ترجماتشؤون عربية
توسع غير مسبوق للبنوك المغربية في إفريقيا، وهذه هي الأسباب
وصلت البنوك المغربية مؤخرًا إلى دول لم تصل إليها من قبل

ترجمة كيو بوست عن معهد ستراتفور للأبحاث الأمنية والإستراتيجية الأمريكي
“غالبًا ما يجري التغافل عن المغرب في النقاشات العامة حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والسبب في ذلك هو أن البلاد ظلت مستقرة إلى حد كبير منذ احتجاجات “الربيع العربي” عام 2011، على عكس العديد من بلدان المنطقة. ولكن، في حين أن المغرب لا يحظى باهتمام جيوسياسي واسع، تعمل الرباط على بناء نفوذ اقتصادي بهدوء في جميع أنحاء إفريقيا، عبر تعزيز علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية”، هذا ما ذكره مركز أبحاث “ستراتفور” الأمريكي، في تقديراته المنشورة الجمعة 12 يناير/كانون الثاني 2019.
اقرأ أيضًا: مركز أبحاث أمريكي يتوقع أزمات حادة في تونس والجزائر والمغرب في 2019
بالنظر جزئيًا إلى الإصلاحات السريعة الحاسمة في عام 2011، تجنب المغرب إلى حد كبير اضطراب الربيع العربي الذي هز أجزاء أخرى من العالم العربي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. في السنوات الأخيرة، أدى النمو القوي في قطاعات التصنيع والسياحة والطاقة، فضلًا عن القطاع المالي الذي يشهد توسعًا سريعًا، إلى تطوير اقتصاد مغربي قوي جدًا. ومع اختفاء البنوك الأوروبية المهيمنة بشكل تدريجي من إفريقيا، أخذ المغرب في استعراض عضلاته المالية المكتشفة حديثًا لإبراز قوته في جميع أنحاء القارة على أمل تحقيق ثراء أكبر، ونفوذ دولي أكثر نجاعة. ولكن، لا يزال يتعين على المغرب معالجة مشاكله الداخلية إن أراد أن يبقى واحدًا من أكثر الدول استقرارًا في القارة الإفريقية.
المغرب يصنع تحركات مالية
تقوم البنوك المغربية بدفعة قوية غير مسبوقة عبر إفريقيا، وتحتفظ حاليًا بشركات تابعة وحصص في أكثر من 20 دولة إفريقية. وفي حين أن معظم الشركات المغربية التابعة تقع في غرب إفريقيا، فإن شراء بنك “باركليز مصر” من قبل أكبر بنك في المغرب، “التجاري وفا بنك”، يشير بشكل واضح إلى نية البنوك المغربية التوسع عبر القارة. ومنذ ذلك الحين، انخرطت البنوك المغربية في عمليات استحواذ بعيدة مثل جزيرتي موريشيوس ومدغشقر. وقد أشار ممثلون من بنوك مغربية عدة، بما فيها ثاني أكبر البنوك المقرضة في البلاد من ناحية الأصول، البنك الشعبي المركزي، إلى وجود خطط للتغلغل في القطاعات المالية في بلدان شرق إفريقيا مثل رواندا وكينيا، وحتى إثيوبيا التي تتمتع بحراسة مالية شديدة.
وفي الوقت الذي تتكامل فيه البنوك المغربية بعمق أكبر في جميع أنحاء إفريقيا، فإنها تعمل كمؤسسات رائدة في الشركات المغربية الكبيرة والمتوسطة، التي تسعى بدورها إلى الحصول على فرص في الأسواق الإفريقية الواعدة. في وقت سابق من هذا العام، أفادت “اتصالات المغرب” عن زيادة سنوية في قاعدة مستخدميها بلغت 9,7%، ووصلت إلى 60 مليون مستخدم، ينتشرون في أكثر من نصف دول غرب ووسط إفريقيا.
علاوة على ذلك، وقّع العاهل المغربي محمد السادس اتفاقًا مع الرئيس النيجري محمدو بوهاري من أجل خط أنابيب غاز يمتد عبر الخط الساحلي بين نيجيريا والمغرب. وقد دخلت شركة “أو سي بي” العملاقة المملوكة للدولة، الكائنة في الدار البيضاء، في شراكة مع إثيوبيا من أجل بناء أكبر مصنع للأسمدة في القارة، بتكلفة إجمالية تبلغ 3,6 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، كان المغرب يخطط في البداية لإنفاق أموال من أجل إجراء تعديلات على ميناء مزدحم في جيبوتي، بغرض تمكينه من التعامل مع شحنات حامض الفوسفوريك المنتظمة، ولكن السلام المحقق حديثًا بين إريتريا وإثيوبيا سيسمح للموانئ الإريترية بالعمل كبديل.
ما الذي يقود هذه الدفعة القوية؟
لقد خرج المغرب سالمًا إلى حد كبير من الركود العالمي الخطير، إذ لم يكن ينخرط في تكامل مع الأسواق المالية الدولية سوى بالحد الأدنى. لكن تباطؤ منطقة اليورو، الذي حصل في السنوات الأخيرة، أدى إلى تجميد قطاع الصادرات غير المتنوع في المملكة، الذي اعتمد بدوره بشدة على أوروبا. ومنذ ذلك الحين، أخذ المغرب في إعادة صياغة سياسته المالية من أجل تنويع دخله. وقد مثّلت منطقة جنوب الصحراء الإفريقية ذات العدد السكاني المتفجر، والطبقة الوسطى المتنامية، والقرب الجغرافي الهام، فرصة مثالية جدًا بالنسبة للرباط.
اقرأ أيضًا: شباب المغرب في قلب السياسة، لكن من خارج الأحزاب
يعتزم المغرب تأسيس نفسه كحلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا. وبالفعل، راقبت الشركات الأوروبية مشاريع المغرب الإفريقية بحماسة شديدة، وتلهفت من أجل قناة جديدة تؤدي إلى الأسواق الإفريقية. لقد انطوت الحروب التجارية الأخيرة على ازدياد التعرفات الجمركية والركود الاقتصادي في البلدان النامية، ما أدى إلى تهديد مستويات تصدير المركبات، ولهذا، تأمل شركات السيارات في أن يكون التكامل الاقتصادي بين الرباط وجنوب الصحراء الإفريقية بمثابة سقالة لإنشاء أسواق جديدة.
في الحقيقة، لدى شركات صناعة السيارات الفرنسية والإيطالية “رينو” و”فيات” و”بي أس إيه” مصانع إنتاج في المغرب. كما أن مصنع السيارات الصيني “بي واي دي” -المدعوم من المستثمر الأمريكي الثري “وارن بافيت”- يقوم ببناء مصنع للمركبات في مدينة طنجة. وبالطبع، يقوم المغرب بإغراء هكذا مصانع عبر تقديم 5 سنوات من إعفاءات ضريبية وأراض مدعومة مقابل إقامة مصانع جديدة.
التكامل الاقتصادي المغربي مع الدول الإفريقية الأخرى يتطلب بعض التنازلات، ولهذا تقوم البلاد بتعزيز عجلتها الاقتصادية بجهود سياسة متزامنة. في عام 2017، نجح الملك محمد، المعروف بجولاته الماراثونية الدبلوماسية، في الضغط أجل انضمام بلاده إلى الاتحاد الإفريقي بعد عقود من الابتعاد؛ احتجاجًا على قبول الاتحاد بعضوية الصحراء الغربية كدولة مستقلة. وبرغم الخلافات مع الاتحاد الإفريقي بشأن وضع الصحراء الغربية المتنازع عليها، فإن عودة المغرب الأخيرة تظهر بأن الحكومة في الرباط تقوم بتحولات إستراتيجية، وتتطلع إلى أبعد من تأمين مصالحها الجيوسياسية، بينما تركز على نفوذها الاقتصادي في إفريقيا.
في عام 2017، تقدمت المملكة بطلب الحصول على عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، وهي اتحاد إقليمي يتكون من 15 دولة. وبينما يضغط الاتحاد من أجل خطة لتحرير التجارة، فإن العضوية الكاملة للمغرب من شأنها أن تسهل الصادرات إلى الدول الأعضاء عبر القضاء على الحواجز القائمة. لكن في الوقت الراهن، تمارس النقابات العمالية النيجيرية الضغوط للحيلولة دون قبول المغرب في الاتحاد المذكور؛ خوفًا من سقوط البلاد تحت هيمنة الشركات المغربية متعددة الجنسيات ذات الخبرة والتقدم التكنولوجي. كما طالبت دول أعضاء أخرى المغرب بتخفيف قيود السفر المفروضة على مواطني دول المجموعة الاقتصادية. هذا بالطبع من شأنه أن يجعل بعض الدول الأوروبية غير مرتاحة، لأن ذلك سيشجع المزيد من سكان غرب إفريقيا على السفر إلى المغرب على أمل العبور إلى أوروبا بشكل غير قانوني.
اقرأ أيضًا: احتقان غير مسبوق في المغرب: كيف يقود الإخوان البلاد إلى المجهول؟
الخلاصة
بعد أن تخلصت البنوك الأوروبية من القارة الإفريقية لأسباب شملت قوانين صارمة بشأن الأصول ذات المخاطر العالية وانخفاض أسعار السلع، أبدت البنوك المغربية اهتمامًا متزايدًا بإفريقيا، وأظهرت شهية أكبر نحو مخاطرة أعمق. ويبدو أن صناع القرار في الرباط أدركوا الحاجة الملحة لوضع الشباب العاطلين عن العمل في جدول أعمالهم التنموي. ولكن، إن لم تتمكن البلاد من إحراز تقدم ملموس، وتخفيف مناطق الاضطرابات المحتملة، فقد تضطر إلى وضع أهداف التوسع القاري في موقدها الخلفي، من أجل معالجة عدم الاستقرار الداخلي في المستقبل المنظور.
المصدر: معهد ستراتفور للدراسات الأمنية والسياسية الأمريكي