الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
تنسيق أمني وتعاون اقتصادي.. ماذا يخفي التقارب التركي- الجزائري في ليبيا؟
تعمل الجزائر على التواصل مع كل أطراف الصراع في ليبيا لإيجاد حل سلمي.. بينما تحاول تركيا استمالة الجزائريين بكل السبل لدعم موقفها في الأزمة الليبية

الجزائر- علي ياحي
صنع التنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي بين الجزائر وتركيا الحدثَ مؤخراً؛ فبعد تسليمها أحد أهم الضباط الجزائريين الفارين إلى تركيا، أعلنت أنقرة وصول السفينة الجزائرية “لا لا فاطمة نسومر” إلى ميناء “مرمريس” جنوب غربي البلاد، محملة بنحو 144 ألفاً و888 متراً مكعباً من الغاز؛ ما فتح أبواب التساؤلات حيال تغييرات قد تطول الملف الليبي.
وتتسارع خطى التقارب الجزائري- التركي منذ إعلان الجزائر عودتها إلى المشهد الليبي عبر التصريح الشهير “طرابلس خط أحمر”؛ حيث عرف النشاط الدبلوماسي بين البلدين حيوية كبيرة بلغت حد زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان، للجزائر إبان وصول الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إلى الحكم، إثر انتخابات فرضها حراك شعبي أسقط نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وكان تبادل زيارات المسؤولين والوفود، سياسياً واقتصادياً، سمة تعبر عن تطور مفاجئ في العلاقات الثنائية، وتوحي بحاجة كل طرف إلى الآخر، مع وجود بعض النقاط المشتركة؛ ولعل أهمها الأزمة الليبية والسوق الإفريقية.

وجاء بيان مصالح الأمن الجزائرية بخصوص الضابط الفار، ثم إعلان أنقرة بعد 24 ساعة، تسلُّم شحنة غاز من الجزائر، ليكشف عن عمق ومتانة التنسيق الجزائري- التركي مؤخراً.
اقرأ أيضاً: محاولات تركية- قطرية “للتسلل” إلى الجزائر عبر بوابة “القبائل”
قلق جزائري
يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بشير بودلال، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن العلاقات الجزائرية- التركية شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، لدرجةٍ أصبحت فيها تركيا المستثمر الأول في الجزائر؛ لكن هذه العلاقات المزدهرة في المجالات الاقتصادية والتجارية لم يرافقها تنسيق وتطور على نفس المستوى في المجالات السياسية والاستراتيجية، مضيفاً أن الجزائر لا تزال ترفض إلغاء التأشيرة مثلاً، وتتوجس كثيراً من السياسات والمواقف التركية؛ خصوصاً التدخل في الشؤون الداخلية لدولٍ عربية، وكذلك علاقاتها مع تيارات سياسية دينية وجماعات متطرفة، وعضويتها في الحلف الأطلسي، فضلاً عن روابطها الوثيقة مع إسرائيل.

