الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
تظاهرات العراق.. ساحات حرب على الفساد والتبعية الإيرانية

كيوبوست
استفاق العراقيون، صباح الثلاثاء الماضي، على عنوان جديد صادم: “كربلاء تتحول إلى حمام دم”. وذكرت وسائل إعلام عراقية؛ منها “شبكة رووداو”، أن مدينة كربلاء؛ حيث مُزِّقت صور المرشد الإيراني علي خامنئي وحُرق العلم الإيراني، تحوَّلت إلى ساحة حرب أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 13 شخصًا وإصابة 865 آخرين في إطلاق نار من قِبَل قوات أمنية تجاه المتظاهرين. إلا أن شرطة المدينة نَفَت سقوط قتلى وجرحى.
ليست هذه المرة الأولى التي تتحدَّث فيها وسائل الإعلام عن سقوط قتلى وجرحى في تظاهرات العراق التي تعمَّدت بالدم منذ انطلاقها بداية أكتوبر الجاري، في وجه السلطة؛ رافعةً عناوين مطلبية في بلد “يُعدّ من بين أكثر دول العالم فسادًا على مدى السنوات الماضية”، حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية.
فالتظاهرات اندلعت في العاصمة بغداد وبقية محافظات جنوب العراق؛ احتجاجًا على تردِّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة، وقوبلت بإجراءات أمنية ومنع تجوُّل وقنابل مسيلة للدموع. ووصلت مطالب المتظاهرين إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة موقتة وإجراء انتخابات مبكرة. وندَّد المتظاهرون أيضًا بالتدخل الإيراني في العراق، وحرق عديد منهم العلم الإيراني. وواجهت القوات الأمنية هذه المظاهرات بعنف شديد، واستعملت قوات الأمن صنف القناصة، واستهدفت المتظاهرين بالرصاص الحي، ووصل عدد القتلى إلى نحو 245 شخصًا؛ بينهم أفراد من قوات الشرطة منذ بدء المظاهرات، وأُصيب نحو ستة آلاف شخص بجروح خلال المظاهرات، فضلًا عن اعتقال عديد من المحتجين وقطع شبكة الإنترنت.
حراك غير مسبوق
وتعتبر هذه الاضطرابات الأكثر فتكًا في العراق منذ انتهاء الحرب الأهلية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ديسمبر 2017. وتأجَّلت التظاهرات فترةً؛ لأجل مراسيم الزيارة الأربعينية للإمام الحسين، ثم تجدَّدت يوم الجمعة 25 أكتوبر الجاري. وأعلنت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، مساء السبت 26 أكتوبر الجاري، عن مقتل 63 شخصًا وإصابة 2592 بجروح في تظاهرات اليومين الماضيين. ثم أعلنت المفوضية يوم الإثنين 28 أكتوبر الجاري عن ارتفاع حصيلة أعداد المصابين في المظاهرات، على مدى الأيام الثلاثة الماضية، إلى 77 قتيلًا وأكثر من 3 آلاف جريح.
وطالب مجلس الأمن الوطني العراقي، باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق مَن وصفهم بالمحرضين والمخربين، الذين يعتدون على قوات الأمن والمواطنين والممتلكات والمؤسسات الحكومية ومقرات الأحزاب.
شاهد: فيديوغراف.. 200 قتيل و2300 جريح في تجدُّد اشتباكات العراق
وصباح “الثلاثاء” الماضي، نُقل عن مصادر أمنية وطبية أن 13 شخصًا على الأقل قُتلوا وأُصيب 865 في أثناء الليل، بعدما فتحت قوات الأمن العراقية النار على محتجين في كربلاء، بينما نفت شرطة المدينة ذلك جملةً وتفصيلًا. وأفادت المصادر أن القتلى سقطوا نتيجة فض قوات أمنية خيام اعتصام أقامها المتظاهرون وسط المحافظة، بينما تعرَّض المئات إلى إصابات مختلفة. وقال مسؤول عراقي وشهود عيان: “إن (مسلحًا ملثمًا) فتح النار على محتجين في كربلاء، وقتل 13 شخصًا”.
وفي السياق نفسه، اتهم متظاهرون عناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني بالهجوم على خيام المعتصمين، وارتكاب ما سمّوه “مجزرة” بحق المحتجين في كربلاء.
وقام متظاهرون بتمزيق صور المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، كما هتفوا بعبارات ضد قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، بينما أفاد مراسل “العربية” أن محافظة كربلاء أعلنت حظر التجوُّل.

إصلاحات متأخرة
ونتيجة للتظاهرات، صوَّت البرلمان العراقي، “الإثنين” الماضي، على تشكيل لجنة لتعديل الدستور، وعلى إلغاء امتيازات الرئاسات الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان).
وإلى جانب إلغاء جميع امتيازات ومخصصات الرئاسات الثلاث، أقر البرلمان إلغاء امتيازات أعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين والمستشارين ووكلاء الوزراء والمديرين العامِّين والهيئات المستقلة والسلطة القضائية وهيئة النزاهة والمحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى والمحافظين ومَن هم بدرجتهم، ابتداءً من تاريخ اليوم.
وأصدر مجلس النواب العراقي عدة قرارات؛ في مقدمتها تشكيل لجنة لتعديل الدستور خلال أربعة أشهر؛ استجابةً للاحتجاجات المطالبة بالتغيير منذ عدة أسابيع. ومن جانبه، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى إجراء انتخابات مبكرة دون مشاركة الأحزاب الحالية.
اقرأ أيضًا: مَن أطلق النيران على المتظاهرين العراقيين؟
وقال الباحث في الشأن السياسي والأمني، نجم القصاب، في حديث إلى “سكاي نيوز عربية”: “إن المتظاهرين الشباب قادرون على إجبار السلطات على تعديل قانون الانتخابات والحيلولة دون عودة الوجوه القديمة إلى مجلس النواب أو السلطة التنفيذية”.
وبينما رأى شمسان بن عبد الله المناعي، في “الشرق الأوسط” اللندنية، أن الاحتجاجات جاءت “نتيجة تراكمات من الفساد والتدخل الإيراني البغيض بعد الغزو والأحزاب المتهالكة وتعاقب حكومات فاشلة”، اعتبر الكاتب في “الصباح الجديد” العراقية، جمال جصاني، أن “الاحتجاجات وما رافقها من أحداث عنف متبادل بين قوات الأمن والمتظاهرين تعكس المأزق الذي وصلت إليه العملية السياسية بعد أكثر من 16 عامًا على ما يُفترض أنها مرحلة للعدالة الانتقالية، والتي تُمهِّد لولادة عراق جديد آمن ومزدهر ومستقر، هذه المهمة التي أخفقنا بها جميعًا؛ أفرادًا وجماعات

عابرة للطائفية
ويرى محمود الريماوي، في “الخليج” الإماراتية، أن الاحتجاجات “كانت عابرة للطوائف والمناطق؛ وربما هذا ما أثار مخاوف الدولة العميقة هناك من أن تتوحَّد الأصوات الشعبية وأن تعود اللحمة إلى النسيج الوطني والاجتماعي على قاعدة المطالب العادلة التي تجمع العراقيين”.
الكاتب اللبناني حازم الأمين، ذهب أبعد من ذلك في تحليل نشره موقع “درج”؛ ليربط بين تظاهرات العراق ولبنان والدور الإيراني فيهما، قائلًا: “إن طهران تقاتل لتثبيت رئيسَي حكومتَي البلدَين في ضعفهما وفي موقعيهما”.
وكتب الأمين: “ما يجمع انتفاضتَي العراق ولبنان يبدو مذهلًا. الفساد يكاد يكون واحدًا في البلدَين، والرعاية الإيرانية لنظام الفساد أيضًا. خطابا (التوبة الزائفة) اللذان صدرا عن رئيسَي الحكومتَين يبدوان متطابقَين؛ بحيث يُشعرك سماعهما أنك حيال حكومة واحدة وفساد واحد، وفشل تشترك فيه الوزارات، بحيث تمكننا توأمة الفشل على نحو ما تقدم المدن الناجحة على توأمة نجاحها. قصة الكهرباء في العراق تشبه قصة اللبنانيين مع الكهرباء، وقصتهم مع تلوث الأنهار هي نفسها، وقصتهم مع الحشد الشعبي تشبه قصة اللبنانيين مع سلاح المقاومة. والاختلافات الطفيفة بين البلدَين تُعزز التشابه؛ فهناك رئيس الجمهورية كردي وهنا ماروني، ورئيس الحكومة هناك شيعي وهنا سُنِّي، ورئيس البرلمان شيعي في لبنان وسُنِّي في العراق، وكل هذا يخدم نظامَ محاصصة واحدًا في البلدَين”.
اقرأ أيضًا: ميليشيات الحشد الشعبي.. دولة إيرانية داخل الدولة العراقية
وأضاف الكاتب اللبناني في مقاله: “الشيعة في العراق انتفضوا ضد الحكومة المرتهنة لطهران، وبدأ الشيعة في لبنان يشعرون بالاختناق بعد سنوات بحبوحة وهمية. أما المسيحيون في لبنان فقد استيقظوا فجأةً على حقيقة أن ميشال عون قد رهن أصولهم لنظام العقوبات المنفذ على حلف الأقليات الذي انخرط فيه، وأن اقتصادهم انهار بين ليلة وضحاها؛ فخرجوا إلى التظاهرة كما لم يفعلوا من قبل”.