ترجماتشؤون عربية
تفاصيل جديدة: ما وراء قطع المغرب علاقاته بإيران
ما هو دور إيران وحزب الله وقطر في دعم جبهة البوليساريو؟

ترجمة كيو بوست –
ترى المؤلفة الأمريكية الباحثة في الشؤون الأمنية، إيرينا تسوكرمان أن الخطوات الأخيرة الذي اتخذتها طهران ضد السيادة الوطنية المغربية تعكس رغبة إيرانية في مواصلة طريقها نحو الهيمنة العالمية، من خلال زعزعة استقرار دول أخرى، ليس في الشرق الأوسط وآسيا فحسب، بل في إفريقيا كذلك. وبالطبع، لم يكن قرار المغرب بقطع العلاقات مع إيران مجرد صدفة.
من الواضح أن إيران تشعر بقلق كبير إزاء مستقبل مصالحها، المتمثلة في تحقيق النفوذ العالمي، والوصول إلى الموارد الطبيعية خارج حدودها، وتجنيد وكلاء جدد، وتدريب وكلاء حاليين، ونقل أبحاث الأسلحة التقليدية وغير القانونية إلى أماكن أخرى. كل هذه المساعي دفعتها إلى تحويل اهتمامها في الآونة الأخيرة نحو مناطق لا تحظى بكثير من التدقيق والرقابة من المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة.
وبالفعل، عززت طهران علاقاتها مع الدول الإفريقية في السنوات القليلة الماضية، بما فيها جنوب إفريقيا والجزائر. ومنذ اللحظة الأولى، سعت إيران إلى مواجهة النفوذ السني في هذه الدول، من خلال المساجد والمبادرات الأيديولوجية، وأيضًا من خلال تمويل البنى التحتية، وإبرام صفقات ثنائية، فضلًا عن تسليح ميليشيات شيعية في غرب إفريقيا.
لقد شكل ابتعاد الرباط عن طهران صدمة للكثيرين في المجتمع الدولي، لا سيما أن العديد من الدول لا تتابع الأحداث في شمال إفريقيا، وهي على دراية بالمناورات غير القانونية التي قامت بها مجموعة البوليساريو الانفصالية، المعروفة بانخراطها في نشاطات غير مشروعة، مثل تهريب الأسلحة إلى موريتانيا وبلدان أخرى، فضلًا عن تجارة المخدرات.
هجمات البوليساريو ضد المدنيين المغاربة
برزت العديد من التقارير مؤخرًا حول دور البوليساريو في تنفيذ هجمات إرهابية ضد المدنيين المغاربة، الأمر الذي يزيد من تشويه سمعة المجموعة، المدعومة بشدة من قبل إيران وروسيا والجزائر. وقد خرجت منظمات مكافحة الإرهاب التي تتعقب نشاط المجموعة في شمال إفريقيا بنتائج مؤكدة، مفادها أن البوليساريو أقامت علاقات وثيقة مع حزب الله، وكيل إيران، وأيضًا مع تنظيم القاعدة في المغرب.
اشتملت المواجهة الدبلوماسية المثيرة بين المغرب وإيران على تورط دبلوماسيين إيرانيين، خصوصًا الملحق الثقافي الإيراني لدى الجزائر، أمير موسوي، الذي كان ضابطًا في المخابرات الإيرانية، واستغل موقعه في الجزائر، لتسهيل نقل أسلحة إلى البوليساريو، وترتيب اجتماعات غير مشروعة، وتعزيز انتشار النفوذ الأيديولوجي الإيراني.
لم يكن هذا الكشف مفاجئًا لوكالات الاستخبارات الغربية، أو صناع السياسة في الغرب، الذين كانوا يتعقبون نشاطات إيران وحزب الله في جميع أنحاء إفريقيا منذ الثمانينيات على أقل تقدير، ولكن دون اتخاذ أية إجراءات فعالة لمواجهة هذه النشاطات المتزايدة، غير المرحب بها. إلا أن التطور الجديد حقًا هو توسيع نطاق الوكالة المدعومة من إيران، حزب الله، باتجاه شمال إفريقيا، وربما بالتناغم مع روسيا، سعيًا لتسهيل عمليات نقل الأسلحة وتدريب مقاتلي البوليساريو.
تلقى الانفصاليون في البوليساريو تدريبات عسكرية على أيدي عناصر حزب الله في أنفاق محفورة تحت جدار الدفاع المغربي. وقد اشتمل التدريب على عمليات حرب عصابات في المدن ضد القوات الملكية المغربية. وفي هذا السياق، عملت الجزائر كقناة لنقل الأسلحة الإيرانية.
تعود العلاقات الجزائرية مع حزب الله إلى عام 2014 على الأقل، عندما عثر على جثة أحد عناصر حزب الله في حطام طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية.
وفي الآونة الأخيرة، أعربت قيادة البوليساريو صراحة عن رغبتها في تعزيز علاقاتها بإيران وحزب الله. وبرغم أن إيران وحزب الله والجزائر نفت تورطها المذكور، إلا أن تقريرًا بلجيكيًا أظهر مؤخرًا وجود صلات بين هذه الأطراف، مدفوعة بأيديولوجيات متشابهة، وأساليب تشمل التعاون المكثف مع عصابات المخدرات، وأهداف تشمل زعزعة استقرار أطراف دولية.
أنشطة حزب الله
شملت أنشطة حزب الله، التي أحبطها المغرب، حملة توعية أيديولوجية، انطلقت من ساحل العاج في عام 2018، استهدفت المغاربة المقيمين في ذلك البلد. وقد شوهدت حملات توعية أيديولوجية مماثلة في جميع أنحاء غرب إفريقيا. قام حزب الله كذلك بتهريب أسلحة إلى دول أخرى، ويبدو أن دور الملحق الثقافي الإيراني في تسهيل وصول صواريخ (سام 9) و(سام 11) و (ستريلا) ليس إلا ظاهرة جديدة.
كانت وزارة الخارجية المغربية قد قدمت وثائق مفصلة إلى وزير الخارجية الإيراني في طهران، تحتوي على أسماء وتواريخ وحوادث، إلا أن طهران أنكرت فيما بعد تسلمها هكذا وثائق. ومع ذلك، برزت فيما بعد تقارير مؤكدة حول قائمة مسؤولي حزب الله، الذين قاموا بزيارة مخيمات تندوف في الجزائر، والذين تواصلوا مع البوليساريو، اشتملت على رئيس العمليات الخارجية في حزب الله، حيدر صبحي حبيب، والمستشار العسكري لحزب الله، موسى دقوق، ورئيس التدريب العسكري واللوجستي في الحزب، أبو وائل زلزلي، وهو ما أكده المغرب رسميًا.
وردًا على ذلك، أبدت دول عديدة استعدادها لدعم إجراءات المغرب لحماية سيادته الوطنية وسلامة أراضيه من التدخل الإيراني، شملت جيبوتي، ورومانيا، ودول خليجية، ودول أعضاء في جامعة الدول العربية. كما ارتفعت أصوات تحذر من أن مشكلة إيران مع المغرب أيديولوجية بشكل مطلق، تنطوي على رغبة إيرانية بإضافة المغرب إلى مجموعة خمس دول عربية ضعيفة، تعاني من هيمنة إيرانية عبر وكلائها. وفي هذا السياق، من الجدير أن نلاحظ أن البحث الإيراني المتواصل عن الموانئ الودية، وبناء القواعد البحرية، والاستحواذ على الممرات المائية الإستراتيجية، قد أثار حفيظة المغرب. وبالطبع، تقف الرباط في طريق سيطرة طهران على الساحل الإفريقي.
وبرغم ابتعاد المغرب 4000 ميل عن غرب طهران، إلا أنه يبقى جزءًا من “المحيط الإيراني” إلى جانب ليبيا، حيث يطلق الإيرانيون حملات لجذب السكان المحليين نحو التطرف من خلال التواصل الأيديولوجي، وهو ما أكده الناشر المغربي أحمد شراي. علاوة على ذلك، تقوم “كتائب إفريقيا” التابعة لفيلق القدس الإيراني بدعم الحركة الإسلامية الشيعية في نيجيريا، التي خططت لهجمات ضد أهداف سعودية.
وينظر “شراي” إلى المغرب في إطار تحالف جديد ضد إيران، يتألف من دول إفريقية وآسيوية غاضبة من التدخلات الإيرانية.
الأزمة الخليجية مع قطر حاضرة أيضًا
التحالف الجديد ضد إيران يمكن أن يسرّع في حل الأزمة الخليجية بين قطر والمجموعة الرباعية لمكافحة الإرهاب، لا سيما وأن المغرب يقيم علاقات مع الدوحة. ولكن، على عكس السعودية والإمارات والبحرين، التي عملت منذ عقود لمواجهة الوجود الإيراني في إفريقيا، من خلال مزيج من التأثير الناعم والصعب، فإن قطر لم تعبر عن أي انتقاد لإيران، بل إن جل ممارساتها صبت في صالح الإيرانيين. لقد توسع الوجود القطري في إفريقيا مؤخرًا بالتناغم مع سعي تركيا لتصميم صفقات تستهدف حلفاء السعودية والإمارات. ويبدو أن هذه الأعمال التي انطوت على تقارب قطري – إيراني قد رفعت الأعلام الحمراء في الرباط.
كان المغرب قد خصص في السابق مواقع معينة في جنوب وشرق البلاد لأفراد قطريين، على شكل إعارة، إلا أن دلائل جديدة ظهرت مؤخرًا، تفيد بأن الدوحة تواصلت مع البوليساريو، وأتاحت لهم فرصة استخدام تلك المواقع “كقواعد خلفية” لنشاطاتها. وبالفعل، في عام 2012، طلب رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من أمير قطر الجديد آنذاك، تميم بن حمد آل ثاني، التوسط بين المغرب والبوليساريو، والتدخل بالرباط نيابة عن البوليساريو. وبالطبع، استهدفت قطر منافس المغرب الإقليمي، الجزائر، الداعم الرئيس لجبهة البوليساريو. ومع ذلك، يرى المحللون أن دعم الدوحة السري لجبهة البوليساريو يشكّل طعنة في الظهر. من الواضح أن الدوحة تتعامل بازدواجية فيما يتعلق بالمغرب والبوليساريو، وهذا مثال آخر على دبلوماسية الدوحة الكريهة، التي تحاول كسب الشرعية الدولية من خلال الترحيب بالدول الغربية من جهة، والحفاظ على علاقات مع منظمات متطرفة مثل الإخوان وطالبان من جهة أخرى. وقد توترت العلاقات بين المغرب وقطر في أوائل شهر نيسان/إبريل، بعدما ظهرت دلائل جديدة على ارتباط أفراد قطريين بجبهة البوليساريو.
ويبدو أن جهود السعودية لدعم وحدة أراضي المغرب، من خلال إعلان البوليساريو منظمة إرهابية، قد تسببت في إزعاج القطريين، ما يعني أن قضية الصحراء وضعت إسفينًا آخر في الأزمة الخليجية. وقد ذكرت صحيفة الأحداث المغربية أن الدعم القطري السري لجبهة البوليساريو هو مثال آخر على عزم الدوحة التغلغل في إفريقيا، من أجل تطوير سياسة خارجية إفريقية، تستهدف كل طرف قد ينسجم مع المملكة العربية السعودية.
إن تصريحات الدوحة، وثناءها على طهران بشأن ما تسميه المساعدة الإيرانية، تقلق المسؤولين في المغرب، الذين يرون أن إيران تلعب دور المحرض وليس المساعد. من شأن ابتعاد المغرب عن إيران أن يخلق حالة حرجة بالنسبة لقطر. صحيح أن الدوحة انضمت مؤخرًا إلى الولايات المتحدة في معاقبة حزب الله، لكنها تحافظ على تحالف قوي مع الداعم الرئيس للحزب، إيران، وهذا ما يشكك في نبذها المزعوم للإرهاب.
لقد أصبحت الصحراء الغربية ساحة أخرى للتنافس القطري ضد السعودية وغيرها من الدول، ويبدو أن الدوحة رغبت في إعطاء أولوية في سياستها الخارجية للهيمنة على إفريقيا، بغرض توجيه ضربة للسعوديين، من خلال علاقتها بالرباط.
المصدر: مركز بيغن السادات للأبحاث الإستراتيجية