الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

تونس تبدأ رحلة جديدة من تطهير القضاء من سيطرة حركة النهضة

"العدل" التونسية ترد على قرار المحكمة الإدارية وقفَ تنفيذ قرار عزل أكثر من 50 قاضياً في خطوة ستربك الإسلاميين المسيطرين على سلك القضاء

كيوبوست

تتابع وزارة العدل التونسية القضاة المشمولين بقرار الإعفاء؛ رداً على قرار المحكمة الإدارية في البلاد وقفَ تنفيذ قرار عزلهم. لتمر بذلك معركة تطهير القضاء في تونس بمرحلة جديدة ومواجهة أكبر؛ لا سيما في ظل اتهام وزارة العدل العشرات من هؤلاء القضاة بتهم ذات صبغة إرهابية، وأخرى مرتبطة بفساد مالي ورشوة وغسيل أموال، فضلاً عن جرائم اقتصادية أيضاً.

 الخطوة تأتي في سياق مساعي الرئيس التونسي قيس سعيد، لتطهير القضاء التونسي أساساً من سيطرة حركة النهضة التي بسطت نفوذها على هذا السلك ووظفته من أجل التستر على الكثير من الملفات الخطيرة المتعلقة بها؛ خصوصاً القضايا الإرهابية.

وقالت وزارة العدل، في بيان لها صدر السبت، 20 أغسطس الجاري، إنه “عملاً بأحكام المرسوم 35 لسنة 2022 (المتعلق بإعفاء القضاة)، تعهدت النيابة العمومية المختصة بالملفات (109 ملفات)، وأذنت بإحالة عدد مهم منها إلى الأقطاب القضائية المختصة في جرائم الإرهاب والفساد المالي”.

اقرأ أيضاً: سعيّد يبدأ معركته لإخراج القضاء من جلباب “النهضة”

ويعتبر قرار وزارة العدل في هذا التوقيت على غاية من الأهمية؛ لأنه كان رداً عملياً على الأصوات (لا سيما حركة النهضة وحلفائها) التي تعالت بعد أن أبطلت المحكمة الإدارية قرارَ الإعفاء وحاولت التشكيك فيه وادعاء براءة القضاة ومحاولة إخراجهم في ثوب الضحية؛ وهو الأسلوب الذي تجيده عادة حركة النهضة منذ انطلاقتها الأولى. كما أكد للجميع؛ ولا سيما لحركة النهضة التي تأمل أن لا يفتح ملف القضاة لتواصل الحفاظ على نفوذها داخل هذا القطاع الحساس، أن تطهير القضاء قرار لا رجعة فيه، وأن محاولاتها التشكيك في قرار الإعفاء وكل مساعيها لعرقلة استكمال مسألة تطهير القضاء وملاحقة المتورطين بينهم في فترة حكمها لن تحول دون المضي في تنفيذه.

القضاة التونسيون أمام اختبار حقيقي- (صورة وكالات)

لكن في المقابل هناك تحديات جدية تواجهها هذه الخطوة؛ أبرزها مدى تجاوب القضاة التونسيين مع القضايا المرفوعة ضد زملائهم ومدى موضوعيتهم ومصداقيتهم في التعاطي مع ملفاتهم؛ خصوصاً أن وزارة العدل تؤكد أن القضاة، وعددهم 109، متعلقة بهم قضايا خطيرة، مرفقةً ذلك بملفات ومستندات إدانة وضعت حداً لادعاءات حركة النهضة وحلفائها بأن ما يجري هو تصفية حسابات.

اقرأ أيضاً: حل المجلس الأعلى للقضاء.. خطوة نحو تخليص القضاء من سيطرة الإسلاميين

ولكنَّ متابعي الشأن التونسي يعتبرون أن وزارة العدل قد أربكت القضاة التونسيين مبكراً وأحرجتهم قبل تناولهم القضايا عندما قامت بعرض تفاصيل دقيقة عن التهم الموجهة إلى القضاة المعنيين؛ إذ وضعت السلطة القضائية في تونس أمام اختبار حقيقي ودقيق، إما ينتصرون فيه لواجبهم المهني ويلتزمون الحد الأقصى من الحياد والموضوعية وإما يقومون بالانتصار لزملائهم عبر محاولة التلاعب بقضاياهم والمماطلة في حلها كما تعوَّد الكثير منهم التعامل مع جملة من الملفات الكبرى، وذلك عملاً بمقولة “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”. وفي كلتا الحالتَين ستكون الفرصة مواتية أمام سعيد ووزيرة العدل ليلى جفال، للمضي في خطة تطهير القضاء؛ إما عبر قضاة شرفاء وإما بكشف فساد القضاء أمام الرأي العام وإجبار القضاة على الالتزام بالواجب المهني.

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد، قد أصدر في يونيو الماضي أمراً رئاسياً قضى خلاله بإعفاء 57 قاضياً من مهامهم بتهم بينها “تغيير مسار قضايا وتعطيل تحقيقات” في ملفات إرهاب و”ارتكاب فساد مالي وأخلاقي”.

لكن المحكمة الإدارية في تونس ردت الأربعاء، 10 أغسطس الجاري، بتعليق تنفيذ قرار سعيد، معتبرةً أن ملفاتهم “لم يتوفر فيها الموجب الواقعي والقانوني للعزل”.

التقاء وجهات نظر وزيرة العدل ليلى جفال وسعيد بشأن تطهير القضاء- (صورة وكالات)

خطوة ضرورية

المحلل السياسي التونسي رافع الطبيب، اعتبر أن تطهير القضاء ضرورة اليوم لتخليص البلاد من بقايا عشرية حكم الإسلاميين التي أثَّرت بشكل كبير على القضاء، مشيراً إلى أن المتعاطفين مع القضاة محل التتبع ليسوا سوى مجموعة استخدمتها حركة النهضة في عدة ملفات وتخشى أن يأتي عليها الدور في المحاسبة.

اقرأ أيضاً: عدنان البراهمي: تطهير القضاء خطوة جريئة أربكت الإخوان

وقال لـ”كيوبوست”: “هناك أقلية بارزة من القضاة، ومن المهم جداً أن تفتح تونس الباب لمحاسبة القضاة الفاسدين طيلة العشرية الماضية وتفتح ملفاتهم، والأكيد أن جزءاً من القضاة سيدافعون عنهم؛ ليس من منطلق حرصهم على العدالة والاستقلالية كما يدعون، بل سعيٌ منهم للحفاظ على مكاسبهم التي حصلوا عليها ثمن الأدوار والمهمات التي قاموا بها لفائدة المنظومة السابقة التي تتزعمها حركة النهضة؛ فهؤلاء كانوا عبارة عن مجموعة من الأيادي الطويلة التي وظفتها، خصوصاً حركة النهضة، في العديد من التجاوزات؛ خصوصاً ابتزاز عدد كبير من التونسيين ورجال الأعمال والتلاعب بقضايا الإرهاب. ولهذا سنستمع إلى صريخهم ومحاولاتهم التشكيك في مسار تتبع القضاة وتغليفه بمسميات كسياسة انتقامية وغيرها، عسى أن يتمكنوا من وقف التتبع؛ ولكن يبدو أن هذا لن يحدث في ظل إصرار سعيد ووزيرة العدل على المضي قدماً في هذا الملف الشائك والخطير والمهم”.

رافع الطبيب

واستطرد الطبيب: “لكن رغم هذه العزيمة التي تُحسب لسعيد وليلى جفال؛ فإن الخوف من اختراق القضاء من حركة النهضة وغيرها يبقى قائماً، لا سيما أن العديد من القضايا لم يلتزم خلالها عدة قضاة بتطبيق القانون رغم توفر كل المعطيات اللازمة، وأثبتوا أنهم يتحركون طبق ولاءات سياسية وقطاعية. وهذا في حد ذاته عامل يفرض عدم التراخي في مسألة تطهير القضاء مهما كانت المعوقات؛ خصوصاً أن الكثير من الفرص مُنحت للقضاء من خلال هياكله ليتخلصوا من الأجسام المريضة داخلهم؛ لكنهم في كل مرة يؤكدون أن القضاء مريض جداً ويحتاج إلى تدخل جراحي عاجل من المرجح أنه سيكون من خارج القضاء”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة