الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية
تفنيد المفاهيم الخاطئة حول الحرب في اليمن

كيوبوست- ترجمات
عوفيد لوبيل♦

حقق الحوثيون مكاسب كبيرة في الأسبوع الماضي في إطار هجومهم المتواصل للاستيلاء على مأرب، آخر معقل للحكومة اليمنية. وردًا على ذلك، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 290 مليون دولار كمساعداتٍ إنسانية إضافية، وكررت التزامها “بعملية سلام شاملة تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى حلٍّ دائم للصراع بما يخدم جميع اليمنيين”.
وفي حين أن تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه مرارًا وتكرارًا، وتوقع نتيجة مختلفة، فإن هذه العبارة المبتذلة تنطبق للأسف على سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن. فعلى الرغم من ست سنواتٍ على الأقل من الفشل الواضح والتغيرات الجوهرية في الوضع العام منذ عام 2015، لم تعدّل الولايات المتحدة على الإطلاق خطابها أو نهجها.
تركيز الولايات المتحدة قصير النظر على تخفيف الكارثة الإنسانية في اليمن -التي تعتبر الأسوأ في العالم بمعظم المقاييس- دون معالجة الأسباب الحقيقية للصراع، كان له تأثير مؤسف في تفاقم كلٍّ من الحرب والوضع الإنساني، وسيستمر ذلك ما لم تتم معالجة المفاهيم الخاطئة التالية حول الحرب، وإصلاح السياسة الأمريكية وفقًا لذلك.
اقرأ أيضاً: هل هناك حل لمعضلة اليمن؟
حرب إقليمية.. وليست حربًا أهلية
أولًا، الحرب في اليمن ليست حربًا بالوكالة، ولم تبدأ بالتدخل الدفاعي للتحالف الذي تقوده السعودية ضد انقلاب الحوثيين في عام 2015، عندما استولتِ الجماعة بشكل غير شرعي على السلطة بالتحالف مع عدوها السابق الرئيس السابق علي عبد الله صالح. بل إن الحرب، كما قلت في تقريري الصادر في مارس عن موقع “عين أوروبية على التطرف”، هي امتداد للجهاد الحوثي -الذي يسمونه “المسيرة القرآنية”- الذي أطلق برعايةٍ إيرانية في عام 2004 لإقامة دولة دينية إسلامية شمولية.
استمر هذا الجهاد الشرس حتى عام 2010 وحتى خلال احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، على الرغم من أن هذا التسلسل الزمني يلاقي تجاهلًا من قبل المدافعين عن الحوثيين في الحكومة الأمريكية، والمجتمع التحليلي الأوسع. جماعة أنصار الله، الاسم الرسمي للحوثيين، صريحة تمامًا: فنيَّتها غير القابلة للتفاوض هي توسيع دولتها الإسلامية في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، من أجل محاربة إسرائيل، وما تعتبره أنظمة عميلة للولايات المتحدة في الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية. إن معاداتهم للسامية جزء أصيل من أيديولوجيتهم لدرجة أنهم أكملوا مؤخرًا حملة التطهير العرقي، التي بدأت حوالي عام 2007، ضد اليهود اليمنيين.

يوضح التقرير بالتفصيل كيف قامت إيران؛ وأذرعها اللبنانية والعراقية، برعاية الحوثيين وشركائهم منذ عام 1979 كنسخةٍ يمنية لحزب الله، وأشرفت ووجهت على كل خطوة من خطوات تطورها، من حركة “الشباب المؤمن” في التسعينيات إلى “أنصار الله” اليوم، ولم تكن مصادفة أن كليهما يحملان مكوناتٍ من اسم حزب الله اللبناني.
غالبًا ما يتم تحريف جماعة أنصار الله على أنها رد فعل شيعي زيدي على الإهمال الاقتصادي والتهديدات لممارستها الدينية وهويتها، غير أنها كانت ولا تزال دائمًا أداة إيرانية لا لبس فيها، حيث سعَت لنشر رؤية الخميني الإسلامية العابرة للحدود الوطنية. وقد تمكّنت الجماعة من نسخ الثيوقراطية الوحشية لروادها الأصليين في طهران من خلال وضع إقامة نظام إسلامي موازٍ على رأس أولوياتها، عند استيلاءها على مؤسسات الدولة اليمنية.
اقرأ أيضاً: تطور جماعة أنصار الله: كيف غزت الثورة الإسلامية اليمن؟
في عام 2020، عيّنت إيران عضو فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، والمشرف على أنصار الله منذ فترة طويلة، حسن إيرلو، كحاكمٍ عسكري و”سفير” لها في اليمن للإشراف المباشر على العمليات العسكرية الحوثية ضد مأرب.
ببساطة، وعلى الرغم من المعلومات المضللة المنتشرة في كل مكان والتأكيدات الكاذبة المتكررة من قبل شخصيات مثل السيناتور الأمريكي كريس ميرفي، الذي أصبح مدافعًا حقيقيًا عن الحوثيين، إلى جانب رو خانا، والعديد من الديمقراطيين الآخرين في الكونجرس الأمريكي، أن المملكة العربية السعودية أسهمت عن غير قصدٍ في خلق هذا التحالف الحوثي-الإيراني القديم في الواقع عندما تدخلت مباشرة للمرة الأولى في اليمن في عام 2009. هذا ليس صحيحًا.

الأزمة الإنسانية التي يصطنعها الحوثيون
الاعتقاد الخاطئ السائد الثاني هو أن الحصار السعودي على اليمن هو السبب الرئيس للكارثة الإنسانية في الدولة. وإذا ما وضعنا جانبًا قدرة المملكة العربية السعودية المشكوك فيها على فرض أي حصار قائم، فإن ذلك لا يؤثر في الواقع على الواردات مثل الغذاء والنفط. وعلاوة على ذلك، شهد العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين والحاليين المشاركين في السياسة اليمنية، بأن نظام الحوثيين، وليس الحصار، هو المسؤول بشكلٍ كبير عن المشكلات المتعلقة بالمساعدات الإنسانية.
في هذا الصدد، ذكرت “وكالة الأسوشيتد برس” في فبراير 2020 أن الحوثيين يعرقلون نصف برامج المساعدات التابعة للأمم المتحدة في اليمن، فضلًا عن جهود الأمم المتحدة لمراقبة مئات الملايين من الدولارات من الأموال الإنسانية، بينما يطالبون بحصةٍ هائلة من تلك المساعدات. وقد علَّق أحد مسؤولي الأمم المتحدة على القرار المحتمل لبرنامج الأغذية العالمي بخفض مساعداته الغذائية بسبب عرقلة الحوثيين، قائلًا: “من المؤسف أن الناس سيعانون ولكن هذا سيرتد على الحوثيين. لا يمكنهم استخدام الناس كرهائن لفترة طويلة جدًا”.
اقرأ أيضاً: الحوثيون يجندون النساء لأهداف قمعية في اليمن
لقد وجّهت وكالات الأمم المتحدة أموالًا لم تخضع للتدقيق لمشاريع المساعدات هذه من خلال وكالة الحوثيين “لتنسيق المساعدات”، التي تعرف باسم المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، الذي أشرف على كل مشروع، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس:
واصلت وكالات الأمم المتحدة وضع مئات الملايين من الدولارات في حسابات الحوثيين من أجل “بناء القدرات” … وفي الصيف الماضي، طلبت الأمم المتحدة من جميع الوكالات الإبلاغ عن المبالغ التي كانت تقدمها في شكل تحويلات نقدية مباشرة.

في عام 2019، بلغ الإجمالي 370 مليون دولار، أي حوالي 10% من ميزانية المساعدات الدولية لليمن، وفقًا لجدول بيانات للأمم المتحدة الذي حصلت عليه وكالة أسوشيتد برس. ووضعت علامة على حوالي 133 مليون دولار في جدول البيانات على أنها “غير مدققة.
يبدو أن بعض المسؤولين في هيئة المساعدات الحوثية، يتلقون رواتب متعددة، بحسب البيانات. ولفترة من الوقت، كانت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة تعطي رواتب لرئيس الهيئة، ونائبه والمديرين العامين. ويتلقى كل مسؤول ما مجموعه 10,000 دولار شهريًا من الوكالات، حسبما يبين جدول البيانات.
اقرأ أيضاً: اليمن.. عشر سنوات على حلم التغيير الذي استحال كابوساً!
كما قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مليون دولار كل ثلاثة أشهر للهيئة الحوثية لاستئجار المكاتب والتكاليف الإدارية، في حين منحت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة المكتب 200,000 دولار أخرى للأثاث والألياف البصرية.
في هذا الصدد، قالت ليز جراندي الرئيسة السابقة للعمليات الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في أبريل إن “الدولة البوليسية القسرية والمفترسة” لأنصار الله “فرضت مئات القيود على إيصال المساعدات الإنسانية”، و”تواصل تهديد موظفي الإغاثة الإنسانية وترهيبهم وتخويفهم واحتجازهم”. وأعربت جراندي عن أسفها لأنه قد لا يكون من الممكن منع المجاعة الكارثية القادمة أو حتى التخفيف من حدة الوضع الإنساني طالما أن ثيوقراطية أنصار الله قائمة.

كما أوضح المبعوث الأمريكي الخاص لليمن؛ تيم لندركينج، ومساعدة مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؛ سارة تشارلز، لـ “المجلس الأطلسي” في مارس، أن المشكلة الرئيسة ليست الغذاء أو المساعدات الأخرى القادمة، بل العرقلة التي يقوم بها الحوثيون، وتحويل المساعدات التي يتم تسليمها.
وفي يونيو، حثَّ لندركينج “الحوثيين على عدم تخزين الوقود والتلاعب بأسعاره، وهو ما نخشى أن يكون قد أبقى الأسعار مرتفعة بشكل مصطنع حتى مع وصول الوقود عبر ميناء الحديدة، وبرًا عبر الموانئ الجنوبية”.
اقرأ أيضاً: بايدن لا يمكنه إحلال السلام في اليمن ما دامت إيران تواصل دعم الحوثيين بالأسلحة
وفي يونيو 2020، ألقى ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترامب باللوم بالمثل على الحوثيين في الكارثة الإنسانية، داعيًا “الحوثيين إلى التوقف عن عرقلة المساعدات الإنسانية للشعب اليمني. لقد اتخذنا قرارًا صعبًا بوقف الكثير من مساعداتنا للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون؛ لأنهم لم يحترموا المبادئ الإنسانية المعترف بها دوليًا للسماح بإيصال المساعدات للمحتاجين”.
المشكلة بالتأكيد ليست في إيصال المساعدات إلى اليمن، بل في قدرة اليمنيين على الحصول عليها، وهو أمر جعله الحوثيون شبه مستحيل.
وثمة عائق إضافي قاتل أمام إيصال المساعدات الإنسانية يتمثل في الاستخدام العشوائي الواسع النطاق للألغام الأرضية من قبل الحوثيين. فلقد زرع الحوثيون مئات الآلاف، وربما أكثر من مليون لغم، في جميع أنحاء اليمن، بالإضافة إلى عرقلة إيصال المساعدات، ما تسبب في قتل وتشويه مئات إن لم يكن آلاف المدنيين بشكل مباشر، وسيواصلون القيام بذلك.

لا يوجد شيء إنساني حول الاعتقاد السائد بأنه يمكن تقسيم إيصال المساعدات، فالطريق إلى الجحيم ممهد بموقف “المساعدات بأي ثمن” الذي يغذِّي بشكل كبير سبب الكارثة الإنسانية: الحوثيون. وقد كشف تحقيق مفصل في مارس حول استخدام الحوثيين للمساعدات كسلاح، أنهم يحولون المواد الغذائية والمساعدات التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، عبر المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، ومنظمات الحوثيين الأخرى، إلى مقاتليهم في الخطوط الأمامية، والموالين لها.
علاوة على ذلك، يستخدم الحوثيون سيطرتهم على الغذاء والأموال لتجنيد المقاتلين، بمن فيهم الأطفال، مقابل المساعدات. رفض الخضوع لمطالب الحوثيين أو توفير القوى العاملة يؤدي إلى حرمانهم من المساعدات.
وبالتالي، تدعم المنظمات الإنسانية والأموال بشكل مباشر آلة الحرب الحوثية، وتسهم في ترسيخ قوتها السياسية، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني نفسه الذي تحاول ظاهريًا تخفيفه.
اقرأ أيضًا: ميليشيا الحوثيين تجرف “اليمن السعيد” بألغام الموت والكراهية.
التوازن الخاطئ
ثالثًا، هناك “استراتيجية توازن خاطئة” صادمة بين المحللين وصناع السياسات، حيث يصورون الوضعَ كما لو أن المملكة العربية السعودية من ناحيةٍ، والحوثيين وإيران من جهةٍ أخرى، كانوا مسؤولين بالقدر نفسه عن الحرب، والمأزق الدبلوماسي الحالي، والأزمة الإنسانية الشاملة.
في الواقع، وكما أكد المبعوث الخاص لندركينج أمام مجلسي النواب والشيوخ، شاركتِ المملكة العربية السعودية بشكل بنّاء وبنوايا حسنة، مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وتحاول جاهدة انتزاع نفسها من الحرب، وهو تقييم شاركه فيه رئيسُ القيادة المركزية الأمريكية الجنرال ماكنزي، وكبير ممثلي وزارة الخارجية الإقليمية في إدارة ترامب، ديفيد شينكر.
بل إن السعوديين أعلنوا وقف إطلاق النار من جانبٍ واحد منذ أشهر -على الرغم من تزايد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد بنيتها التحتية المدنية- ويقترحون باستمرار خطط سلام يرفضها الحوثيون وحزب الله وإيران.

من ناحيةٍ أخرى، تواصل إيران التصعيد نوعيًا وكميًا، وشحن طائرات مسيّرة وصواريخ أكثر تطورًا إلى وكلائها، بل وإنشاء مرافق إنتاج محلية في اليمن للسماح للحوثيين بشنِّ هجماتٍ يومية على المملكة العربية السعودية وتهديد المنطقة. وقال لندركينج أمام مجلس الشيوخ “لا أرى أي مؤشرات على أن إيران تدعم حلًا سياسياً”.
أما الحوثيون، “فيظلون يركزون على مواصلة هجومهم العسكري على مدينة مأرب. وفي الوقت الحاضر، يشكّل هذا الهجوم أكبر تهديد لجهود السلام”، حسبما أكد لندركينج.
اقرأ أيضاً: المملكة العربية السعودية تطرح اتفاقاً لوقف إطلاق النار في اليمن
تجدر الإشارة إلى أن مأرب تستضيف حاليًا قرابة مليوني نازح داخليًا في قرابة 200 مخيم مؤقت، والشيء الوحيد الذي يحول بين المجازر والكارثة الإنسانية التي من شأنها أن تقزّم أي شيء حتى الآن، حتى بالمعايير اليمنية، هو الغارات الجوية السعودية.
الحوثيون غير مهتمين صراحة بالسلام لدرجة أنهم في سبتمبر 2018 لم يحضروا محادثات السلام الدولية، ما أدى إلى إلغائها. وفي سبتمبر 2019، أعلن شينكر أن إدارة ترامب تجري محادثات مع الحوثيين للسعي إلى وقف إطلاق النار:
“نركز بقوة على محاولة إنهاء الحرب في اليمن. ونعقد محادثاتٍ قدر الإمكان مع الحوثيين، في محاولةٍ لإيجاد حل تفاوضي مقبول للطرفين للصراع”.

لقد عرقل الحوثيون المحادثات وواصلوا هجماتهم، ما أدى إلى إدراجهم كمنظمةٍ إرهابية أجنبية في يناير 2021. ولحفزهم على إعادة الانخراط دبلوماسيًا، لم تحذف إدارة بايدن تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية فحسب، بل ذهبت أيضًا خطوة أبعد من ذلك وأزالت قادتهم من قائمة الإرهابيين العالميين المحددين بصفة خاصة.
لم يحقق اتفاق استوكهولم لعام 2018، الذي يعتبر “الانتصار” الدبلوماسي الوحيد للمجتمع الدولي في اليمن، سوى شيءٍ واحد: حصّن سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما يسمح للحوثيين بالحفاظ على قبضتهم الخانقة على المساعدات الإنسانية، وتوفير جهد قواتهم لشن هجومهم للاستيلاء على بقية البلاد.
اقرأ أيضاً: ماذا بعد رفض الحوثي اقتراح وقف إطلاق النار في اليمن؟
وكان الرد الحوثي الوحيد على مبادرات السلام السعودية والدولية هو تصعيد عدد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة بشكل كبير، بما في ذلك الهجوم الذي كاد يقضي على الحكومة اليمنية بأكملها لدى وصولها في مطار عدن.
في عام 2021، رفض الحوثيون الاجتماع مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ما دفع المبعوث الأمريكي الخاص لندركينج إلى الإدلاء في مايو بتصريحٍ قال فيه:
“بصراحة، لقد شعرنا بخيبة أمل لأن الحوثيين رفضوا في الرحلة الأخيرة إلى عُمان الاجتماع مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة. ولم يكن ذلك الاجتماع بالذات هو المشكلة. إنه اتجاه عام، بعدما يظهر الحوثيون مشاركة بناءة في عددٍ من المناسبات مع مختلف الأطراف المعنية، يتراجعون أو يرتكبون كما نقول بالمصطلحات الرياضية، مغالطة تحريك المرمى”.

في 1 يوليو، انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية الحوثيين لرفضهم التعامل مع المجتمع الدولي على الرغم من الاتفاق الذي لبى جميع مخاوفهم الظاهرية:
“فيما يتعلق باليمن، سألتم عما إذا كنا قد سئمنا من هجمات الحوثيين. الإجابة على ذلك هي نعم. لقد سئمنا أكثر من ذلك. نحن مفزوعون من الهجمات المتكررة على مأرب. ندين بشدة الهجوم الصاروخي للحوثيين على حي سكني في مأرب في 29 يونيو. لقد أودى بحياة مدنيين، بما في ذلك أحد الأطفال. ونعتقد أن الوقت قد حان الوقت منذ فترة طويلة لإنهاء الصراع في اليمن، وتقديم الإغاثة الفورية للشعب اليمني.
اقرأ أيضاً: هل ينهي بايدن الصراع في اليمن؟
ما نعرفه هو أن هجوم الحوثيين في مأرب يفاقم الأزمة الإنسانية التي يواجهها الشعب اليمني. وهي، حسب روايات كثيرة، موطن أسوأ كارثة إنسانية في العالم. إن مواصلة الحوثيين هذا الهجوم الوحشي بينما هناك اقتراح جدي أمامهم، اقتراح يلبي مطالبهم المعلنة منذ فترة طويلة بخطة مع خطواتٍ عملية لتسهيل تدفق البضائع إلى اليمن، وداخله، وتنفيذ وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وبدء محادثات سياسية شاملة، هو ما يفصل الحوثيين عن اليمنيين الآخرين الذين يعملون بنشاط من أجل السلام، الذين ندرك أنهم يسعون بجدية للسلام”.
لا يمكن إنكار أن حملة القصف السعودية في السنوات الأولى من الحرب قد نفذّت بشكل عنيف، ولكن هذا بالتأكيد ليس الوضع الحالي، ولم يكن كذلك منذ أكثر من عامين.
أين الغضب من التجنيد الممنهج الذي يقوم به الحوثيون لأطفال المدارس، الذين قيل إن الآلاف منهم قُتلوا على الخطوط الأمامية كوقود للمدافع؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن حساب تويتر @abduhothifi يوثق بعناية التطرف الجهادي وموت هؤلاء الأطفال، أمام الصمت السياسي الذي يصم الآذان.

أين الغضب من الألغام الأرضية الحوثية التي تقتل المدنيين وتشوههم؟ أو الإعدامات العلنية المروِّعة، بما في ذلك قطع الرؤوس؟ أو التعذيب الممنهج؟ أو الإساءة المؤسسية على غرار نظام طالبان، وقمع النساء، بما في ذلك منعهن في صنعاء مؤخرًا من العمل مع المنظمات غير الحكومية، واستخدام الهواتف الذكية، ووضع المكياج؟ أو التطهير العرقي لليهود؟ أو الهجمات على البهائيين وقمع الصحافة؟
على الرغم من أن البنية التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية تتعرض في كثيرٍ من الأحيان لهجماتٍ بالصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، فإنه نادرًا ما يتم الإبلاغ عنها. كما يواصل الحوثيون استهداف مأرب، ومدن يمنية أخرى، بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بما في ذلك الموانئ اليمنية المستخدمة لإيصال المساعدات الإنسانية.
اقرأ أيضاً: اليمن.. تداعيات تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية من قبل واشنطن
ومع ذلك، فلا تزال جميع الضغوط الأمريكية موجهة ضد المملكة العربية السعودية، بما في ذلك حرمانها من المعلومات الاستخباراتية واللوجستية والدعم، بل وسحب أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية في خضم الهجمات المتصاعدة. وحتى ذلك لا يعتبر كافيًا في نظر العديد من الديمقراطيين، الذين يطالبون باستسلامٍ سعودي أحادي الجانب فورًا للحوثيين.
يستند هذا النهج إلى افتراض غير صحيح بأن الحوثيين سيكونون على استعداد للتفاوض على اتفاق لتقاسم السلطة إذا أثبتت الولايات المتحدة أنها لن تدعم المملكة العربية السعودية.
وقد ادّعى لندركينج، في مايو 2021، ما يلي:
“يلعب الحوثيون دورًا مهمًا في اليمن، ونحن حريصون على تجاوز الصراع العسكري حتى يتمكن الحوثيون من لعب هذا الدور والبدء في حوارٍ حقيقي، ومحادثات مستمرة تجمع اليمنيين معًا لتقرير مستقبل بلدهم. وهذا ليس لنا، أو للأمم المتحدة، أو لأي شخص آخر. نحن نريد تسهيل ذلك، وأعتقد أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤوليةً يتوق إلى الوفاء بها لإنشاء تلك المنصة حتى يتمكن اليمنيون من التحاور معًا”.

لكن الثوار الشموليين ليس لديهم دور يلعبونه، ولن يتنازلوا أبدًا حقًا عن السيطرة المطلقة. الحوثيون هم حركة طالبان اليمنية، والسعي لبدء المفاوضات بين اليمنيين سينتهي بشكلٍ مماثل لـ”المفاوضات بين الأفغان”، التي سهّلت ببساطة استيلاء طالبان على السلطة.
ولأن هذه الإدارة تجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية بدلًا من النظر إليهما على طول سلسلةٍ تكميلية متصلة، فإنها لا تستطيع تصور أي نهج يتجاوز الاسترضاء والانخراط مع الأعداء، إلى جانب الضغط الشديد على الحلفاء والعملاء. ونتيجة لذلك، قد يغزو الحوثيون مأرب قبل عام 2022.
استنتاجات السياسة العامة
بالتالي، تحتاج سياسةُ الولايات المتحدة تجاه اليمن إلى تصحيحٍ جوهري للمسار. ولعل الموضوع الأكثر إلحاحًا، بغض النظر عن أي سياسة أوسع نطاقًا تجاه اليمن أو إيران، هو مساعدة السعوديين على صدِّ هجوم الحوثيين على مأرب.
ويجب أن تدرك أي سياسة واقعية للولايات المتحدة أن كل أشكال الانخراط الدبلوماسي تقريبًا مع الحوثيين لن تكون مثمرة؛ مثل طالبان في أفغانستان، فهم أصوليون مصابون بهوس واحد هو مواصلة الجهاد بلا هوادة لتأسيس دولتهم الإسلامية، ومثلهم مثل طالبان، تسيطر عليهم قوة أجنبية.
وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب في تجنب أفغانستان ثانية، فعليها أن تدرك الحقيقة البسيطة أنه -على عكس الشعار المتواصل من أنه “لا يوجد حل عسكري”- لا يوجد في الواقع حل دبلوماسي يلوح في الأفق حاليًا.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الاختلافات الثقافية على أمن واستقرار اليمن؟
علاوة على ذلك، يتضح من خلال أكثر من عقد من الانخراط المحلي والإقليمي والدولي مع الحوثيين أنهم، مثل الإيرانيين المشرفين عليهم، هم سيئو النية. وقد تجلى ذلك مؤخرًا في رفضهم ضمان سلامة مفتشي الأمم المتحدة الذين يعتزمون التحقيق في حالة “خزَّان صافر”؛ سفينة عائمة لتخزين النفط وتفريغها -التي هي على وشك التحطم والتسبب في كارثة بيئية ذات أبعاد لا يمكن تصورها- على الرغم من الالتزامات المتعددة للقيام بذلك.
في الوقت الراهن، تنظر الولايات المتحدة إلى الحرب على أنها إلهاء لا داعي له عن عملياتها المجزأة لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم داعش في اليمن، الذي تقوم به بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، ووكلائها المحليين في الجنوب. ولكن هذا التقسيم هو محض خيال. فمن شأن انتصار الحوثيين أن يعطل بشدة جهود مكافحة الإرهاب هذه، ويعطي المجال لانتعاش هذه التنظيمات المتدهورة بنجاح.

في اليمن، هناك معتدٍ عنيد، هو جماعة أنصار الله، التي غزَت بوحشية معظم اليمن، وأخضعته منذ عام 2004. ومن ثم، فإن الخطوة الأولى في سياسة أمريكية واقعية تجاه اليمن هي التوقف عن مساواة المعتدين بالمدافعين، والتوقف عن تمكين الأول عبر الانخراط والاسترضاء غير المثمرين، مع الضغط على الأخير وإضعافه.
من المفترض أن تكون الحرب في اليمن قد انتهت منذ فترة طويلة، بل لم يكن من الضروري أن تبدأ أبدًا، هذا إذا كان الحوثيون قادرين على التوصل إلى حل وسط، لكنهم ليسوا كذلك.
وبدلًا من مواصلة نفس النهج الفاشل للدبلوماسية غير الفعّالة عديمة المخالب، والمنفصلة تمامًا عن الواقع، يحتاج صناع السياسة الأمريكيون إلى مساعدة المملكة العربية السعودية في الدفاع عن مأرب، وليس عرقلتها بسحب كل الدعم اللوجستي. وفي حال سقوط مأرب، سيحول الحوثيون أنظارهم ليس فقط إلى المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي هو نفسه في حالة حرب تقريبًا مع الحكومة اليمنية، ولكن إلى الأراضي السعودية أيضًا.
اقرأ أيضاً: اليمن.. المهاجرون الأفارقة والإجرام الحوثي
ومهما كانت تعقيدات الصراع، فإن الجاني الرئيس في معاناة اليمنيين، واستمرار الحرب، هو الوحشية الثورية المتعصبة لجماعة أنصار الله وداعميها الإيرانيين، وليس المملكة العربية السعودية.
وإذا كانت الولايات المتحدة تهتم حقًا باليمنيين، فإن الحد الأدنى يتطلب أن تتوقف عن دعم الثيوقراطية التوسعيّة للحوثيين بالمساعدات الإنسانية، وأن تضاعف الجهود لمنع شحنات الأسلحة الإيرانية؛ وتتوقف عن شرّعنة المسيرة القرآنية، عبر الانخراط الدبلوماسي العقيم.
♦محلل سياسات في المجلس الأسترالي للشؤون الإسرائيلية واليهودية، ومؤلف تقرير حديث لموقع عين أوروبية على التطرف عن جهاد الحوثيين ضد اليمن.
المصدر: عين أوروبية على التطرف