الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

تصريحات السويدان.. بين الحقائق وادعاءات الإخوان

كيوبوست

أثار الكويتي طارق السويدان تفاعلاً واسعاً بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية تصريحاته حول ثورات الربيع العربي، والتي قال فيها لإذاعة “هلا إف إم” العمانية إنه “ليس مع الثورات”، وإن آراءه وصلت مشوشة للجمهور بسبب محاربة الإعلام له حينها. بدأ السؤال والجواب يتخذ منحنى غريباً منذ البداية؛ فحتى السؤال عن رأيه طُرح بطريقةٍ يفهم بشكلٍ واضح أن السويدان كان بديهياً مع الثورات، ولكنه بالفعل فاجأ السائل والجمهور بإجابة مغايرة.

لم يكن فهم الناس لحقيقة دور السويدان في ثورات الربيع العربي مغلوطاً كما يدعي، فوسائل الإعلام والإنترنت التي باتت بمثابة ذاكرة الشعوب و”النقوش الأثرية” لهذا العصر، لا تزال تحتفظ بكل تصريحات الرجل، ناهيك عن استمراره هو ذاته في نهجه الداعي إلى استعادة الريادة للحضارة الإسلامية، والدولة الإسلامية بطريقةٍ حديثة، حسب رأيه، وبناء على ركائز متينة ينُظّر لها السويدان منذ سنوات، وهي تتفق مع رؤية الإخوان المسلمين، وتحركاتهم، إلى هذه اللحظة.

اقرأ أيضاً: «رسالة الإيمان».. كتابٌ أسَّس إجرائيًّا للإرهاب وقَتَل مؤلفه

امتلك السويدان إنتاجاً مكتوباً ومسموعاً ومرئيا ضخماً، خلال العقود القليلة الماضية، بالإضافة إلى عددٍ هائل من الدورات التعليمية والتدريبية، وملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي. تركز أفكاره ومشاريعه على إعادة خلق الأمة الإسلامية -إن صح التعبير- من خلال مستويات ثلاثة: بناء الفرد، الدولة، والحضارة الإسلامية.

وكغيره كثير من الممارسين لمهنة تحفيز الذات، يُصور السويدان الفرد كـ “إنسان خارق” قادر على تغيير كل شيء، ويجب أن يغيّر كل شيء. إحدى الاستراتيجيات لتحقيق كل ذلك هو الثورة على “ولي الأمر”؛ إذا يبدو هذا التحريض واضحاً من خلال سخرية السويدان من الفتاوى الدينية التي صدرت أثناء ثورات الربيع العربي داعية إلى طاعة ولي الأمر.

قال السويدان في إحدى المرات: “لا طاعة لولي الأمر”، واستخدم الوصف الكلاسيكي لبعض علماء الدين عند إصدارهم فتاوى تؤيد الحاكم، وهو “علماء السلاطين” على سبيل التهكم والسخرية والتحقير. لقد كانت لغة التحريض والجهاد، وما زالت، حاضرة على لسان السويدان، حتى أنه روّج لـ “الجهاد الإلكتروني”، وهو نوع من الجهاد يدعو الشباب إلى ممارسته ضد اليهود والصهيونية، من خلال تدمير مواقعهم الإلكترونية، وتوحيد الجهود الإعلامية ضدهم.

يمنيون خلال ثورة الشباب اليمنية- (أرشيف)

في العام 2018 أصدر السويدان كتاب «الحضارة الإسلامية القادمة» ليكون أحد مؤلفاته التي بلغت 125 كتاباً. تم إعادة طرح موضوع الكتاب، أو أجزاء منه، من خلال عدة عناوين أخرى، على شكل إصدارات مكتوبة ومسموعة ومرئية عديدة. من تلك القوالب المختلفة -على سبيل المثال- كان برنامج “صناعة الحضارة”، وفيه ذكر السويدان عناصر بناء الحضارة، وهي: بناء الهوية الإسلامية، الاهتمام بالإعلام كوسيلة فعالة لبناء الوعي والهوية، استغلال التعليم والتقنية، التركيز على المال والثروة، وأخيراً بناء مؤسسات جيش وأمن قوية واستقلالية في القرار.

