الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

توحُّد أوروبي لرفض استقدام السراج التدخل التركي

كيوبوست

مثَّل اتجاه حكومة الوفاق الليبية إلى إبرام اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع تركيا في أواخر نوفمبر 2019 الثمن الذي دفعته حكومة طرابلس؛ من أجل استقدام الدعم العسكري التركي، في محاولة لمنع الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق في طرابلس من الانهيار أمام تقدم قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وهو التطور الذي أدى إلى إثارة حفيظة الدول الأوروبية على اختلافها، ودفعها إلى انتقاد حكومة الوفاق، بما يزيد من عزلتها الدولية.

ففي أعقاب هذا الاتفاق، الذي أثار حفيظة الدول الأوروبية، وافقت حكومة الوفاق الوطني الليبية في 19 ديسمبر 2019 على تفعيل مذكرة تعاون عسكري وقعت في أواخر نوفمبر من نفس العام مع تركيا، والتي تفتح الباب أمام استقدام قوات عسكرية تركية إلى ليبيا[1].

اقرأ أيضًا: ليبيا.. طريق تركيا للسيطرة على منطقة البحر المتوسط

ولم تقتصر دعوات استقدام الدعم العسكري الأجنبي على تركيا، بل تعدتها إلى أربع دول أخرى؛ هي: الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، والجزائر، بل وطالبت “الوفاق” هذه الدول صراحةً بصد العدوان عن العاصمة طرابلس ضد ما اعتبرته قوات مجموعات مسلحة تعمل خارج شرعية الدولة[2]، متجاهلةً أن الحكومة الشرعية التي يتحدث عنها السراج فقدت السيطرة عن غالبية أراضي الدولة الليبية؛ بل إنها لا تمتلك قوات للدفاع عن طرابلس، إذ تعتمد على تحالف مع الميليشيات، المتهم بعضه بالتحالف مع الجماعات الإرهابية تارة، أو بالتورط في أنشطة إجرامية تارة أخرى.

وعلى الرغم من محاولات استقدام الدعم العسكري الأجنبي، فإن مراجعة المواقف الأوروبية تكشف عن عدم وجود تحمُّس للاستجابة لهذه الدعوات؛ خصوصًا بعد توقيع أنقرة اتفاقًا مع السراج بشأن تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفَين. ومن ثَمَّ قد يكون من المفيد قراءة ورصد مواقف الدول الأوروبية من دعوات السراج لاستقدام التدخل الأجنبي، فضلًا عن محاولات أنقرة التدخل العسكري في ليبيا.

أفراد من القوات الموالية لحكومة السراج بمركبات عسكرية على مشارف طرابلس رويترز

رفض دعوات التدخل العسكري

كانت حكومة الوفاق الوطني تحظى بدعم من بعض الدول الأوروبية؛ مثل بريطانيا وإيطاليا، في حين أن البعض الآخر يؤيد حكومة الشرق الليبي، المنتخبة من الشعب الليبي؛ مثل فرنسا، وتطالب دول ثالثة بالوساطة بين الطرفَين؛ مثل ألمانيا.

وعلى الرغم من الدعم الإيطالي لحكومة الوفاق؛ فإن روما تخاذلت عن دعم فايز السراج، على نحو ما وضح من تأكيد مصادر دبلوماسية إيطالية بوزارة الخارجية أن “حل الأزمة الليبية يبقى سياسيًّا وليس عسكريًّا”، بالإضافة إلى تأكيد “رفض أي نوع من التدخل الخارجي في الصراع العسكري الدائر هناك”[3]، في إشارة إلى محاولات تركيا إرسال قوات عسكرية هناك.

ولم يختلف موقف بريطانيا عن نظيره الإيطالي، فقد أكد بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، في حديثه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 19 ديسمبر الجاري، ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية، بالإضافة إلى ضرورة القضاء على التنظيمات الإرهابية هناك، وأخيرًا وقف التدخلات الأجنبية في ليبيا[4]؛ بل إن الاتحاد الأوروبي، الذي انقسم في السابق، وعجز عن إصدار بيان لإدانة تقدم قوات حفتر تجاه طرابلس، قد توحَّد هذه المرة ليؤكد في بيان صادر في 23 ديسمبر الجاري دعوة “أعضاء المجتمع الدولي كافة لاحترام ومراقبة تنفيذ القرار الأممي بشأن حظر الأسلحة في ليبيا”[5]، في ضربة موجعة لجهود السراج من أجل استقدام قوات أجنبية إلى ليبيا.

اقرأ أيضًا: إدانة أممية لخرق تركيا قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا

التوحد الأوروبي ضد السراج

يمكن إرجاع الموقف الأوروبي “الموحد” من حكومة الوفاق إلى جملة من الأسباب، والتي تكشف عن وجود تحوُّل في موقفه من حكومة السراج، باتجاه التراجع عن دعم تحركاته الأخيرة؛ والتي يأتي في مقدمتها تحالفه العلني مع أنقرة، فقد كشفت تصريحات وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، حول عدم شرعية الاتفاق مع أنقرة[6]، عن عمق امتعاض روما من هذا التحالف، وهو ما يمكن إرجاعه إلى عدد من الأسباب. ويتمثل أولها في رفض الدول الأوروبية عمومًا، وإيطاليا تحديدًا التدخل التركي في دولة كانت تاريخيًّا تحظى بعلاقات قوية مع روما، وتتمتع فيها روما وباريس بمصالح اقتصادية قوية. ولا يُخفى على روما وباريس أن التدخل التركي سوف يكون ثمنه تعزيز الاستثمارات التركية في ليبيا على حساب الدول الأخرى.

ومن جهة ثانية، تدرك الدول الأوروبية عمق التحالف القائم بين أنقرة والتنظيمات الإرهابية؛ سواء في ليبيا أو سوريا، فقد قامت قطر وتركيا بالتعاون معًا لنقل التنظيمات الإرهابية من ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، إلى سوريا؛ لمحاربة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومع الضغط العسكري الروسي على محافظة إدلب، المعقل الأخير لـ”القاعدة” في سوريا، يتخوف عديد من العواصم الأوروبية من أن تفكر أنقرة في نقلها (التنظيمات الإرهابية) من جديد إلى ليبيا.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج – المصدر: رويترز

ومن شأن السماح لتركيا بالوجود في ليبيا، أن تسعى الأخيرة لتعبئة التنظيمات الإرهابية هناك، وتوظيفها في مواجهة قوات حفتر؛ لتقليص الخسائر في صفوفها، وأن ينعكس ذلك مستقبلًا على تعزيز نفوذ هذه الجماعات في ليبيا، بما يتركه ذلك من تهديدات على الأمن الأوروبي. ولا تغفل بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، أن أنقرة تتمتع بوجود مؤثر في محافظة إدلب السورية، والتي تسيطر التنظيمات الإرهابية على 90% منها؛ أي أن الاتحاد الأوروبي يتخوف من تكرار نموذج سوريا في ليبيا من جديد.

ومن جهة ثالثة، فإن أنقرة لطالما ابتزت بعبارات واضحة دول الاتحاد الأوروبي، حينما هدَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في غير مرة، بتغاضي أنقرة عن تدفق اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي، وجاء آخر هذه التصريحات في 23 ديسمبر 2019، حينما صرَّح بأن “تركيا لن تتحمَّل هذا العبء وحدها”، في إشارة إلى تدفق محتمل للاجئين من محافظة إدلب السورية، كما حذَّر بأن “الآثار السلبية لهذا الضغط الذي نمرّ به سيشعر بها جميع الدول الأوروبية، بدءًا من اليونان”[7]، ومن ثَمَّ فإن وجود أنقرة في ليبيا سوف يعني امتلاك أردوغان مزيدًا من الأدوات لابتزاز دول الاتحاد الأوروبي، والتي تعاني الهجرة غير الشرعية في أوروبا.

اقرأ أيضًا: تركيا تبحث عن 18 مليار دولار في ليبيا

ويلاحظ أن تغيُّر موقف روما من “الوفاق” قد قابله تحرك إيطالي باتجاه الانفتاح على خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، وهو ما انعكس في تأكيد لويجي دي مايو، خلال لقائه حفتر في 18 ديسمبر الجاري، رفض بلاده الاتفاقية المبرمة بين السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤكدًا أن روما ستتوجه إلى الأمم المتحدة لمنع تسجيل هذه الاتفاقية. ويمثل إعلان وزير الخارجية الإيطالي أن روما سوف تستقبل خليفة حفتر، في الوقت الذي تتوتر فيه علاقاتها بالسراج، تغييرًا جديًّا في الموقف الإيطالي من أطراف الصراع الليبي.

أما اليونان، فقد نددت بالاتفاق بين حكومة الوفاق وتركيا؛ نظرًا لأنه “ينتهك القانون البحري الدولي والحقوق السيادية لليونان ودول أخرى”، في إشارة إلى مصر وقبرص وإيطاليا، كما أن الاتفاق الليبي- التركي يهدف إلى عرقلة تدشين الأنبوب الذي كان يفترض أن ينقل الغاز الإسرائيلي من حقل “ليفيتان” إلى أوروبا ويمر عبر المياه الاقتصادية القبرصية[8]. وفضلًا عما سبق، فإن هذا الاتفاق يخالف اتفاقية الأمم المتحدة للبحار، والتي تحدد حدود الجرف القاري بما لا يتجاوز 200 ميل بحري؛ إذ إن هذا الاتفاق غير الشرعي يمد أنقرة بحقوق في منطقة اقتصادية لا تمتلكها، ولذلك احتج الاتحاد الأوروبي عليها، نظرًا لكونها تنتهك المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من اليونان وقبرص[9].

سفينة التنقيب عن الغاز التركية “يافوز” تتمركز شرق البحر المتوسط قبالة قبرص – المصدر: BBC

وفي الختام، يمكن القول إن محاولات السراج استقدام الدعم العسكري التركي، وإبرام اتفاق غير شرعي مع تركيا؛ لتقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بما يغاير القانون الدولي، وبما يخل بحقوق الدول المشاطئة؛ خصوصًا اليونان وقبرص، قد أفقده دعم بعض دول الاتحاد الأوروبي، والتي كانت تؤيد حكومته، وهو ما يزيد من عزلته دوليًّا؛ خصوصًا مع الرفض الأمريكي والروسي للاتفاقية المذكورة.

المراجع:

[1] https://bit.ly/3747CZ9

[2] https://cnn.it/2SonKAz

[3] https://bit.ly/2QczyU5

[4] https://bit.ly/2sX8LmN

[5] https://bit.ly/2s4j9ZT

[6] https://bit.ly/2PRGNSj

[7] https://bit.ly/2PPpRMi

[8] https://arbne.ws/35UqPfE

[9] https://bit.ly/35SwzXt

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة