شؤون دولية

تميم وأردوغان في أفريقيا: فك العزلة عبر سياسة “الشيكات”

هكذا تحاول الدوحة وأنقرة أن تتخلص من عزلتهما السياسية!

خاص كيو بوست –

تتحرك قطر يمينًا و شمالًا بحثًا عن مخرج للأزمة الخليجية، خصوصًا بعد كشف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لنشاطاتها في دعم الإرهاب، وسعيها إلى زعزعة استقرار الأمن الإقليمي. وبعد فشل قطر في مواجهة فضائحها، راحت تحاول شراء ذمم دول فقيرة، خصوصًا في أفريقيا.

 

الدوحة في أفريقيا تحت غطاء إنساني

يقود الأمير تميم التحركات القطرية في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فراح يسارع خطواته إلى أفريقيا، أواخر الشهر الماضي، من أجل استغلال غير إنساني لفقر دول أفريقية تحت غطاء المساعدات والتعاون، بينما في واقع الأمر، فإن الحقيقة تظهر أنه يحاول إيجاد موطئ قدم ومتنفس جديد، بعد الأزمة الخليجية.

أحمد ميزاب

وأكد الخبير الجزائري محمد ميزاب، في تصريحات خاصة لـ”كيوبوست”، أن جولة تميم في 6 دول بغرب أفريقيا، نهاية الشهر الماضي، كانت تهدف إلى إخراج قطر من العزلة التي تعاني منها، بسبب مقاطعة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، وللتهرب من المساءلة الدولية فيما يتعلق بقضايا دعمها النشاطات والتنظيمات الإرهابية.

وأشار ميزاب إلى أن النظام القطري يحاول سياسيًا ودبلوماسيًا، استقطاب الدول الأفريقية إلى صفه، من خلال سياسة “كيس المال”، وشراء الذمم، مضيفًا أن “تحرك قطر في أفريقيا مغلف بغطاء الاستثمارات الاقتصادية، والتعاون”.

وكانت الدوحة قد أعلنت أن التوجه نحو أفريقيا يندرج ضمن توجه قطر إلى فتح أسواق جديدة وتنويع الاقتصاد، بالرغم من التحديات الأمنية التي تواجه بعض الدول الأفريقية مثل مالي. وقد كشف ذلك عن التضليل الكبير الذي تقوم به قطر؛ إذ تتحدث عن تحديات أمنية بالرغم ما قامت به -ولا تزال- في منطقة الساحل، من دعم الجماعات الإرهابية، ما يثير جدلًا كبيرًا حول توقيت التحرك وأهدافه.

وعلى الرغم من المحاولات المستمرة للدوحة لتقديم الدعم المادي لدول أفريقية، غير أن مراقبين يرون أن هذه السياسة لن تفلح، على اعتبار أن العلاقات لا تزال متوترة، بعد اتهام دول أفريقية عدة للدوحة بزعزعة استقرارها، وهو ما دفعها إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، مثل مصر وموريتانيا، بالإضافة إلى النيجر وتشاد والسنغال، التي قامت باستدعاء سفرائها من الدوحة. ورغم عودة السفير السنغالي إلى قطر، إلا أن العلاقات لا تزال متوترة.

 

وفي تشاد، قالت صحيفة “لوموند” إن “تراجع الدبلوماسية القطرية التشادية، يعود إلى آب 2017، عندما أعلنت نجامينا إغلاق سفارتها في الدوحة بعد 7 سنوات فقط من وجودها، متهمة قطر بمحاولة زعزعة استقرارها. وكان الرئيس التشادي إدريس ديبي قد أغلق سفارة بلاده في قطر -التي افتتحت للمرة الأولى عام 2010- وطالب الدبلوماسيين القطريين بمغادرة الأراضي التشادية، في غضون عشرة أيام، كما جرى استدعاء السفير التشادي إلى نجامينا في الأيام الأولى من الأزمة.

وأصدرت نجامينا حينها، بيانًا قالت فيه: “نُعلم الرأي الدولي والعالمي بتدخل قطر الدائم في زعزعة الأمن في تشاد عبر الأراضي الليبية”، وتابعت: “تشاد تواجه مؤامرات قطر، التي لا تتوانى عن تقديم الدعم للمعارضة المسلحة ضد نظام الرئيس إدريس ديبي إثنو، بالإضافة إلى التحالف مع إرهابيين تمولهم الدوحة في ليبيا، وآخرين ينشطون ضمن جماعة بوكو حرام جنوبي تشاد”.

 

دعم قطر للجماعات الإرهابية والمسلحة في الساحل

رفع جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي “دي جي إس أو” مذكرات عدة لرئاسة الجمهورية، تحذر فيها من أن سخاء قطر في مناطق عدة في أفريقيا ليس بريئًا، وأن هذه الدولة لم تكتف بالدعم المالي، بل والسلاح أيضًا. وقال المتخصص في شؤون منطقة الساحل الإفريقي رولان مارشال، في تقرير، إن قوات خاصة قطرية، دخلت شمال مالي، وأشرفت على تدريب عناصر من حركة أنصار الدين الإرهابية الناشطة في المنطقة.

كما وجهت سلطات مدينة غاو شمالي مالي، اتهامات لقطر بتمويل المتطرفين في المدينة، عبر غطاء النشاط الإنساني الذي كانت تقوم به جمعية الهلال الأحمر القطري.

واعترف قيادي -لم تكشف هويته- من حركة الجهاد والتوحيد الإرهابية، بأن قطر كانت تساعد الحركة لكي تتقرب من السكان.

 

قطر و تركيا جنبًا إلى جنب للسيطرة على البحر الأحمر

تحرك قطر وتركيا في أفريقيا كشفت نواياه، صورة الاجتماع الثلاثي لرؤساء أركان كل من السودان وتركيا وقطر، في الخرطوم، الذي جاء بالتزامن مع الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان، وتشاد ثم تونس.

ويبدو أن اجتماع رئيسي أركان كل من السودان وتركيا، على هامش زيارة أردوغان، أمر منطقي، لكن من غير المنطقي أن يكون ثالثهما رئيس الأركان القطري، الأمر الذي أدى إلى طرح كثير من التساؤلات حول طبيعة العلاقة التركية القطرية فيما يتعلق بشؤون أفريقيا.

وما يعزز مخاوف دول المنطقة، تسليم السودان مفاتيح جزيرة سواكن على البحر الأحمر للأتراك، تحت حجج إدارتها وجعلها مقصدًا سياحيًا، خدمة للاقتصاد. وقد رأى عدد من المراقبين أن السيطرة التركية على الجزيرة كانت بأموال قطرية، بهدف محاولة تضييق الخناق على السعودية والإمارات ومصر، خصوصًا مع إبرام اتفاقيات للتعاون العسكري والأمني، وإنشاء مرسى لصيانة السفن المدنية والعسكرية، وهو ما أكده وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، حين قال: “وقعنا اتفاقًا يمكن أن ينجم عنه أي نوع من أنواع التعاون العسكري بين البلدين”، كما صرح أردوغان بعدها قائلًا: “هناك تفاصيل أخرى لن أتحدث عنها الآن”.

ولا تزال ارتدادات زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان وتونس وتشاد، مستمرة، خصوصًا بعد استدعاء الخرطوم لسفيرها في القاهرة للـ”تشاور”، على إثر تصريحات ومواقف مصر من الزيارة.

وبالنظر إلى تحركات تركيا في أفريقيا، بالتوازي مع زيارة أمير قطر إلى غربها، زادت الشكوك حول براءة الزيارتين، خصوصًا أنهما تتستران خلف العوامل الاقتصادية والسياحية والاستثمارية، بينما هي في حقيقة الأمر ذوات طابع أمني إستراتيجي، من أجل التأسيس لتحالفات جديدة، خصوصًا أن سياسات كل من أنقرة والدوحة والخرطوم تلتقي حول محاور توافق عديدة، أهمها دعم التيارات الإسلامية المتشددة.

 

السعودية والإمارات من أجل استقرار أفريقيا

تحركات أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، إلى 6 دول أفريقية، وزيارة أردوغان لـ3 دول أفريقية، في الفترة ذاتها، هدفت إلى كسر الحصار المفروض من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، عبر محاولة إعادة “التموقع” في المنطقة، في ظل دعم الرياض وأبو ظبي للقوات الأفريقية بمنطقة الساحل لمحاربة الإرهاب.

ورغم رهان تركيا على الربيع العربي ومآلاته، وابتهاجها بوصول الإسلاميين إلى السلطة في تونس ومصر، إلا السنوات اللاحقة كشفت ضعف الخطة التركية؛ فبعد 6 سنوات من أزمات “الربيع”، ومع الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ونأي حزب النهضة التونسي بنفسه عن الإسلام السياسي، لم يتبق سوى القليل من أحلام تركيا، ولم يتبق سوى قطر صديقًا مقربًا وحليفًا. وتؤشر التحركات الأخيرة لتركيا في أفريقيا على أن أنقرة تهدف إلى حصار الدول العربية المعارضة لمشروعها التوسعي للهيمنة من خلال القفز من مناطق نفوذها التقليدية إلى محيطها الإقليمي، فإلى جانب السودان وتشاد، فإن لتركيا نفوذًا في ليبيا، التي تدعم فيها تنظيمات إرهابية ومسلحة.

وعليه، فإنه لا يمكن استبعاد أن يكون أحد أهداف جولتي أردوغان وتميم هو نقل نفوذ الحركات الإرهابية إلى مناطق جديدة، على غرار منطقة شمال أفريقيا والساحل، بعد الضغوط القوية التي تعرضت لها في منطقة الشرق الأوسط.

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة