بدائل صديقة للمناخ بها. وعدم تحويل الاستخدامات المسموح بها للمواد المستنفدة للأوزون إلى استخدامات غير مشروعة.

اقرأ أيضًا:   الاندماج بين نشطاء المناخ وحقوق الحيوان وخطر التحول إلى التطرف العنيف

إلى جانب الحدِّ من استخدام المواد المستنفدة للأوزون، في التطبيقات غير المدرجة ببروتوكول مونتريال، وعدم ابتكار مواد كيميائية أو صناعات جديدة يمكن أن تشكل تهديداً جديداً.

ووفقاً للمفوضية، فإنه لا يزال هناك الكثير للقيام به، لضمان استمرار استعادة طبقة الأوزون، وتقليل تأثير المواد المستنفدة لها على مناخ الأرض.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة