الواجهة الرئيسيةحواراتشؤون دولية

تيون فان دونجن لـ”كيوبوست”: أفغانستان تحولت لحلبة صراع بين طالبان وداعش

تحدث رئيس برنامج التهديدات الحالية والناشئة في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بمقابلةٍ خاصة عن الوضع في أفغانستان وتنظيم داعش والخلافات بين داعش وطالبان

كيوبوست

تيون فان دونجن

أكد زميل أبحاث أول ورئيس برنامج التهديدات الحالية والناشئة في ICCT المركز الدولي لمكافحة الإرهاب د.تيون فان دونجن أن تنظيم داعش يحاول تقديم نفسه كبديلٍ إسلامي للحكم في أفغانستان التي تحولت لساحة صراع بينه وبين حركة طالبان، مؤكداً أن حكم طالبان لأفغانستان وضع العالم في موقف صعب للغاية.

وتحدث د.دونجن في مقابلةٍ خاصة مع “كيوبوست” عن رؤيته للوضع في أفغانستان، ومستقبل تنظيم داعش، بالإضافة لرؤيته للاستراتيجية الأوروبية في مواجهة الجماعات الجهادية. وإلى نص الحوار..

* هل تعتقد أن حركة طالبان جادة في السعي نحو تحسين حياة الشعب الأفغاني؟

– من الواضح أن أمامنا موقفاً صعباً للغاية، لاعتقادي أن طالبان لا تبدي حالياً أي استعداد لتقديم تنازلات، مثلما فعلت عندما استولت على السلطة. في البداية، كان هناك بعض الأمل في أنهم ربما يقدمون بعض التنازلات، أو على الأقل سينفتحون على نوعٍ من التسوية.

على سبيل المثال، أشارت توقعات إلى أن منظمة مثل البنك الدولي سيكون لها بعض النفوذ على الحركة، انطلاقاً من أن طالبان ستكون على استعدادٍ لتقديم تنازلاتٍ للحصول على المساعدات الدولية التي يحتاجونها لإعادة البلاد إلى المسار الصحيح، ولكن من الواضح أنهم لا يهتمون بأيٍّ من ذلك، وأن مبادئهم الدينية أكثر أهمية بالنسبة لهم من رفاهية الشعب.

ولذلك، نراهم يفرضون جميع أنواع القواعد القاسية والتدابير التقييدية التي من الواضح أنها سيئة للاقتصاد والبلاد، وهو الأمر الذي يجعل منظمات الإغاثة، وجهات الدعم، في موقفٍ صعب للغاية لأنها ستضطر إلى العمل بنفسها في ظل تلك الظروف، وفي ظل القيود التي تفرضها طالبان.

من جانبٍ آخر تبدو المهمة صعبة للغاية لأن طالبان يحكمون البلاد بطريقةٍ سيئة، وهي الطريقة التي يديرون بها المشكلات كافة، وهو ما يعني تعرض السكان لمجاعةٍ ضخمة قد تحدث، مع تراجع الأوضاع الاقتصادية وتراكم الديون. فنحن أمام دولة من الصعب للغاية العمل معها، وتقديم المساعدات لها، وما دام أن طالبان تتمسك بالموقف الذي تتخذه الآن، فلن نتوقع جديداً.

مقاتلو “طالبان” يحتفلون في الذكرى الأولى لاستيلاء طالبان على كابول- “AFP”

* كيف ترى العلاقة بين سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان، وما تبعه من نشاطٍ لنفوذ حركة طالبان الباكستانية؟

– كان هذا أحد المخاوف الحقيقية من استيلاء طالبان على السلطة: هل تتحول أفغانستان إلى مركز لانطلاق الأنشطة الإرهابية، وهل سيسمحون لمنظماتٍ مثل القاعدة وطالبان الباكستانية بالعمل على أراضيهم؟

أعتقد أنه بات من الواضح حالياً أنهم يفعلون ذلك بالفعل، لذا فإن أحد الأسباب التي تجعل دولاً مثل الصين وروسيا تتخوف من التعامل مع طالبان، هو دعم الحركة لمجموعةٍ مثل طالبان الباكستانية، وتقديم الملاذ الآمن لها، إذا صح التعبير، حيث توفِّر الحركة لطالبان الباكستانية مكاناً يمكنهم من خلاله إعادة تنظيم أنفسهم، وشن عمليات جديدة، تنفذ في الخارج وتؤتي ثمارها.

عناصر طالبان أثناء الذكرى الأولى لدخول كابول (وكالات)

* إلى أي مدى قد يؤثر هذا الأمر على الوضع في باكستان؟

– لا شك في أن هذه العلاقة ستؤثر على حكومة باكستان ومستقبلها، وستضغط روسيا والصين أيضاً على طالبان. لذا يبدو الأمر كما لو أن الجميع يعرف ماذا تفعل طالبان الآن، لكني لست متأكداً هل ستتخذ الحكومة الباكستانية إجراءاتٍ ضد طالبان بشكلٍ مباشر أم لا، فلست ضليعاً في السياسة الباكستانية، ولكنني أعتقد بشكلٍ عام أن هذا الأمر أحد الأسباب التي تدفع الجهات الفاعلة الخارجية مثل باكستان إلى البحث عن طرقٍ للضغط على طالبان لمنعها من إيواء منظمات إرهابية، وأعتقد أن جوهر الأزمة عدم ممانعة كثير من الدول في حكم طالبان لأفغانستان ما دام لا يؤدي وجودها لأي مشكلاتٍ في الخارج.

ولكن في اللحظة التي سيقود وجود طالبان إلى عدم الاستقرار في الخارج، وظهور المشكلات، فإن الوضع سيختلف. اعتقادي أن طالبان ستسهم في تحويل المنطقة إلى مركز للأنشطة الإرهابية، وهو ما سيوقع الحركة في مشكلاتٍ عدة أو على الأقل لن يساعدها على الإطلاق.

اقرأ أيضًا: هل تتحول جزر المالديف إلى مركز للجماعات الجهادية؟!

* دعنا ننتقل إلى منطقةٍ أخرى، سوريا والعراق، هل تعتقد بأن تنظيم داعش قادر على العودة مرة أخرى؟

– أعتقد أن داعش موجود حالياً، وفي بعض الأحيان سينفذ هجماتٍ لإشعار السكان بوجوده، ولكن في كثيرٍ من الأحيان سترى أن التنظيم يتراجع إلى مستوياتٍ أدنى وأقل حدةً من العنف، وأعتقد أنه استمر على هذا النحو لفترة من الوقت، قد يلجأون لأساليب حرب عصابات مميتة ومؤذية للغاية.

لكني أعتقد أنه من المهم أيضاً إدراك مدى مرونتهم، وقدرتهم على التكيف مع الظروف الراهنة، ولجوئهم للأساليب الدفاعية، وتقسيمهم لوحداتهم إلى وحداتٍ أصغر سهلة الانتشار، وفي حال قُبض على إحدى هذه الوحدات، تتمكن الوحدات الأخرى من الاستمرار والمضي قُدماً.

وبرأيي اللا مركزية هذه تعني قدرتهم على البقاء والتهديد. ومع ذلك فإن تنظيم داعش في الحقيقة بعيد كل البعد عما كان عليه في السابق، ولا أعتقد أنهم في وضع يمكنهم من استعادة تلك القوة والمكانة، بوصفهم حكاماً فعليين لأجزاء من سوريا أو العراق.

بعدما خرج مهزوماً من مدينة الرقة عاد تنظيم داعش الإرهابي لاستهداف “قسد”

* هل من تصورٍ لكيفية تعامل حكومتي سوريا والعراق مع ما تبقى من التنظيم؟

– أعتقد أن تحليل أسباب ازدهار التنظيم هي التي ستمكننا من مواجهته، لذا فإن التوسع التدريجي في تطوير الجهاز الحكومي أو بنائه سيمكنه من الحفاظ على الأمن، كما أن أسلوب الحكم الجيد والرشيد هو الإجابة في هذا السياق، ولكن هذا لا يحدث بين عشية وضحاها، وهو أمر يستغرق سنوات أو حتى عقود لبنائه. لذلك فإن تبني خطوات في هذا الاتجاه، ستقود إلى ابتعاد السكان عن داعش، ولن يقدموا لهم أي نوع من الدعم، وبعد ذلك يصبح من الصعب جداً على جماعة متمردة أن تعمل وسط السكان.

* كيف ترى العلاقة بين داعش وطالبان في الوقت الحالي؟

– هم أعداء لبعضهم بعضاً لأسبابٍ موضوعية متنوعة يتعلق إحداها بنظرة داعش لطالبان باعتبارها تنظيما محليا، وبالتالي يعتقدون أن طالبان ليست متشددة بما يكفي. سبب آخر هو أن حركة طالبان تنخرط في أنشطة يعتبرها تنظيم داعش مخالفة لتعاليم الإسلام، ومنها تهريب المخدرات. وفي أفغانستان يظهر هذا العداء، فتنظيم داعش يحاول إلحاق الضرر بحركة طالبان، وإظهارها فاقدة للسيطرة، لذا يرتكبون الهجمات ويركزونها حول كابول، ومن ثم تظهر طالبان أمام الشارع الأفغاني بمظهر القاصر عن حماية الناس، ما يقوِّض شرعية طالبان التي أصبحت أكثر حذراً خاصة مع تقديم داعش نفسه كبديل إسلامي للحركة في الحكم.

هجوم نيس الإرهابي- أرشيف

* في خضم النشاطات الإرهابية والمتطرفة حول العالم، هل تعتقد أن هناك استراتيجية أوروبية موحدة من أجل التعامل مع الإرهاب؟

– وجدت الدول الأوروبية بعد عام 2015 طريقة قد لا تضمن القضاء تماماً على التهديد الإرهابي، لكنها تضعفه على أقل تقدير، وأعتقد أن الإجراءات الاحترازية التي تبنتها أوروبا لمكافحة الإرهاب ساهمت في ذلك. وهناك اهتمام بالإجراءات الوقائية والمرتبطة بمعالجة الأسباب الجذرية والقضاء على التهديد الإرهابي. واستغرق الأمر عامين لتطوِّر وكالات الاستخبارات والشرطة منهجيتها، لكني أعتقد أن لديها حالياً رؤية واضحة جداً لكيفية عمل هذه الشبكات الجهادية وتنظيمها، وهو ما سمح لها باعتقال وتوقيف العديد من المنتمين للحركة الجهادية في أوروبا. ونتيجة لتوسيع الصلاحيات التي تتمتع بها أجهزة الشرطة والاستخبارات في أوروبا لم يعد من السهل التخطيط والتحضير لهجومٍ إرهابي كبير دون أن يلاحظه أحد.

اقرأ أيضًا: العلاقة بين الإرهاب والمجاعة وهشاشة الدولة

* لكن ما زلنا نشهد بعض العمليات من وقتٍ لآخر؟

– أعتقد أن الحركة الجهادية في أوروبا مبعثرة جداً الآن، يبدو الأمر وكأن أكثر الأعضاء نشاطاً قد اعتقلوا أو قتلوا، والأشخاص الذين بقوا يخشون التواصل مع بعضهم البعض خوفاً من تعقب اتصالاتهم، ومن ثم القبض عليهم. ومن ثم فالخيار الوحيد المتبقي لديهم هو ذلك النوع من الإرهاب الذي يقوم به الذئاب المنفردة، حيث يخطط شخص ما لإجراء وتنفيذ هجوم بنفسه، ومن الواضح أن هذا يحد من قدراتهم العملياتية.

أما لو كان لديك مجموعة من الأشخاص، فعندئذ يمكنك ارتكاب وتخطيط وتنفيذ هجوم إرهابي كبير جداً. لذا أعتقد أن الدول الأوروبية تسيطر حاليا على تلك الشبكات الجهادية بطريقةٍ تجعل من الصعب جداً استمرارها في العمل، ونتيجة لذلك فهي أقل خطورة بكثيرٍ مما كانت عليه، قبل نحو 5 سنوات.

* أخيراً، هل تعتقد أن اهتمام الولايات المتحدة بهذا الأمر تراجع في الفترة الأخيرة؟

– أعتقد أن الولايات المتحدة أكثر وعياً مما كانت عليه فيما مضى، وباتت تدرك أن التدخل العسكري في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى يكلفها الكثير من الأرواح، لذا فإن فكرة أن ترسل قواتها إلى الخارج لتحقيق الاستقرار أو شيء من هذا القبيل فقدت مصداقيتها وجاذبيتها تماماً، لا يزال لديهم قدرات الطائرات بدون طيار، بالطبع، لكن هذا في الحقيقة ليس مثل غزو العراق، لذلك أعتقد أنهم ما زالوا يبحثون عن الإرهابيين كما ترون، عندما يقتلون شخصاً هنا أو هناك، كما حدث العام الماضي في كابول، لكنني أعتقد أن أكثر ما يهم أمريكياً هو تنفيذ حملة اغتيالاتٍ خاطفة، وليس تحريك الجيوش لتحقيق الاستقرار أو جلب الديمقراطية إلى مناطق أخرى.

أعتقد أن شيئاً آخر يتعلق بهذا الأمر هو أن مصالح أمريكا الاستراتيجية تتغير عندما يتعين عليهم النظر إلى ما تفعله الصين، وأعتقد نتيجة لذلك، فإن ثمة مناطق أخرى مثل شرق وجنوب شرق آسيا أصبحت أكثر أهمية مما كان عليه حينها الشرق الأوسط، لذا، ربما لا يكون قتال الجهاديين أولوية كبيرة، كما كان في السابق.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة