الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

تقويض الحقيقة عامل رئيسي في الانحدار الثقافي الغربي

عندما تغيب القواعد والحقائق، تتعرّض جميع حقوقنا للتهديد من النخب المهووسة بنفسها

كيوبوست- ترجمات

نيك تيموث

“هناك القدر نفسه من الحقيقة، فيما أتذكره، وكيف أتذكره، كما هو الحال فيما يُسمى بالحقائق الموضوعية”. هكذا يقول الأمير هاري. كلماته هذه تلخِّص سؤالاً بالغ الأهمية في عصر ما بعد الحداثة: ما هي الحقيقة؟

الأمير هاري الآن هو أشهر محرِّف للحقيقة في العالم، لكنه بالطبع ليس الاستثناء الوحيد. يوم الجمعة الماضي، دافع تريفور نوح، الممثل الكوميدي الجنوب إفريقي، والمقدم التلفزيوني الأمريكي، عن المشهد الهزلي سيئ السمعة الذي أكّد فيه أنه كان هناك “رد فعل عنصري عنيف” في بريطانيا، عندما أصبح ريشي سوناك رئيساً للوزراء. وبدلًا من تقديم دليل على ادعاءاته، أو الاعتذار عن خطأه، جادل نوح بأنه لا يمكن الحكم على النكتة إلا من خلال جمهورها المستهدف. بعبارةٍ أخرى، لا يهم أن يعرف البريطانيين أن نكتته غير صحيحة: فهو وجّه النكتة للجمهور الأمريكي الليبرالي، الذي اعتقد أنها صحيحة.

اقرأ أيضاً:  السيرة الذاتية للأمير هاري مغامرة ماجنة تفتقر للحكمة!

في هكذا حال، يحق للمشاهير لي عنق الحقيقة، فتصبح الحقيقة هي ما يشاؤون، والكلمات تعني ما يختارون، وما يُعتبر مُسيئاً في سياق ما قد يكون معقولاً -بل وربما تقدمياً وشجاعاً- عندما يتحدثون.  

الأصول الفكرية لهذا الهراء تعود إلى ما بعد الحداثة لمفكرين مثل ميشيل فوكو، وجاك دريدا. الخطاب قمعي. اللغة والعادات والتقاليد تستغل الضعفاء وتحافظ على امتيازات الأقوياء. ضحايا الأقوياء يشاركون في اضطهاد أنفسهم من خلال أدوارهم الاجتماعية المفترضة. وقد أخذ المفكرون والراديكاليون الأمريكيون هذه المفاهيم إلى أبعد من ذلك، ولم تصبح النظريات النقدية الناشئة شائعة هناك فحسب، بل أضحت تحظى -على نحو متزايدٍ- بإجماعٍ بين الأكاديميين والسياسيين هنا أيضاً.

الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو- أرشيف

وهكذا، تُختزل الحقيقة في معركةٍ بين الخطابات. مهما كانت الأدلة، يمكن القول إن الحقيقة هي مجرد “حقيقتك”. الخطابات القمعية تسهم في إدامة التسلسل الهرمي الاستغلالي. ولأن الخطاب هو أداة للقمع، فإن اللغة هي ساحة المعركة. هنا، تُحرّف الكلمات بحيث لم تعد تعني أي شيء. حتى العنف يمكن أن يكون رداً مشروعاً على ما نقوله.

بطبيعة الحال، ربما لم يقرأ الأمير هاري كتاب فوكو ودريدا وغيرهم، ولكن مزاعمهم تسلّلت إلى الوعي الحديث، من خلال نظام التعليم والثقافة الأوسع. في أمريكا -حيث تستخدم النخب التحايل لتبرير قراراتها، وتصبح أكثر انغماساً في الذات ومنفصلة عن الحقيقة- أصبحت الأرض خصبة لهذه الأفكار. وفي بريطانيا، التهمت نخبنا ذات الأدمغة المتأمركة الثمار بشراهة.

اقرأ أيضاً:  الأمير هاري وقيمة الصمت

الآن، يمكنك أن تكون أميرًا تعيش في قصر قيمته 33,5 مليون دولار، وتدّعي ليس فقط أنك ضحية، بل مظلوم مالياً أيضاً. يمكنك أن تكون مؤرخاً، ولأسبابٍ أيديولوجية وسياسية، تزعم أن بريطانيا كانت دائماً متنوعة عرقياً. يمكنك كتابة سيناريوهات حول الأحداث والشخصيات التاريخية، وإدراج شخصيات ولحظات خيالية لتضليل الجماهير باسم الحقائق الأبدية.

في جيل ما بعد الحداثة، حيث الحقيقة يمكن أن تكون “حقيقتي” أو “حقيقتك”، قد يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً، قد يُكلِّف صاحبه الكثير. غير أن الشكوك العميقة التي تفاعل بها الجمهور مع الأمير هاري ربما تظهر أنه لا تزال هناك حياة في الحقيقة والموضوعية حتى الآن.

المصدر: التلغراف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة