الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
تونس.. دلالات انتفاضة الشباب على حكم الإخوان وفساد الحكومة
تآكل الطبقة السياسية وانخراطها في معارك جانبية دون إدراك البؤس الذي غرقت فيه العائلات الفقيرة.. يقف خلف ما يشبه ثورة جديدة في تونس

تونس- وفاء دعاسة
تعيش تونس، منذ الأسبوع الماضي، على وقع حراك يومي في بعض المحافظات والأحياء الفقيرة، تقوده مجموعة من الشباب الذين دفعهم الشعور بالغضب والظلم للنزول إلى الشارع، في تحركاتٍ احتجاجية عفوية لم تخلُ من أعمال الشغب والسرقة التي طالت بعض الأحياء، ومواجهات مع الأمن وتوقيفات بالمئات.
الشعارات التي رفعها المحتجون هي شعارات مناوئة للطبقة السياسية الحاكمة، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورددوا خلال المسيرات عبارات تحمل دلالات مهمة؛ مثل “التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق”، و”الغنوشي ارحل”، و”لا خوف لا رعب.. الشارع ملك الشعب”، “يسقط حزب الإخوان”.. وغيرها من الشعارات التي تكشف عن عمق أزمة الثقة بين الطبقة السياسية الحاكمة والشارع التونسي.

ثورة جديدة؟
هذا الحراك الشعبي المتصاعد أرجعه مراقبون للشأن التونسي إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة؛ في مقدمتها تردِّي الأوضاع الاجتماعية، وتراجع مستوى المعيشة مقابل ارتفاع نسب البطالة والفقر، فضلاً عن تأزم الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب تآكل الطبقة السياسية، وانخراطها في معارك جانبية، دون إدراك البؤس الذي غرقت فيه العائلات الفقيرة، وما سبَّبه لها وباء كورونا.
اقرأ أيضاً: احتجاجات في تونس ضد خطاب الكراهية وعنف الإخوان
وأُطلق على هذه التحركات الجديدة للشباب التونسي العديد من التسميات؛ كـ”ثورة جديدة” أو “ثورة تصحيح مسار” أو “ثورة جياع”، حيث عاد التونسيون غاضبين إلى الشارع؛ لتجديد المطالب نفسها التي رُفعت على امتداد الأعوام العشرة الماضية، مع إضافة مطلب جديد بإسقاط المنظومة الحالية كاملةً، كشكل من أشكال التصعيد، ورداً على تمادي الحكومات المتعاقبة وأحزابها السياسية؛ وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية، بتجاهل مطالبهم، ومضيّها في سياسة التهميش والتجاهل.

وفي هذا السياق، يرى أستاذ علم الاجتماع والمدير العام للمرصد الوطني للشباب محمد الجويلي، أن هذه الاحتجاجات هي تعبير عن غضب واحتقان وقرف لدى فئات عديدة من المجتمع التونسي، مشيراً إلى أن هذه التحركات تكررت كثيراً منذ عشر سنوات، في كل الأوقات، وفي كل الجهات تقريباً؛ لكن الأهم هو حسن قراءة هذه الاحتجاجات وأسباب تغير المواقف، وقد رأينا طائفة سياسية تعتبر هذا الحراك أعمال عنف وتخريب، ورأينا آخرين يعتبرونها شكلاً من أشكال الاحتجاج الإيجابي.
وأكد الجويلي، في حديثٍ خاص إلى “كيوبوست”، أن القراءات تختلف كل من موقعه، وهناك مَن يحلم ويتصوَّر أن هذه الاحتجاجات ستؤدي إلى إحداث ثورة جديدة في البلاد، وبالتالي انقلاب النظام السياسي وتغيير موازين القوى، بينما هناك مَن يعتبرها مجرد انتفاضة وحراك اجتماعي مصيره الزوال والانتهاء؛ لكن الأهم من كل ذلك، حسب الجويلي، هو الإنصات إلى المحتجين والاجتماع بهم ومحاولة إيجاد قراءة صحيحة لحالة الغضب التي يعيشها الشباب.
اقرأ أيضاً: خطاب الكراهية الإخواني يستهدف المرأة ويثير غضب التونسيين
وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية تُعنى بمتابعة الحركات الاجتماعية) قد رأى أن التعبيرات الغاضبة وخروج مجموعة من التونسيين إلى الشارع هي “ترجمة لما تعرضت ولا تزال تتعرض إليه هذه الفئات الواسعة من عنف وعقاب جماعي، ووصم واستمرار لسياسات الإقصاء والتفقير والتجويع”، وندَّد المنتدى بما اعتبره رفض الدولة الاعتراف الفعلي بحقوق كل الأفراد، وبمبدأ تساويهم أمام القانون، مشيراً إلى أن مبدأ المساواة أمام القانون في تونس “شكلي”، ولا يكترث لحقوق التونسيين الاقتصادية والاجتماعية.
صراع السلطات
شهد الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي، والذي سبق جلسة منح الثقة للتحوير الوزاري الذي أعلن عنه رئيس الحكومة هشام المشيشي، خلافات حادة بين الرئيس قيس سعيّد من جهة، ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان من جهة أخرى؛ بسبب التعديل الوزاري المثير للجدل، قبل أن يرفع الرئيس سعيّد الاجتماع ملقياً كلمة بدت وكأنها إعلان للقطيعة بينه وبين المشيشي والغنوشي.
ويرى مراقبون أن الأزمة السياسية والاجتماعية الخانقة التي تعيشها تونس باتت تُنذر بتطوراتٍ قادمة قد تأخذ منحًى خطيراً، وقد تزايدت التساؤلات حول مآلات مبادرة الحوار الوطني التي دفع بها الاتحاد العام التونسي للشغل، أعرق المنظمات النقابية في البلاد.

يقول المحلل السياسي فريد العليبي: “يبدو أن الحوار الوطني أضحى من الماضي بعد الاحتحاجات الشعبية الأخيرة، والصدام بين قرطاج من جهة، والقصبة وباردو من جهة ثانية، وصولاً إلى محاولة تسميم الرئيس”؛ فكل تلك التطورات لها تأثير عميق على مجرى السياسة في تونس، ما سيزيد الأزمة عمقاً لسببَين؛ أولاً أن ما طالب به المحتجون من تحسين أوضاعهم لم يتحقق، فضلاً عن سقوط ضحية وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين في السجون.
ويضيف العليبي، في حديثٍ خاص إلى “كيوبوست”، أن قيس سعيّد ليس بالشخص الذي يقبل المساومة والتراجع عما يعتبره حقوقاً دستورية، ومن هنا فإن تونس مقبلة على المزيد من التوترات، وهناك قوى خارجية تحاول التدخل للتأثير في مجراها كالعادة.
اقرأ أيضاً: الفوضى تعم تونس.. وأصابع الاتهام تشير إلى “النهضة”
أما في التفاصيل الاقتصادية، فقد تراجعت نسبة النمو منذ الثورة التونسية قبل عشر سنوات، من (3%) سنة 2010 إلى (-6%) (سلبي) خلال سنة 2020، والوضع نفسه بالنسبة إلى نسبة التضخم، التي قفزت من (4.4%) خلال الثورة، لتبلغ سنة 2018 أعلى نسبة منذ 1990؛ وهي (7.8%)، وتستقر حالياً على (4.9%).
كما ارتفع عجز الميزانية وتضخَّم حجم المديونية؛ خصوصاً الخارجية، فتجاوزت نسبة 70%، بما بات يهدِّد السيادة الوطنية؛ حيث حذر صندوق النقد الدولي تونس من عجزٍ مالي غير مسبوق في الميزانية، والذي قد يرتفع إلى أكثر من (9%) من الناتج المحلي الإجمالي.