الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربيةمقالات

“تياترو” الشيخ رفاعة.. ويوم المسرح!

كيوبوست

عبد الله الزيد♦

الأزهري الشيخ رفاعة الطهطاوي، أو “أبو العزيمة ” كما كان يحب أن يناديه ناظر البعثة العليَّة للبلاد الفرنسية سنة 1827م، حين بُعث رفاعة بِك الطهطاوي إماماً ومرشداً دينياً لمجموعة من المبتعثين المصريين في فرنسا بتوصية من الشيخ حسن العطار، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، معاصراً لفيلسوف الروح هيجل، وشوبنهاور، وكندرسيه، فلم يكتفِ الشيخ بالإمامة؛ وشبَّ عن طوق المعارف الأزهرية المحدودة، كاسراً قالب الشيخ الديني التقليدي، دارساً الميثولوجيا، والمنطق، وقارئاً فولتير، ومترجماً أجزاء من روح شرائع مونتسكيو ورسائله الفارسية، وأجزاء من عقد روسو الاجتماعي، ومشاركاً بعد عودته في إشعال ومضة نهضة عربية لم يُكتب لها الاستمرار.

رجع شيخ رفاعة لمصر مقدماً للقارئ العربي حينها تلخيصاً لتجربته وتأملاته عن فرنسا بكتاب عنوانه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، وكان هذا قبل ما يقارب العشر سنوات من بدء عروض أول مسرحية عربية لمارون النقاش في بيروت 1848م، حين عرض النقاش في مسرح منزله الصغير “بخيل موليير” قبل أن يقف عن إكمال مشروعه المسرحي تحت ضغط التيار الديني ويُحوِّل مسرحه لكنيسة! ولكن ما علاقة المسرح “التياتر” بالشيخ رفاعة؟

غلاف كتاب “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”

لقد ضمَّن الشيخ رفاعة في كتابه عن حياة الفرنسيس فصلاً وصف فيه مسارح فرنسا ودور الأوبرا قبل ولادة المسرح العربي بفترة ليست بالقصيرة، ودوَّن إمام البعثة ومرشدها الديني كلاماً فريداً عن دور المسرح في التثقيف والتعليم، وعن تكوين الممثل المسرحي الذي يقارب عمق وتكوين العالم والفيلسوف، وكتب عن الرقص ومزاياه وعلو شأنه في فرنسا مقارنة برقص العوالم في مصر في ذلك الوقت، ومما ينقله الشيخ رفاعة عن المسارح والفنون: “إنها تؤدب أخلاق الإنسان، وتهذبها، وقد كُتب على الستارة باللاتينية: قد تصلح العوائد باللعب”.

اقرأ أيضًا: المرأة على خشبة المسرح.. معركة لا تزال قائمة

تلك التفاصيل مرت في مخيلتي مختلطة مع الذكرى السنوية للمسرح العالمي الذي يوافق 27 مارس من كل عام، وأنا اتأمل اغتراب الفن والفنان في واقعنا العربي وعالمنا الإسلامي، ودور الرأي الديني في تعزيز مثل هذا الاغتراب، أقولها مع الأسف المشهد الديني يشهد بعض المحاولات الخجولة تجاه كل المتغيرات الحديثة إلا في الفن! ما زال المشايخ -حفظهم الله- يتجهمون ويتوقفون أمام كافة أشكال الفن الرفيع، وسأحسن الظن وأقول إنهم لم يلقوا فرصة مثل فرصة شيخ رفاعة للانفتاح على هذا الشكل الرفيع من الإنتاج الإنساني، كما أنَّ الطابع التجاري الغالب والمخجل للتجربة الفنية السخيفة في هذا الوقت لا يساعد على أي رأي داعم، ولكن الساحة لا تخلو من تجارب ناضجة ورفيعة، وهنا ألقي بجزء من المهمة واللوم على جامعاتنا وكليات الشريعة عدم تدريسها للفلسفة والفنون كمواد تكميلية!

والسؤال هل سنرى قريباً رأياً شرعياً جريئاً تجاه منتج إنساني لا يقل قيمة عن التجربة الدينية في إنسانيته وعظمته؟

كل سنة والمسرح والمسرحيين بألف خير.

♦باحث سعودي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبدالله الزيد

باحث سعودي

مقالات ذات صلة