شؤون خليجية
تعيين الوزير السعودي آل الشيخ: مرحلة الخلاص مما قوّض المملكة
"الرجل المناسب للمنصب الملائم، وفي الوقت المناسب"

خاص كيو بوست –
تطبيقًا للخطة الإستراتيجية الهادفة إلى النهوض بالسعودية، بدءًا من تكريس مفاهيم مجتمعية وسياسية ودينية معتدلة بغية علاج الأمراض الفكرية التي ألمت بالمجتمعات العربية، عيّن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وزيرًا جديدًا للشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، هو الشيخ عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ، الذي يعرف بآرائه المنفتحة في المجتمع والشريعة الإسلامية.
والواقع، أن تعيين الشيخ عبد اللطيف لم يكن من فراغ، بل تم بناء على دراسة وبحث مُعمّقين، إذا ما نظرنا إلى وضعه العائلي وحضوره القوي داخل السعودية وخارجها، وكذلك ما يمتلكه من علم وسيرة ذاتية تكفل له أن يساهم في نسج خطاب علمي – ديني يحارب الخطابات التكفيرية من جذورها، على رأسها تنظيم الإخوان المسلمين.
والشيخ عبد اللطيف معروف في السعودية وخارجها على نطاق واسع؛ فهو رئيس سابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت رئاسته للهيئة المعروفة بـ”الشرطة الدينية” أو “الحسبة”، محل جدل كبير؛ لأنه وضع حدًا لظلم وتجاوزات العاملين في هذه الهيئة بحق الناس.
وتعد فترة رئاسته لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الممتدة بين عامي 2012 و2015، الأكثر أهمية في تاريخه المهني بسبب مكانة وسلطات الهيئة الدينية، وآرائه الانفتاحية التي لم تتفق مع كثير من آراء أعضاء الهيئة التي يرأسها.
حملة تشويه
تعرض الوزير الجديد فترة رئاسته للهيئات لتمرد من الداخل، كما واجه حملة من التشويه قادها نافذون في الهيئة من الحرس القديم، ويصفه أحد الباحثين السعوديين بأنه “جاء غريبًا في وسط بادره بالعداء، لقد اقتحم عش الدبابير، وكان مدعومًا من الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، ولكن ذلك لم يكن كافيًا، الآن هو مدعوم من الملك ومن ولي عهده، في مملكة جديدة لا تشبه ما سبقها، في مرحلة ضعف فيها الحركيون والمتطرفون الذين كانوا يهيمنون على القضاء والادعاء العام (النيابة)، وكانوا الداعم الأكبر للهيئة وتجاوزات أعضائها”.
وفي لقاء أجراه مع وسائل إعلام سعودية بعد إعفائه من رئاسة الهيئة، أكد عبد اللطيف آل الشيخ أنه كان عرضة لتجسس أفراد من موظفيه ممن لم يكونوا على وئام مع رؤيته للحسبة. كما تلقى رسائل على هاتفه المحمول من أشخاص عرفوا بمعاداته ولخططه الإصلاحية كانت تحوي تشكيكًا في إسلامه وتكفره، ولم تفلح محاولاته في إيصالهم إلى العدالة لتواطؤ القضاة والأمن مع المحرضين، وتعرض مرارًا للتهديد بالقتل، كما أنه تعرض مرة واحدة إلى إطلاق النار أمام بيته.
يقول المستشار القانوني، محمد بن حسين الدوسري أنه بتعيين الشيخ عبد اللطيف على رأس وزارة الشؤون الإسلامية تكون الرؤية الحقيقية للمملكة قد خطت نحو الاكتمال – الرؤية التي تقوم على الخلاص من مجمل الحالة التي سيطرت على السعودية خلال فترة السبعينيات والثمانينيات وجزء من التسعينيات، في إطار ما عُرف بمرحلة “الفكر الصَحَوي” التي ألقت بظلال سلبية على المملكة والعالم العربي بمجمله.
ويرى الدوسري في حديث لـ”كيو بوست” أن الشيخ عبد اللطيف معروف باعتداله ووقوفه القوي ضد جماعات الإسلام السياسي، مؤكدًا أن وضع هذا الرجل على رأس هذه الوزارة التي تدخل في كل بيت داخل السعودية وخارجها بمثابة خطوة قوية، من شأنها أن ترتقي بالفكر في المملكة.
غير أن الدوسري يشدد في الوقت ذاته على أن عملًا جبارًا وجادًا ينتظر الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ كي يحقق التغيير الكامل والشامل؛ لأن “الفكر الصحوي” والإسلام السياسي تغلغل في جذور المرافق المجتمعية والمؤسساتية السعودية.
ويدعو الدوسري إلى وجود “فريق قوي إلى جانب الشيخ عبد اللطيف -ذي الشخصية الفذة والقوية- لاجتثاث العقبات والأفكار المتشددة التي تعترض التعليم والرؤى الثقافية والفكرية، الأمر الذي يعني أن الشيخ عبد اللطيف سيحتاج وقتًا لعلاج كل شيء؛ ذلك أن المجتمع كان ساحة لعب من الإسلام السياسي على مدار 3 عقود”.
ويتابع الدوسري: “أعتقد أن الشيخ عبد اللطيف سيتمكن من ذلك، وتعيينه خطوة طيبة”.
رجل متفتح
وقال الكاتب الكويتي فؤاد الهاشم في حديثه لـ”كيو بوست”: “أنا أقدم خالص العزاء للجماعات الإرهابية ودعاة التشدد؛ لأنهم يعتبرون الوزير عبد اللطيف رسول المنايا وقابض الأرواح”.
ويضيف الهاشم أن “الشيخ عبد اللطيف هو رجل متفتح وذو عقلية متطورة جدًا، وأن خصومه الأساسيين هم هؤلاء الظلاميون، الذين يريدون أن تبقى المملكة على حالها، ويقوضون عجلات عربة تقدمها بالأرض، بالتوازي مع إرهاب الناس بالسياط ليسيروا على هواهم”.
“عبد اللطيف آل الشيخ هو الرجل المناسب للمنصب الملائم، وفي الوقت المناسب، بما يتوافق مع الرؤية السعودية الجديدة… الجماعات المتشددة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وستندثر نهائيًا على يد هذا الوزير؛ فهو سيصوب الأمور الداخلية للجم التشدد الداخلي، كما سيطور الخطاب الموجه للخارج وسيقف بالمرصاد للخطاب التكفيري والذرائعي”، يضيف الهاشم.
ويؤكد فؤاد الهاشم أن الشيخ عبد اللطيف سيترجم رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي قال إن المملكة اختُطفت لمدة ثلاثين عامًا من قبل ما تسمى بـ”الصحوة”، فيما هي “الغيبوبة التي أصابتنا جميعًا كما أصابت السعوديين”.
ويعتبر الهاشم أن بصيص نور قوي ظهر بوصول هذا الرجل لهذه الوزارة، لتخليصها من كل أنواع الغيبوبة والظلامية التي سادت المنطقة بأسرها.
ويوضح الهاشم أن هناك أطرافًا سياسية في الكويت التي يتغلغل فيها “الإخوان”، تسلط عيونها الآن على السعودية ووزير الشؤون الإسلامية الجديد، لأن هذا المنصب تحرر من سيطرة العقول الظلامية.
وبحسب الكاتب الكويتي فإن “الشيخ عبد اللطيف هو من عائلة دينية أصلًا، ومن أقرباء المفتي العام للمملكة، فضلًا عن أن لأسرته تاريخ طويل بالتوجه الديني، ولها مكانة كبيرة عند السعوديين، ناهيك عن أنه كان لأسرته دور كبير في نشأة المملكة”.
ويضيف الهاشم: “إن العوامل سالفة الذكر تجعل الشيخ عبد اللطيف هو الأقدر والأكثر قبولًا من غيره لدى الناس عندما يأتي بالإصلاح، خصوصًا عندما نتحدث عن مجتمع قبلي”.
ويرى الهاشم أن التغيير في ظل الشيخ عبد اللطيف سيكون بما يتفق مع رؤية الأمير محمد بن سلمان في 2030: “إن التطور القادم لن يقف أمامه أحد، والعجلة دارت وعربة التقدم انطلقت رغمًا عن المتشددين”.
سجل وافر
ويحمل الوزير الجديد سجلًا علميًا مرموقًا في الدراسات الإسلامية، يتمثل بشهادة البكالوريوس من كلية الشريعة بالرياض عام 1973، إضافة لشهادة ماجستير من المعهد العالي للقضاء، تخصص فقه مقارن، عام 1983، وشهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ويتفق تعيين عبد اللطيف آل الشيخ، مع سياسة الانفتاح التي تنتهجها الرياض في الأعوام الثلاثة الماضية، وتراجعها عن تطبيق كثير من الفتاوى الدينية المحافظة التي لا تطبقها غالبية الدول الإسلامية.
وللوزير الجديد قائمة قصيرة في التأليف تضم كتابًا بعنوان: “خصوم الدعوة في العهد المدني ومظاهرها في العصر الحاضر”، وكتابًا فقهيًا بعنوان: “الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مع مقارنة بالقانون الوضعي”، وبحثًا تحت عنوان: “الشرط في الفقه الإسلامي”، بجانب بعض البحوث الفقهية الأخرى.
ترميم عقود
أمام عبداللطيف آل الشيخ عبء كبير لتطهير وزارته من عقود بائسة، وهو الآن معني بترميم عقدين من فترة وزارة ابن عمه صالح آل الشيخ الذي جاء في فترة صعبة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ولكنه خيب الآمال واختار ألا يواجه الحركية الإسلامية، نائيًا بنفسه، تاركًا الأمور على عواهنها.
عقب إعفاء آل الشيخ من رئاسة الهيئة، احتفل عشرات من الموظفين المتطرفين في الهيئة ووزارة الشؤون الإسلامية بذهابه، ومنهم من أقاموا ولائم فرحًا بذلك، ونشروا مقاطع مصورة توثق اللحظات السعيدة، وهو الآن يعود إليهم في منصب أكبر وأكثر تأثيرًا، وهم الآن موظفون تحت سلطته.