الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
تمدُّد الحركات الجهادية في إفريقيا.. نومُ الحكومات وإغفاءة الغرب!
تعويل الغرب على شركاء محليين لخوض المعركة بالكامل ضد الحركات الجهادية في إفريقيا حُلم بعيد المنال

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
مضى عقدان من هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، على نيويورك، بينما لا تزال الشبكات الإرهابية مثل “القاعدة” موجودة على الأرض، فضلاً عن ظهور تنظيمات أخرى في الاتجاه ذاته؛ على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الذي بات يُشكِّل تهديداً خطيراً على السِّلم والأمن الدوليَّين؛ وذلك من خلال قدرته على التكيُّف مع المستجدات والانتقال إلى المناطق الأكثر هشاشة في العالم، مثل دول جنوب الصحراء الإفريقية؛ خصوصاً منطقة الساحل، حيث تنشط الجماعات المسلحة الموالية للتنظيمات ذات الأيديولوجيات الجهادية كـ(داعش)، وتتمدد يوماً بعد آخر، حتى باتت تشكل تهديداً وجودياً على تلك الدول الهشة.
اقرأ أيضاً: ماكرون إلى باماكو.. الرئيس الفرنسي في متاهة مالي
تمدد الإرهاب عبر القارة
ومع ذلك، فإن دوائر السياسة الغربية لا تزال غير مهتمة بقدرٍ كافٍ بإرهاب الجماعات الجهادية في إفريقيا؛ إذ تعتقد، وفقاً لمقال نشرته “فورين بوليسي“، منتصف العام الماضي، أن تلك الجماعات غير قادرة على استغلال ملايين الإفريقيين، كما أنها تخشى الدخول في حروب لا نهاية لها؛ كما حدث في العراق وأفغانستان، فضلاً عن إعطائها الأولوية لمواجهة الوجود الروسي والصيني في إفريقيا.

ووفقاً للمجلة نفسها، فإن السلفية المتطرفة، حقَّقت في السنوات الأخيرة، العديد من النجاحات في إفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ شملت أنشطتها نحو 22 دولة، ولا تزال في ازدياد، ما أدى إلى نزوح أكثر من مليون شخص.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تقول “فورين بوليسي”: رغم اتفاق الحزبَين الجمهوري والديمقراطي بشأن ضرورة مكافحة الإرهاب في إفريقيا، وطرحهما مبادرات للتنمية الاقتصادية والصحة العامة في القارة؛ فإن استجابتها للعمليات الإرهابية هناك، كانت ضعيفة على الدوام؛ فقد تجاهلت الولايات المتحدة وأوروبا، إلى حد كبير، الجريمةَ المروعةَ التي ارتكبها “داعش”، مارس 2021، ببلدة بالما شمالي موزمبيق، بقتله العشرات؛ بينهم 12 أجنبياً؛ عُثِر على جثثهم مقطوعة الرؤوس.
اقرأ أيضاً: “داعش الأوغندي”.. تعرَّف على أنشطة القوات الديمقراطية المتحالفة في وسط إفريقيا
انطلاقاً من ليبتاكو- غورما
وفي السياق ذاته، تنشط العديد من الجماعات الجهادية في القارة؛ مثل بوكو حرام، وشباب المجاهدين الصومالية، وداعش غرب إفريقيا، وداعش الصحراء الكبرى، وداعش موزمبيق، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والقوات الديمقراطية المتحالفة في أوغندا والكونغو.. وغيرها. وتُشكِّل بعض هذه المجموعات تحالفات بينية؛ ما يزيد من نفوذها الإقليمي وقدرتها على مقاومة الجيوش الإفريقية ضعيفة التسليح والتدريب.

وخلال العام الماضي، شهدت منطقة الساحل الإفريقي زيادة كبيرة في أعمال العنف؛ كانت أسوأها أحداث النيجر، في يناير ومارس 2021؛ حيث يعتبر إقليم ليبتاكو- غورما الاستراتيجي الممتد عبر الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، مركزاً رئيساً للجماعات الإرهابية، التي نجحت في استدراج الكثير من الشباب الساخط بسبب الفقر وفساد الحكومات وسوء إدارتها للموارد، وفاقم من ذلك التصحر وتدهور البيئة والتوترات العرقية المتنامية.
اقرأ أيضاً: الجماعات الإرهابية والأطفال الأفارقة.. “جرائم فظيعة وانتهاكات جسيمة”
تكتيك النعامة
وفي السياق ذاته، قال الصحفي والمحل السياسي، الجميل الفاضل، لـ(كيوبوست): إن صانعي السياسية في الغرب يتبعون تكتيك النعامة، بدفن الرؤوس في الرمال؛ فالولايات المتحدة وفرنسا، تخشيان مواجهة الأسباب الحقيقية وإيجاد الحلول الصعبة التي تتطلب رفع أيديهما عن دعم الحكام المستبدين والحكومات الفاسدة؛ فهي المتسبب الأول والمباشر في انتشار هذه الجماعات، فالشعوب الإفريقية تميل بطبيعتها إلى نمط تدين متسامح، ربما تصوف متداخل مع تقاليدها وأعرافها وثقافاتها المحلية؛ لذلك لا تجد الحركات الجهادية سنداً شعبياً كبيراً، فمن ينخرطون فيها إنما يفعلون ذلك من أجل الحصول على المال أو تمرداً على الحكومات المستبدة والفاسدة؛ أكثر من كونهم يعتنقون أيديولوجيتها كعقيدة دينية راسخة، على حد تعبيره.

وأشار الفاضل إلى أن المجتمع الدولي مخطئ بنفس القدر؛ لكونه لا يتخذ مواقف قوية من الاستبداد والفساد الذي يعمّ القارة. وبالمقابل لا ترغب الولايات المتحدة في إرسال قوات للقيام بمهام طويلة الأمد في إفريقيا؛ كي لا تعيد تجربتَي العراق وأفغانستان، كما تراجعت فرنسا التي تقود وحيدة مهمة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، خطواتٍ عن وجودها هناك.

وأضاف: موقف الاتحاد الأوروبي هو الأفضل من وجهة نظري؛ فقد خصَّص البرلمان الأوروبي اعتمادات مالية للأعوام ما بين (2017-2021)، بقيمة 29.181 مليون يورو، للتنمية وتحقيق الاستقرار والسلام في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فضلاً عن 382 مليون يورو للاستجابة السريعة لفض النزاعات والأزمات الإنسانية، وبهذه الطريقة تمكن من تمويل مجموعة واسعة من المشروعات لتعزيز الاستجابات الأمنية قصيرة الأجل ومعالجة الاحتياجات طويلة الأجل، في المناطق المتضررة من الصراع في المناطق المستهدفة، ومع ذلك فإنه بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة لمنهجه في مكافحة العنف الجهادي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
اقرأ أيضاً: الصحراء تغدر بـ”الصحراوي”.. زعيم “داعش” في الصحراء الكبرى يتبدد في سرابها
جيوش ضعيفة وبنيات أمنية هشة
تعاني معظم دول القارة ضعفاً في جيوشها وهشاشة في مؤسساتها، كما أنه بسبب الفقر المدقع والظلم الاجتماعي وغياب الحريات السياسية، والقمع غير المسبوق الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة بحق مواطنيها، اتسعت دائرة نشاط الحركات الجهادية، كما أن التعويل على استخدام القوة الغاشمة في مكافحة التطرف والتمرد، لن يكون مُجدياً إن لم تُرافقه استجابات أخرى تأخذ في حسبانها عناوين مهمة؛ مثل الديمقراطية والانتخابات والحريات الدينية وحقوق الأقليات ودولة المواطنة والتنمية ومحاربة الفساد.

بالنسبة إلى الباحث السياسي في الشؤون الإفريقية، عمر حسنين، فإن الجماعات الجهادية في إفريقيا ستزداد قدرةً على الصمود في وجه الهجمات العسكرية، ما لم تتغير استراتيجية التعامل معها؛ فالمبرر الأساسي الذي تطرحه معظم هذه الجماعات هو مقاومة الأنظمة الديكتاتورية. ويمكن للأوروبيين والأمريكيين الضغط على حلفائهم، الحكام الإفريقيين؛ لتبنِّي نوع من الديمقراطية وتطبيق بعض مبادئ العدالة الاجتماعية والشفافية والحكم الرشيد، وبالتالي سيقتربون أكثر من تحقيق أهدافهم في مكافحة الإرهاب.
علاج العَرض وإهمال المرض

يقول حسنين مُتحدثاً إلى (كيوبوبوست): إن تعويل الغرب على شركاء محليين لخوض المعركة بالكامل ضد الحركات الجهادية في إفريقيا، حُلم بعيد المنال. ويلفت إلى أن الأسباب التي سمحت بنشأة وتمدد حركات التمرد السلفية الجهادية لا تزال قائمة؛ فالجيوش المحلية ضعيفة وغير قادرة على أداء وظائفها لانشغالها بالحكم والاستثمارات، وغالباً تتسبب رعونة أدائها في سخط المواطنين عليها؛ ففي بوركينا فاسو كانت انتهاكات القوات الأمنية سبباً رئيساً في بروز الجهاديين. وفي نيجيريا، أكثر دولة القارة سُكاناً وأكبرها اقتصاداً، انسحبت القوات الأمنية إلى أماكن أكثر أماناً، تاركةً المدنيين في شمال البلاد عرضةً لخطر الجهاديين. وفي موزمبيق؛ يفتقر الجيش إلى القوة البشرية والعتاد المناسب الذي يمكنه من الوصول إلى المناطق التي يُسيطر عليها الجهاديون، ناهيك بعدم قدرته على شن عمليات مكافحة ذات أثر.
اقرأ أيضاً: “لا توجد كابول إفريقية”.. فهل ستُنقل الحرب على الإرهاب إلى إفريقيا
الخلاصة، يختم حسنين، أن الحركات الجهادية في إفريقيا هي العَرض لا المرض، إنما العِّلة الحقيقية تكمن في الأنظمة العسكرية الشمولية التي خلَّفت مجتمعات واقتصادات هشة وجيوشاً ضعيفة؛ غير قادرة على حسم تفلتات عادية لعصابات محلية. لذلك لا بد من تغيير استراتيجية الغرب إزاء التعامل مع تنامي ظاهرة الإرهاب في إفريقيا؛ بحيث تأخذ كل هذه القضايا في الاعتبار.