قد تبدو هذه الأفكار -للوهلة الأولى- منطقية ولا غبار عليها، لكن الحديث يأتي في سياق بناء “الدولة الإسلامية” بحسب رؤية السويدان؛ فالدولة التي يتخيلها -كما يقول في برنامجه (الدولة التي أحلم بها) هي دولة إسلامية لا “تُبرر للحكام باسم الطاعة”، وبالرغم من أن الفكرة قد تبدو جذابة للبعض فإنها في الواقع تحمل بذور الثورات؛ ويمكن رؤية شبيه لها لدى بعض الجماعات مثل المذهب الزيدي في اليمن الذي يدعو إلى وجود حاكم مثالي، ووجوب الخروج على الحاكم “غير المثالي”، وهو أمر غير واقعي، ويدعو حقيقةً إلى استمرار الثورات ضد الحكام، نظراً لسهولة إيجاد أسباب الـ”لا مثالية”.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن: ماذا تعلمنا من صراع أكثر من قرن في اليمن؟

تلخِّص أفكار السويدان المذكورة آنفاً الجهود التي بذلها خلال السنوات الماضية، والتي جاءت كتطبيق عملي له، ولجماعة الإخوان المسلمين في كل مكان، فبالنسبة للسويدان، إذا تتبعنا سيرته خلال السنوات العشر الأخيرة كمثال، نلاحظ تركيزه على إنشاء المدارس والمراكز التعليمية أو إدارتها، إنشاء أو إدارة الشركات الإعلامية والقنوات، مثل قناة الرسالة، وإنشاء وإدارة عدد من الشركات التجارية. في المجمل، كانت الحصيلة -خلال حياته العملية- تأسيس وإدارة أكثر من 90 شركة ومنظمة، تأسيس خمس مدارس، إضافة إلى تدريب الآلاف، ونشر الإصدارات الصوتية والمرئية والمطبوعة. وكل ذلك جهد دؤوب لاستغلال الإعلام والتعليم في نشر أفكار ومبادئ تنظيم الإخوان المسلمين.

التطبيق العملي للإخوان المسلمين وثيق الصلة أيضاً بما يدعو إليه السويدان، وهو يُعتبر أحد وجوه جماعة الإخوان المسلمين في الخليج والمنطقة العربية، إذ كشفت عدة تقارير وتسريبات عن سعي الجماعة للسيطرة على الإعلام والتعليم. في العام 2012، على سبيل المثال، كشفت تسريبات دعوة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، إلى السيطرة على وسائل الإعلام، وإنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعية والمدارس والجامعات، كما كشفت تسريبات عن “تحسره” على حقيقة أن “العلمانيين ما زالوا يسيطرون على الإعلام والاقتصاد والإدارة”.

وفي اليمن، كمثالٍ آخر، أدى حزب الإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن، والموالون لهم إلى جعل المناهج التعليمية متوافقة مع رؤى الجماعة، كما أنهم يقدمون الدعم السخي للإعلام والتعليم الذي يبني “الهوية الإسلامية” حسب أفكارهم، من خلال ابتعاث الطلاب وتأسيس القنوات الإعلامية.

ثوار تونسيون أثناء الثورة التونسية- (أرشيف)

بيَّنت ثورات الربيع العربي كارثية تطبيق الشعارات البراقة بالطريقة الإخوانية، ولا تزال بعض الدول التي تعرضت لهزات الربيع العربي المدفوعة بجهود الإخوان، مثل اليمن، في معاناة مستمرة. كانت الثورات -ولا زالت- بعيدة عن النجاح؛ ذلك النجاح الذي يضع مبادئه ويدرب على كيفية الوصول إليه شخصيات مثل طارق السويدان، وكثير من المتأثرين به، والسالكين دربه. لكن مع زيادة الخناق مؤخراً وتواصله على جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن السويدان يحاول التملص والتأقلم مع الوضع الراهن.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات