الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربيةمقالات
تطبيع العلاقات مع ثورة جامحة
على الرغم من بقاء العديد من المشكلات بانتظار حلها.. فإن عودة سفراء دول الخليج إلى طهران خطوة في الاتجاه الصحيح

كيوبوست
د.دينيس ساموت♦
تنضج معظم الثورات بسرعة كبيرة، وغالباً ما تستقر اضطرابات السنوات الأولى التي تلي الفوضى السياسية بسرعة. وغالباً ما تعود الحياة إلى طبيعتها؛ سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد العلاقات مع الدول الأخرى، وهذا هو الأهم. وقد اتبعت ثورات القرن العشرين؛ مثل الثورات الروسية والصينية هذا النمط. بينما لا تزال الثورة الإسلامية في إيران غير مكتملة منذ عام 1979؛ لا سيما في ما يتعلق بالعلاقات الدولية. لا شك أن هناك أشخاصاً في إيران؛ بما في ذلك المؤسسة الدينية الشيعية، يريدون العودة إلى الوضع الطبيعي، ولكنَّ المتعصبين الثوريين وحكومتهم الموازية وقواتهم المسلحة ما زالوا يقاومون هذا التوجه، ويواصلون من خلال خطابهم وأفعالهم تأجيجَ الحماسة الثورية التي تهدد دول الجوار.
الأخبار التي نُشرت عن نية الإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى إعادة سفرائها إلى طهران بعد غياب ست سنوات؛ هي بحد ذاتها تطور إيجابي، فالتواصل الدبلوماسي مع إيران هو أمر أساسي؛ خصوصاً بالنسبة إلى الدول المجاورة. ومع ذلك فإن التوقعات بشأن الثمار التي يمكن أن تنتج عن هذه الدبلوماسية يجب أن تتصف بالحذر؛ فإيران الثورية لا تزال تمتلك القدرة على التخريب، كما يتضح من سلوكها في لبنان وسوريا واليمن.. وغيرها. وبالنسبة إلى العديد من القيادات الإيرانية، لا بد من تصدير النموذج الثوري الشيعي، بغض النظر عن المعاناة التي سيسببها هذا النموذج، إلى الدول الأخرى.
اقرأ أيضًا: إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية
ولكن على الرغم من أن الثورة الإيرانية ما زالت جامحة؛ فإنها تتبع عقلانية معينة، لأن هدفها الأول هو الحفاظ على بقائها، وهذا ما يتيح الفرصة للتواصل الدبلوماسي الذي يجب الاستفادة منه.
وتأتي عودة السفراء الخليجيين إلى طهران في الوقت الذي تتجه فيه إيران والمجتمع الدولي نحو التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015 بين إيران والقوى العالمية، والذي يهدف إلى كبح برنامج طهران النووي في مقابل رفع العقوبات عنها. وقد تم الانتهاء من المفاوضات، والأمر الآن متروك للأطراف المعنية -ومن بينها الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق السابق خلال إدارة الرئيس ترامب- للاتفاق على الترتيبات الجديدة. ويعتقد الدبلوماسيون، على الأقل في أوروبا، أن الاتفاق سيتم. ومثل هذا التطور سيؤدي ولو جزئياً إلى إنهاء عزلة إيران الدولية، على الرغم من أن هذه العزلة لم تكن كاملة؛ فقد حافظت روسيا والصين -اللتان وقعتا أيضاً على الاتفاق النووي- على تواصلمها مع إيران؛ بل أصبحتا أقرب إليها من أي وقت مضى مع نشوء محور جديد يضم كلاً من موسكو وبكين وطهران، وتطوره بسرعة كبيرة؛ ولكن معظم الإيرانيين بمَن فيهم العديد من الثوريين المتشددين، يدركون أن هذا لا يكفي. وتبقى علاقات إيران مع الغرب مهمة للغاية؛ لا سيما إذا كانت إيران ترغب في أن تطور اقتصادها. ولذلك وافقوا على الاتفاق النووي بصيغته الجديدة؛ الأمر الذي سيخلق فرصاً جديدة للدبلوماسية، سواء الرسمية من خلال السفارات ووزارات الخارجية، أو غير الرسمية من خلال الاتصالات الفردية والأعمال التجارية والثقافية. وللاستفادة من هذه الفرص يجب اتخاذ التدابير التالية:

-تجنب نقاط الاشتعال الجديدة، والتحرك السريع لحلها في حال حصولها. وفي هذا الصدد فإن وجود سفراء دول الخليج في طهران هو أمر في غاية الأهمية، ولا بد من دعم عواصمهم لعملهم من أجل اتخاذ قرارات سريعة عند الضرورة.
-لا بد من إجراء حوارات سياسية أعمق، وينبغي لهذه الحوارات أن تكون على أعلى المستويات وعلى المستوى الوزاري والتنفيذي. وباختصار، بغض النظر عن الإحباط الناتج عن النظام السياسي في طهران، يجب التعاطي مع إيران سياسياً ودبلوماسياً.
-الاستفادة بشكل أفضل من العلاقات بين الشعوب؛ إذ تتمتع دول الخليج بصلات تاريخية وشعبية مع إيران تؤهلها لمكانة فريدة بهذا الصدد. والإمارات على وجه التحديد أمامها العديد من الفرص التي يمكن الاستفادة منها.
-يمكن للتجارة وقطاع الأعمال بشكل عام أن يساعدا في بناء الجسور التي إن لم تكن محصنة ضد الاضطرابات السياسية، فإنها غالباً ما تنجح في تجاوز الانقسام السياسي البنيوي وتداعيات الأزمات العارضة. وهنا كانت دبي نافذة طهران على العالم، ويمكنها الآن تعزيز هذا الدور.
اقرأ أيضاً: دلالات عودة السفير الإماراتي إلى طهران
مخاطر التعامل مع ثورة جامحة
إن أي نوع من أنواع التعاطي مع إيران يحمل معه مخاطر حقيقية؛ فالثورة الجامحة يصعب توقع سلوكها، وهنالك العديد من الخلافات الجدية بين طهران وعواصم الخليج التي قد يستغلها الثوريون المتشددون.
وكما كان متوقعاً، أثارت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل غضب طهران؛ ولكن ما دامت إيران لا ترى أن هنالك ما يهدد أمنها بشكل مباشر، فإن القيادة الإيرانية تدرك أنه ليس هنالك الكثير مما يمكنها أن تفعله حيال ذلك، وسوف تتقبل الأمر الواقع. ومثال ذلك هو علاقة إيران مع أذربيجان؛ حيث اختارت كل من طهران وباكو البراغماتية الحفاظَ على علاقاتهما على الرغم من العلاقات السياسية والأمنية الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل.

وقد أظهرت إيران الثورية في السنوات الماضية نزعة لتأجيج واستغلال الطائفية الشيعية عند العامل مع الدول العربية المجاورة. وهذا التهديد لن يزول بشكل كامل؛ ولكن يمكن خفض مستواه. وهنالك العديد من السيناريوهات التي تتعرض فيها طهران إلى ضغوط متزايدة لتقلل من سلوكها السلبي. ومن هذه السيناريوهات اليمن؛ حيث أدى الدعم الإيراني للحوثيين إلى إطالة أمد الحرب التي تسببت في معاناة هائلة لملايين اليمنيين. وربما سيكون سلوك إيران المستقبلي في اليمن مؤشراً على نيَّاتها الأوسع نطاقاً.
ولا تزال طهران تشكل تهديداً عسكرياً لجيرانها، والاتفاق النووي الجديد سوف يُسهم في ضمان احتواء هذا التهديد ولو جزئياً؛ ولكن كما أكد قادة الخليج في مناسبات عديدة، فإن التهديد الإيراني لا يأتي من قدراتها النووية فقط؛ بل هنالك جوانب أخرى مثيرة للقلق في استراتيجيتها الدفاعية، مثل برنامجها الصاروخي على سبيل المثال. ولا بد لحكومات الخليج من أن تقرر كيف ستعالج هذه القضية. وإذا ما اختارت هذه الدول -كما يبدو- طريق الدبلوماسية، فهنالك عدة خطوات يمكن اتخاذها. وقد اقترحت عدة جهات عقد مؤتمر للأمن الإقليمي. وهنالك نماذج يمكن اتباعها؛ مثل إطار عمل مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا في نهاية القرن العشرين. وبالتوازي مع ذلك، يمكن لدول الخليج العربي أن تستطلع إمكانية تطوير برنامج بناء الثقة والأمن مع طهران. ومن المؤكد أن زيادة الشفافية والقدرة على الاستشراف ستكون مفيدة لجميع الأطراف، ويمكن أن تخلخل موقف صقور الثورة لدى طهران.
اقرأ أيضًا: مبادرات عربية لتحسين العلاقات مع طهران وسط حالة من عدم اليقين بشأن المحادثات النووية
وأخيراً، عند التعامل مع إيران هنالك دائماً خطر أن تؤدي الأحداث إلى أزمة مفاجئة. الجمهورية الإسلامية أكثر هشاشة على الصعيد الداخلي مما تبدو عليه؛ إذ لا يزال السخط الشعبي الهائل يمتلك القدرة على التحول بسرعة إلى أزمة قد تفضي إلى انهيار جزئي للدولة. وعلى الصعيد الخارجي، لا تزال إسرائيل غير راضية عن احتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين المجتمع الدولي وطهران. ولا يزال احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى إيران أمراً ممكناً. ومثل هذه الضربة، حتى ولو كانت متوازنة؛ فإنها يمكن أن تطلق سلسلة من التداعيات التي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة.

استمرت دول الخليج على مدى عقود في تطوير استراتيجية للتعامل مع جارتها المزعجة، وفي الوقت الحالي يبدو أن هذه الاستراتيجية ترتكز على التواصل الدبلوماسي والاحتواء العسكري؛ بما في ذلك بناء قدراتها الدفاعية الخاصة، واستخدام التجارة والأعمال كأدوات للتواصل. وهذا هو النهج الصحيح؛ إذ لا يزال هنالك مجال لدول الخليج لتكون سباقة على الجبهات الثلاث. وإيران ليست مشكلة سوف تزول مع الوقت، والثورة الإيرانية لم تدجَّن بعد. وربما سيكون التعاطي مع إيران من أكثر قضايا السياسة الخارجية تحدياً بالنسبة إلى دول الخليج في الوقت الحالي، ولذلك فإن إعادة السفراء إلى طهران هي الخيار الصحيح الذي يجب اتخاذه.
♦مدير موقع “لينكس يوروب” في لاهاي، ومدير تحرير موقع commonspace.eu.، يكتب بانتظام حول القضايا الأمنية الأوروبية والخليجية، وعلاقات الاتحاد الأوروبي مع الدول المجاورة.
لقراءة الأصل الإنكليزي: Normalising relations