وفي ما يتعلق بقضية العسكري الفار قرميط بونويرة، يواصل بودلال: “نظراً لحرص تركيا على استرضاء الجزائر، تم تسليم هذا العسكري المتقاعد”، وذلك بعد طلب مستعجل من السلطات الجزائرية لاستكمال التحقيق معه؛ لتورطه في تجاوزات وقضايا قيد التحقيق من طرف العدالة، مؤكداً أن تركيا تتمسك في تعاملها مع الجزائر بالحفاظ على مصالحها الاقتصادية وشركاتها في الجزائر، وكذا العمل على توثيق العلاقات مع بلد كبير لديه دور في الكثير من الملفات الإقليمية، مضيفاً أن “مقاربة الجزائر بخصوص الأزمة الليبية واضحة ومتكاملة، وتركز على الحل السياسي واستبعاد التدخل الأجنبي، وهي بذلك لديها علاقات مع كل الأطراف الليبية، وتتواصل مع كل القوى الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن الليبي؛ بما فيها تركيا”.
اقرأ أيضاً: بين فرنسا وتركيا.. أيهما تدعم الجزائر في ليبيا؟
ويبدو أن فشل سياسة تركيا المتبعة سابقاً، من أجل استمالة الجزائر لصالحها في ما يتعلق بالأزمة الليبية، جعل من تغيير الاستراتيجية ضرورة؛ من أجل حليف قوي في المنطقة لتمرير أجندتها، والوقوف معها في وجه الجيش الليبي؛ خصوصاً في ظل الحصار الذي تعانيه مع التدخل الأمريكي بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وطرد الميليشيات المسلحة، والدخول في حوار سياسي، وأيضاً مع التقارب الكبير بين الجزائر وفرنسا، العدو اللدود لتركيا، وكذا التنسيق مع مصر وروسيا وغيرهما من الدول.
وكانتِ البوابة الاقتصادية إحدى أهم الطرق للوصول إلى الهدف؛ خصوصاً في ظل معاناة الجزائر أزمة انهيار أسعار النفط وتراجع المداخيل، حيث أُبرم اتفاق ضَمَن لتركيا حصة مهمة من الغاز الجزائري تصل إلى نسبة 38% مما تستورده من الخارج، يمتد حتى 2024، كما وقعت شركة “رينيسانس هولدنغ” التركية المتخصصة في الإنشاء والاستثمار، مع الشركة الجزائرية الحكومية للمحروقات “سوناطراك”، عقد تنفيذ مشروع مصنع بتروكيماويات بولاية أضنة جنوبي تركيا، بكلفة 1,4 مليار دولار، بالإضافة إلى عديد من الصفقات؛ ومنها إنشاء أكبر مصنع للنسيج بإفريقيا في الجزائر، ومصنع الحديد والصلب بغرب البلاد.
اقرأ أيضاً: زيارة “ليفي” إلى غرب ليبيا تفضح مخططات تركيا و”الوفاق” وتشوش على مبادرة “الجزائر- تونس”
وما يؤكد تصاعد العلاقات بين تركيا والجزائر هو تعبير وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برينو لومير، مباشرةً بعد زيارة الرئيس أردوغان إلى الجزائر، عن انزعاج وقلق بلاده من التقارب بين البلدين؛ خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وشدد على أن فرنسا لو فسحت المجال لمنافسين من شاكلة تركيا والصين، ستجد نفسها في صعوبات ومشكلات كبيرة في الجزائر وأيضاً المغرب. وألمح إلى أن وجود أحد المنافسين الشرسين لفرنسا في الجزائر والمغرب، بهذا الشكل، هو مذيل حتماً بدوافع سياسية خفية في بعض الأحيان، في إشارة واضحة إلى الوجود التركي في المنطقة، مؤكداً أن “هذا من شأنه أن يتسبب لنا في مشكلات”.

يعتقد أستاذ التاريخ المعاصر رابح لونيسي، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن تسليمَ تركيا العسكري الجزائري الفار، يدخل في إطار اتفاقيات تعاون في الشؤون الأمنية بين مخابرات الدول؛ فالمخابرات الجزائرية والتركية تتعاونان في هذا المجال، “طبعاً هذا لا يمنع محاولة تركيا استغلال الحادثة لتحسين علاقتها أكثر مع الجزائر”؛ لأن موقف الجزائر من الأزمة الليبية يتسم بالحياد الإيجابي، حيث تقف على نفس المسافة من الأطراف المتصارعة، وتحاول إبعادها عن تأثير القوى الدولية والإقليمية، وتعمل دائماً على منع إدخال السلاح إلى ليبيا.
وختم لونيسي بأن الجزائر تتقارب مع جميع المتصارعين في ليبيا؛ من أجل أن يكون لها دور في حل الأزمة، وكذا منع الإضرار بمصالحها.