الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

تقرير إسرائيلي: الدعاية الإعلامية لـ”حماس” لم تنجح في إقناع جمهورها

التقرير الذي كتبه الباحث الإسرائيلي المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط صامويل بار.. يطل من الداخل على المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي وكيفية تقييم النخبة هناك للأوضاع في بلدها

كيوبوست

يبدأ التقرير بتحليلٍ يفحص استقرار الائتلاف السياسي الذي شكله رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، والذي حمله للسلطة، ويرى أن الحكومة الجديدة ستواجه معارضة شرسة من حزب الليكود، وباقي اليمين الإسرائيلي، رغم أن بينيت نفسه ينتمي إلى هذا التيار. وفي المقابل، يقف اليسار والأحزاب العربية مع بينيت رغم مواقفه اليمينية المتشددة؛ كلمة السر هنا هي نتنياهو، وبمعنى أشمل الرغبة في إخراجه من المشهد السياسي، ولو اضطرت أحزاب متخاصمة إلى التحالف لإنجاز هذا.

ويشير التقرير إلى أن الحكومة الجديدة ستركز على ملفات تهم الناخب العادي؛ مثل: إعادة إنعاش الاقتصاد، والقيام بإصلاحات في قطاعَي التعليم والصحة، والموافقة على ميزانية عامة جديدة تغطي العامَين المقبلَين. وفي المقابل من المُتوقع أن تتجنب الحكومة قضايا شائكة؛ مثل الانسحاب من الضفة الغربية أو ضم أجزاء منها، ومن هذه القضايا تعديل المنظومة التشريعية، وكذلك القيام بإعادة هيكلة تنظيمية واستراتيجية للقوات المسلحة، والقطاع الأمني عموماً؛ وذلك لمواجهة التهديدات النابعة من قطاع غزة وجنوب لبنان وإيران.

اقرأ أيضاً: تأثيرات الصدام الأخير بين إسرائيل وحماس في غزة على التطرف

عدم استقرار سياسي

إذن هناك الكثير مما ينتظر الحكومة الجديدة؛ لكن التقرير يتوقع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، بل ويتوقع أن تواجه الحكومة معارضة شرسة قد تصل إلى حدِّ حصول عمليات اغتيال لبعض أعضائها، ومما يدعم هذه الفرضية هو وجود وزراء من عرب 48، ممن ينتمون إلى القائمة العربية الموحدة التي يرأسها النائب منصور عباس، والتي تضم خليطاً من التوجهات المختلفة؛ بما فيها الإسلام السياسي، الذي رفض المنتمون إليه في السابق الوجود في “حكومة صهيونية”، كما يصفونها. ويحلل التقرير مواقف النخبة السياسية من عرب 48؛ فيرى أنها فوجئت بحجم وشراسة المواجهة التي تفجرت. ورغم أن هذه النخبة توجه اللوم تقليدياً نحو قوى اليمين الإسرائيلي؛ فإن هذا لم يمنع من بروز نقاشات عربية عن الآثار السلبية للأحداث على مصالح عرب 48، وضرورة العمل لاحتواء آثارها وعدم السماح لها بأن تؤثر سلباً على علاقات العرب بباقي مواطني إسرائيل. كما أن النخبة العربية بدأت بالنقاش الصريح عن انتشار ثقافة العنف بين شباب العرب؛ والتي أسهمت في إشعال الأوضاع وبالذات في المواجهات التي حصلت داخل المدن الإسرائيلية.

منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست

عن المواجهة الأخيرة

يُجمع الخبراء الأمنيون في إسرائيل على أن الدولة العبرية قد حققت أهدافها العسكرية في المواجهة الأخيرة مع حركة حماس؛ وهي إلحاق أضرار فادحة بالبنية التحتية للحركة الإسلاموية تمتد على المدى الطويل، بالإضافة إلى الحفاظ على قوة الردع عملياتياً وذهنياً لدى قيادة “حماس”، والتي قد تمنعهم من الدخول في مواجهاتٍ شبيهة مستقبلاً؛ لكن هل سيمنع هذا “حماس” من تجديد المواجهة لأهدافٍ سياسية بحتة؟

اقرأ أيضاً: إسرائيل والفلسطينيون.. من حل الدولتين إلى خمس “دول” فاشلة

يرى الخبراء الإسرائيليون أن الحركة رغم كل الدروس العسكرية القاسية التي تتلقاها، قد تنساق تحت إغراء المواجهة، ولذا فهم يظنون أن الهدنة التي تم توقيعها بين الجانبَين قد لا تستمر سوى بضعة أشهر؛ حيث إن قيادة “حماس” في قطر مع إيران، قد تضغطان باتجاه تجديد المواجهة؛ وذلك بهدف إثبات أن المواجهة مع إسرائيل تحتمل النصر، أو استنزافها في أهون الحالات؛ وهو ما يعد رصيداً معنوياً وسياسياً كبيراً لدى هذه الأطراف، فضلاً عن إثبات أن النموذج الإيراني في إقامة ودعم الحركات الجهادية يتسم بالفعالية في مواجهة القوى الغربية وحلفائها في المنطقة.

صاروخ “فجر-5” الذي تستخدمه حركة حماس في هجماتها على إسرائيل ويشبه نظام القذائف الإيرانية- موقع “إنسايدر”

كما أن التقرير يرى أن “حماس” لن تتردد في دخول مواجهة أخرى، وذلك لاستغلال الانحدار المستمر في شعبية حركة فتح في الداخل الفلسطيني؛ وهو ما يتيح لها تسويق صورتها أمام العالم أجمع بوصفها “حامي القدس”، ولذلك يصل التقرير إلى الخلاصة التالية؛ وهي أن إسرائيل خدمت “حماس” دون قصد في الأحداث الأخيرة.

رغم هذا كله؛ فإن التقرير يرجح أن “حماس” لم تحقق غايتها الاستراتيجية المتمثلة في انتزاع تنازلات رسمية من الدولة العبرية من شأنها أن تقوي قبضتها على قطاع غزة، حيث إن الهدنة عُقدت بلا شروطٍ مُسبقة؛ وهو ما يعني أن المفاوضات بين الطرفَين ستأخذ وقتها، ما يشكل ضغطاً على “حماس”؛ لأن هذا يعني أن سكان غزة يعيشون تحت مصاعب معيشية متجددة لم يختاروها، وهو ما سيزيد نقمتهم ضد الحركة الإسلامية.

اقرأ أيضًا: إعادة الإعمار في غزة.. المهمة المستحيلة في ظل سيطرة “حماس”

كما أن الدعاية الإعلامية لـ”حماس” لم تنجح -كما يذكر التقرير- في إقناع جمهورها والرأي العام العربي، بما ذكرته من أنها أجبرت إسرائيل على تقبل مطالبها بإبعاد الشرطة عن المسجد الأقصى ومحيطه؛ حيث إن وسائل الإعلام لا تبث صور الأحداث من القدس باستمرار.. كل هذا لا يخدم “حماس” في الداخل الذي ينتظر انفراجة في أوضاعه المادية، وفي الخارج الذي أصبح ينظر إلى “حماس” بحذر أو من مسافة لا تشبه حماسة الماضي.

اللقطة الشهيرة عن المواجهة بين صواريخ “حماس” ومنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية

العرب والغرب

ويحلل التقرير ردود الأفعال العربية حول المواجهة الأخيرة، ويرى أن دول الخليج العربية، وبالذات الإمارات والبحرين، تبنت خطاً رسمياً محايداً تجاه ما حصل، مع التمني بانتهاء الأحداث سريعاً والاحتكام إلى عملية السلام. وشعبياً يرى التقرير أن آراء الخليجيين كانت ناقدة بشدة لاستخدام “حماس” للمدنيين في عملياتها كدرع بشرية، ولم تلقَ الحركة تأييداً يُذكر.

ويعرج التقرير إلى الموقف الروسي، ويقيِّمه بالاتزان الذي يعكس رغبة موسكو في عدم الظهور بمظهر المؤيد لحركة حماس أمام الرأي العام العربي؛ وبالأخص الخليجي في المنطقة، الذي أضحى ينظر إلى “حماس” بوصفها حليفة للمحور الإيراني، ولا تريد موسكو أن تظهر بمظهر المعادي للغالبية السُّنية أو المناوئ للدول العربية المعتدلة التي تقف في وجه مشروعات طهران، والتي تتمتع معها موسكو بعلاقة فاعلة. ورغم ذاك؛ فقد نشرت وسائل الإعلام الروسية بيان حركة حماس الذي امتدح دور موسكو، وهو ما يُشير إلى عدم رغبة الروس في إبعاد “حماس” عنهم بالكامل، ونيتهم إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الإسلاميين في غزة.

اقرأ أيضاً: مكاسب “حماس” وإسرائيل كمن يهيم من دون رأس.. والسلطة تأكل أظافرها

أما بالنسبة إلى الأمريكان، فقد تغيَّرت مواقفهم نوعياً عن السابق؛ فقد حرصت إدارة بايدن على التوازن بين مقاربات متضادة في الصراع الحالي، فهي من جهة تؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها؛ لكنها أيضاً ضغطت بشكل ملحوظ على الدولة العبرية لإنهاء عملياتها العسكرية بسرعة، كما أن البيت الأبيض عبَّر عن استيائه من استهداف جيش الدفاع الإسرائيلي المقرات الإعلامية؛ هذا التغير غير المسبوق في نوعية الموقف الأمريكي، يعكس أكثر من أي شيء تغيراً في تركيبة الحزب الديمقراطي ديموغرافياً وعقائدياً ومطالبات شريحة مهمة من ناخبيه وممثليهم. ويصف التقرير هذه الشريحة بأنها ذات أجندة راديكالية التوجه، ولن تتوقف عن الضغط على الإدارة الحالية حتى تتبناها أو تميل نحوها.

إبراهيم رئيسي- مرشح خامنئي والمحافظين في الانتخابات الإيرانية

ولاحظ التقرير أن إدارة بايدن تجنبت الإشارة إلى الدور الإيراني في المواجهات الفلسطينية- الإسرائيلية، وذلك خوفاً من أن يؤثر هذا سلباً على مفوضات فيينا بشأن برنامج طهران النووي؛ لكن هذا -حسب النظرة الإسرائيلية- يناقض سردية إدارة بايدن التي تقدمها إلى حلفائها حول تبنيها خطاً متشدداً مُضاداً للسياسات الإقليمية الإيرانية، كما أن البيت الأبيض يُرسل بين التارة والأخرى من الرسائل ما يُظهر أنه يقبل وجود الجمهورية الإسلامية كلاعب إقليمي فعال وله مصالحه في طول المنطقة وعرضها؛ وهو ما يخالف نظرة إدارة ترامب وجورج بوش الابن. ويبدو أن القيادات الإيرانية التقطت فحوى الرسالة الأمريكية؛ حيث صرح قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، بأن “أمريكا ستكون أول مَن يتخلى عن الكيان الصهيوني”. وعلى كل حال، يخلص التقرير إلى الانكماش التدريجي في القدرة الأمريكية على احتواء الصراعات التي تنفجر دورياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

اقرأ أيضًا: الأزمات الداخلية في السلطة الفلسطينية وإسرائيل تنعكس على المواجهات العسكرية

أما بالنسبة إلى عدو إسرائيل التقليدي والأكثر خطورة في المشرق العربي، أي “حزب الله” اللبناني، فيرى التقرير أن زعيم الحزب حسن نصر الله، اكتفى بالمواجهة الخطابية والتهديدات الدعائية، ولكن المحسوبة بدقة؛ فنصر الله رغم توعده بـ”حرب إقليمية”، وبقرب “نهاية إسرائيل”؛ فإنه أعلن أن الحزب: “لن يكون بديلاً عن الفلسطينيين في نضالهم؛ ولكننا سنقف بجانبهم”، وأضاف نصر الله في رسالة تحذيرية -حسب التقرير- للقيادة الإسرائيلية أن “لبنان ليست غزة”؛ وهو ما عنى به أن الحزب لم ينزلق نحو أعمال عدائية الآن ضد الدولة العبرية؛ ولكنه قادر على ردع أية نية إسرائيلية لضربه وإشعال مواجهة معه في لبنان أو الحدود السورية على هضبة الجولان.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة