الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
تونس: السيناريو الأسوأ بعد عودة الجهاديين من بؤر التوتر
ماذا عن أولئك الذين أعلنوا التوبة؟

كيو بوست –
تصدرت تونس قائمة الدول العربية المصدّرة للإرهابيين إلى بؤر التوتر، إذ تقدّر أكثر التقارير أعدادهم ما بين 3-5 آلاف إرهابي، سافروا إلى كل من سوريا وليبيا والعراق، للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية.
وقد خلّف سفر الشباب التونسي إلى بؤر التوتر أزمات اجتماعية وثقافية في تونس، ذات التوجه العلماني، إذ قدّرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” عدد أطفال الجهاديين التونسيين بـ200 طفل، بينما لا توجد تقديرات دقيقة لأعداد النساء.
اقرأ أيضًا: قضية استرجاع أبناء عناصر داعش تضع تونس في موقف حرج
وفيما يخص عودة الإرهابيين التونسيين من بؤر التوتر، قال رئيس اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب، العميد مختار بن نصر، إن عدد الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر إلى تونس بلغ 1000 إرهابي في الفترة ما بين 2011 و2018.
ويخشى التونسيون من التغييرات الثقافية التي قد يسبغها هؤلاء على المجتمع، خصوصًا أنهم من طبقات ومناطق جغرافية متنوعة. ويطالب التونسيون بتشديد الإجرءات العقابية والإدارية بحسب الأفعال المنسوبة لهم في الدول التي سافروا إليها؛ فتجارب العائدين من أفغانستان توضّح أن معظم الجهاديين العائدين تورطوا في عمليات إرهابية في المجتمع، على الأقل كان لهم دور تعبوي بين أفراد المجتمع لنشر ما يؤمنون به من أفكار تكفيرية.
ودفعت مصر في السابق ثمن الأحكام المخففة التي نالها أفراد من “جماعة الجهاد” من العائدين من أفغانستان، بعد قيامهم بـ”مراجعات فكرية”؛ إذ سرعان ما ارتدوا عنها، بعد إحالتها إلى ما يسمى بأحكام “فقه الأسير”، التي تمنحهم الفرصة إلى إعلان توبتهم عن الإرهاب كحيلة للنجاة من السجن والعقاب، وفي أقرب فرصة مارس هؤلاء الإرهابين الفكري والأمني، يعد أن تنصّلوا من توبتهم، ثم فرّوا إلى تركيا بعد ثورة 30 يونيو/حزيران 2013، مثل ناجح إبراهيم وعبود الزمر.
اقرأ أيضًا: لماذا نجح داعش في استقطاب التونسيين أكثر من غيرهم؟
وعن ضرورة تشديد العقاب بما يتناسب مع الجرم المرتكب، قال الكاتب السياسي، الخبير الأمني، باسل ترجمان، في حديث مع موقع “كيو بوست”: “لم تكن عودة الإرهابيين نتيجة لتوبة أو عقلانية، إنما عادوا من بؤر التوتر بعد هزيمة مشروعهم في سوريا وليبيا والعراق، مما يعني أنهم سيعودون لممارسة الإرهاب في أقرب فرصة تتاح لهم”.
كما حذّر ترجمان من مغبة التهاون في القضايا المتعلقة بالإرهاب، خصوصًا أن الإرهابيين قد تدربوا على الإرهاب الناعم، مثلما تدربوا على الإرهاب الدموي.
وسيطرح الإرهابيون أنفسهم كرموز في الأحياء والمناطق التي يسكنوها، خصوصًا الشعبية منها، وسيكون لهم مع الوقت التأثير النفسي في الأطفال، وسيساهمون في رسم مخيال شعبي يُمجّد “بطولات” الإرهابيين، مما يحولهم إلى نموذج شعبي في المخيال العام، وهو ما سيفتح الباب أمام إرهاب ممنهج أكثر اتساعًا، بعد أن يصبح للإرهابيين قاعدة شعبية وفكرية على الأرض التونسية.
اقرأ أيضًا: لهذه الأسباب، يحاول تنظيم داعش الدخول إلى تونس!
التعامل مع العائدين
تُنكر التنظيمات الإرهابية في أدبياتها مفاهيم “الوطن”، إذ يبايعون “الخليفة” لحظة انضمامهم إلى التنظيم، ويعتبرونه الوطن “الذي لا تحده حدود”.
وطالب سياسيون تونسيون بسحب الجنسية التونسية عن الإرهابيين، وهو ما تمثل باقتراح للنائب عن الجبهة الشعبية، الجيلاني الهمامي، في 2017، بهدف إعطاء الدول التي قاتلوا فيها فرصة لمحاكمتهم على أرضها كمقاتلين أجانب، وهو الطريق الذي تسلكه العديد من الدول الأوروبية، مثلما فعلت بريطانيا مؤخرًا، عندما سحبت الجنسية من 100 عنصر من داعش، بسبب حملهم لجنسية مزدوجة.
وهو ما لا يمكن تنفيذه في تونس في ظل عدم وجود تعديلات دستورية، إذ ينص الدستور التونسي في الفصل 25 على أنه “يُحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن”، في حين ترتكز الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب التي اعتمدتها تونس منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016 على 4 أسس جوهرية، تتمثل في الوقاية والحماية والتتبع والرد.
اقرأ أيضًا: يتقلدن مناصب حساسة: حقائق عن نساء داعش التونسيات
ويجعل ذلك ملفات العائدين في أيدي القضاء، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف، لمنع إنتاج الظاهرة ذاتها مستقبلًا، اعتمادًا على الأسس الجوهرية الأربعة لمكافحة الإرهاب والتطرف.
السيناريو الأسوأ
يعتبر الأخذ بظاهر توبة الإرهابيين هو السيناريو الأسوأ بالنسبة لتونس، خصوصًا أن الإرهاب سرعان ما يجد المبرر الشرعي للتحايل على مراجعاته الفكرية، في ظل ما يملكه من خبرات قتالية، وتدريبات على التجنيد والاستقطاب.
ويحذّر مراقبون من خطورة الاقتناع بخاصية التوبة، نظرًا لإيمان الغالبية العظمى من قيادات وعناصر الجماعات الإسلامية المتشددة بقاعدة فقهية مكنتها من استسهال استخدام “التقية” واختبائها وراء المراجعات فكرية، لتنقضها فيما بعد تحت قاعدة “فقه الأسير”، ما يعني أن ما تطرحه تلك الجماعات ويصدر عنها بين جدران السجون أو أمام السلطات القضائية غير ملزم لها.
ولذلك يعتبر إعلان “التوبة الصورية” من أسهل الطرق التي تنتهجها تلك الجماعات لأخذ أحكام مخففة، أو حتى الإفراج عن عناصرها، مما يجعلها تعود للشارع كي تمارس نشاطها بكامل الحرية، وعندها ستصبح المساجد والأحياء الشعبية مقرات للتجنيد والاستقطاب من جديد.