الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
السفير الأمريكي الأسبق في المملكة: السعودية تسير نحو الانفتاح.. وأصبحت مركزاً لجذب الاستثمار
تحدث تشاس فريمن جونيور عن رؤيته للسعودية الجديدة وعلاقاتها الخارجية في ظل المتغيرات المحلية والمعطيات الإقليمية

كيوبوست – أحمد عدلي
وصف السفير الأمريكي الأسبق في السعودية تشاس فريمن جونيور، العلاقات بين السعودية وبلاده بالهشة؛ نتيجة تراجع مجالات الاهتمام المشترك، مؤكداً أن المملكة تسير نحو الانفتاح بطريقة مثيرة للاهتمام.
تشاس فريمن جونيور؛ هو باحث زائر في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون، ومساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لشؤون الأمن الدولي، وشغل منصب القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية بالصين، بالإضافة إلى عمله كسفير للولايات المتحدة في السعودية من 1989 حتى 1992.
وقال جونيور، في مقابلةٍ خاصة مع “كيوبوست”، إن الديمقراطية في الولايات المتحدة تعاني بعض الصعوبات؛ لدرجة أن واشنطن أصبحت الحلقة الأضعف في التنافس بينها وبين بكين وموسكو.. وإلى نص الحوار:
* عملتَ في السابق سفيراً للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية لمدة أربع سنوات، كيف ترى التغيرات التي حدثت في المملكة في السنوات الأخيرة؟
– لقد حدثت تغيرات هائلة؛ أولاً المملكة العربية السعودية انضمت إلى منظمة التجارة العالمية، مما يعني أن القواعد التي تطبقها على التجارة والاستثمار فيها تتماشى مع القواعد الدولية؛ وهي بذلك تكون قد انضمت إلى العالم من الناحية الاقتصادية حقاً. ثانياً، تم حل العديد من النزاعات الحدودية؛ كان لدى السعودية العديد من النزاعات الحدودية مع العديد من الدول، بما فيها العراق والإمارات العربية المتحدة واليمن، وقد تمت تسوية هذه النزاعات.
تعرضت المملكة إلى ضغوطٍ كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة؛ كي تتبنى المعايير الغربية في السلوك في ما يتعلق بحقوق المرأة والديمقراطية، وقضايا أخرى غيرها، وقاومت هذه الضغوط بشدة، وعندما حدثت هجمات 11 سبتمبر كان معظم منفذي الهجوم سعوديين، ومعظمهم من المنطقة الجنوبية الغربية في المملكة، وقد شكل هذا الأمر ضغطاً على اعتماد المملكة على الولايات المتحدة؛ فعلى مدى السنوات العشرين الأخيرة كانت المملكة تحاول تنويع علاقاتها الدولية، وتخفف من اعتمادها على الولايات المتحدة، وأن تعيد التموضع، ومؤخراً بدأت السعودية تتصرف بشكل مستقل، وبغض النظر عن أية نصيحة أجنبية، وقد بدأت بهذا التوجه بالاشتراك مع الإمارات العربية المتحدة، يمكنني القول إن المملكة العربية السعودية قد تحالفت مع الإمارات العربية المتحدة التي كانت تنشط بفعالية كبيرة على الصعيد الدولي خلال هذه الفترة.
هنالك الكثير من التغيرات، وربما أكبرها كان التغيرات الداخلية؛ فبعد وفاة الملك عبدالله وتولي الملك سلمان مقاليد العرش، تغيرت طبيعة النظام السياسي الداخلي الذي كان يقوم على الشورى ضمن العائلة الحاكمة بشكل عام وبعض التجار الأثرياء وشيوخ القبائل.
عندما كنت سفيراً في المملكة في بداية التسعينيات، أعتقد أنه كان هنالك نحو عشرين شخصاً من ذرية مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز آل سعود، الذين كانت تتم استشارتهم بشأن السياسات الرئيسية لبلاد. ومع وفاة الملك عبدالله، كان ذلك العدد قد تراجع، وهذا الأمر أتاح الفرصة للقيام بالعديد من الإصلاحات؛ منها تحسن أوضاع حقوق المرأة، واقتصاد أكثر انفتاحاً من ناحية الترفيه، والعديد من الأمور الأخرى التي رحبت بها الطبقة الوسطى في السعودية؛ ولكن هذا أدى إلى ابتعاد المملكة عن الوهابية، والاتجاه نحو شكل من الإسلام أقل تشدداً من ذلك الذي ورثته من أتباع محمد بن عبدالوهاب، والذي يرجع إلى القرن الثامن عشر.
لذلك أقول إن الفترة الأخيرة قد شهدت تغيراتٍ ملحوظة؛ ولكن التغيير في السعودية عادة ما يكون من الأعلى إلى الأسفل، فهو يأتي من الأعلى، والكثير من الناس لا ينتبهون إليه قبل أن يكون قد حدث بالفعل، والأمر يشبه أن تقود سيارتك دون أن تعرف أين أنت، إلى أن تنظر في المرآة الخلفية؛ فبالنظر إلى الخلف يمكنك أن ترى أن تغيراتٍ هائلة قد حدثت خلال السنوات الماضية.

* هل تعتقد أن هذه التغيرات في السعودية ستجعل منها أكثر جاذبية في المستقبل القريب؟
– أعتقد ذلك؛ فالسعودية تسير باتجاه الانفتاح بطريقةٍ مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، مشروع نيوم على البحر الأحمر، والسياحة، وهي شيء لم يكن أحد يسمع به في المملكة، والتنقيب عن الآثار الجاهلية في المملكة؛ وهذا أمر لم يكن مقبولاً من قبل في السعودية، ولكنه أصبح معلماً بارزاً في الصورة الدولية للمملكة. إذن هنالك توليفة من التطورات التي تجعل المملكة أكثر جاذبية؛ ولكن من ناحيةٍ أخرى، فهي لا تزال مكاناً صعباً في العديد من النواحي لممارسة الأنشطة التجارية.

* كيف ترى تأثير السياسات السعودية الجديدة على مكافحة الإرهاب وتداعياتها في الداخل والخارج؟
– كانت المملكة تعاني مشكلة الإرهاب في الداخل؛ ولكنها تمكنت من مكافحة ومعالجة الأمر من خلال شنِّ حملات على الفكر الجهادي، من خلال وسائل الإعلام والمدارس والقوات الأمنية، وقد اتبعت المملكة سياسة توجيه النصح والإرشاد لمن يبدو أنهم يتبنون فلسفة جهادية، ومحاولة حمل عائلاتهم على الضغط عليهم، وبعد ذلك اعتقال مَن ظهر أنهم يسيرون في طريق تنفيذ عمليات إرهابية، وإعادة تأهيلهم دينياً، وأخيراً إذا ما تجاوز شخص ما الخط الأحمر، وتورط في نشاط إرهابي، فمن المرجح أنه سوف يقتل.
اقرأ أيضًا: الإسلام السياسي في السعودية بين السلفية والإخوان
* لنتحدث عن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، هل تعتقد أن العلاقة بين البلدَين جيدة في الوقت الراهن؟ وكيف ترى التغيرات في العلاقة بينهما في ظلِّ إدارة الرئيس بايدن؟
– أعتقد أن العلاقة هشة للغاية؛ تقليدياً كانت هنالك ستة مجالات للاهتمام المشترك تجمع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، أولها كان الاتفاق على حماية المملكة في مقابل ضمان الوصول التفضيلي للولايات المتحدة إلى النفط السعودي؛ ولكن الولايات المتحدة أصبحت مؤخراً من الدول المصدرة للنفط والغاز، وقد أصبحنا منافسين للمملكة العربية السعودية، ولم نعد نعتمد عليها بعد الآن.
نحن بالطبع لدينا مخاوفنا بشأن سياسة الطاقة في السعودية؛ لأنها تؤثر بشكل مباشر على الازدهار العالمي الذي يعتمد عليه ازدهارنا، أما منطقة الاهتمام المشترك الثانية فهي الإسلام؛ فالمملكة استأصلت المتطرفين من مكة والمدينة المنورة، وبذلك كانت قوة اعتدال على الرغم من أن أيديولوجيتها كانت حادة للغاية. انتشر مؤخراً الخوف من الإسلام في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، ولم تعد هذه الشراكة موجودة. ومنذ ذلك الوقت، أخذت المملكة بالتصرف وفقاً لمصالحها، دون النظر إلى الولايات المتحدة.
وهنالك أيضاً قضية الترانزيت عبر المجال الجوي والمياه الإقليمية للمملكة. مصر والسعودية تقعان في عنق الزجاجة في العالم؛ لا يمكنك الانتقال بين آسيا وأوروبا دون المرور في أجواء البلدين، خصوصاً مع إغلاق أجواء إيران. واستمرت السعودية بالسماح للطيران الأمريكي بعبور أجوائها؛ وهذا أمر ضروري لاستمرار الولايات المتحدة كقوة عالمية، وهذا الأمر لم يتغير.
من الناحية الاقتصادية، كانت المملكة أكبر سوق للولايات المتحدة في المنطقة الواقعة بين المغرب العربي والهند؛ إذ تشكل 50% من حجم هذه الأسواق مجتمعة، ولكن مؤخراً تجاوزتها الإمارات العربية المتحدة كشريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة في تلك المنطقة. كان السعوديون تقليدياً مستعدين لتمويل السياسة الخارجية الأمريكية، وأشهر مثال على ذلك هو دعمها المجاهدين في أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي.
وأخيراً هنالك قضية مكافحة الإرهاب؛ حيث نواجه نفس الأعداء، ولذلك نحن نعمل معاً. والمملكة العربية السعودية هي مصدر رئيسي للمعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الجهادية للأمريكيين وللولايات المتحدة، وهذا هو المجال الوحيد للتعاون الذي لا يزال قوياً وصحياً، بينما تعاني بقية المجالات الوهن، وأنها قد اختفت بشكل كامل. ويزيد من سوء هذه العلاقة معارضة الأمريكيين الحرب في اليمن. والآن لدينا السلطة التنفيذية المتمثلة في إدارة بايدن، تحاول الحفاظ على توازن العلاقة مع الرياض، ولدينا الكونغرس الذي يعارض السعودية بمعظمه.

* هل تعتقد أن الولايات المتحدة سوف تتشاور مع السعودية قبل توقيع أي اتفاق جديد مع إيران؟ وهل تهتم إدارة الرئيس بايدن بالاستماع إلى رأي المملكة بهذا الشأن أم لا؟
– نعم، أعتقد أنه سيتم أخذ رأي المملكة بعين الاعتبار من قِبل إدارة بايدن؛ ولكني لا أعتقد وجود أي التزام من ناحيتها بالحصول على موافقة السعودية قبل التوافق مع الإيرانيين على أي شيء. وأنا لديَّ الكثير من الشكوك في هذه المرحلة حول إمكانية التوصل إلى أي اتفاق مع إيران؛ أعتقد أن المفاوضات قد تعثرت بشكل كبير، ولا أرى أن الطريق ممهدة لاستئناف الاتفاق النووي الإيراني.
اقرأ أيضًا: هل هناك حل لمعضلة اليمن؟
*هل تعتقد أن أهمية دول الخليج في السياسة الخارجية الأمريكية قد تراجعت؛ خصوصاً مع انسحاب القوات الأمريكية من عدة مناطق في مقابل الاهتمام أكثر بآسيا؟
– أعتقد أن تراجعاً لا بد منه قد حصل في التركيز على منطقة الخليج؛ وهذا الأمر يرجع إلى عددٍ من العوامل، وقد ذكرت بعضها؛ فنحن لم نعد نعتمد على مصادر الطاقة من الخليج، وهذا الأمر قد غيَّر المعادلة، ولم نعد في تحالف مع الإسلام ضد الشيوعية، وأصبحت لدينا علاقات تجارية أكبر مع مناطق أخرى؛ ولكن أكبر مخاوفنا الآن هو نهوض الصين وعودة روسيا، لذلك فقد تحوَّل تركيزنا، وما زال يتحول، نحو شرق آسيا وأوروبا الشرقية، على حساب منطقة الخليج.
* إلى أي مدى تستفيد الصين وروسيا من سياسة الولايات المتحدة الجديدة التي تركز على مشكلاتها الداخلية؟
– من الواضح أن الديمقراطية في الولايات المتحدة تعاني بعض الصعوبات، وأن الأمريكيين غير راضين عن تطور الأحداث، ونحن متفرقون بشدة، ونعاني صعوباتٍ في اتخاذ القرارات؛ فإذا كانت النية هي أن تتنافس الولايات المتحدة مع الصين وروسيا وتواجههما، فنحن الأضعف، وقدرتنا التنافسية التي تعتمد على وضعنا الداخلي متدنية.. لذلك يمكن للصين وروسيا أن تشعرا بالارتياح للوضع الداخلي في الولايات المتحدة، وفشلنا في إعادة بناء بنيتنا التحتية، وتحسين نظامنا التعليمي، وتطوير سياسة هجرة فاعلة، وتطوير نظامنا الضريبي؛ بحيث يضمن التوزيع العادل للدخل وتكافؤ الفرص..
كلها تشكل صعوبات للولايات المتحدة، ومع الجهود المبذولة الآن لمعالجة كل هذه المشكلات فلا تزال هذه المعالجة بطيئة وغير فعالة بما فيه الكفاية. والصينيون والروس ينظرون إلى الولايات المتحدة، ويرون استجابة غير فعالة للتحديات التي تواجهها.

* زار الأمير خالد بن سلمان مؤخراً روسيا وأعلن توقيع اتفاق تعاون مع موسكو. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ وماذا ستفعل إدارة بايدن تجاه أول اتفاق تعاون عسكري بين المملكة العربية السعودية وروسيا؟
– هذه هي النتيجة الطبيعية للجهود السعودية التي ذكرتها لتنويع علاقاتها الدولية، ولسوء حظ المملكة ودول أخرى في الخليج، مثل الإمارات العربية المتحدة، فإن الدولة الوحيدة التي يمكنها إظهار القوة في المنطقة هي الولايات المتحدة، وروسيا أظهرت مرة ثانية كفاءتها العسكرية من خلال تدخلها في سوريا، على سبيل المثال؛ ولكنها لا تمتلك القدرة على التدخل للدفاع عن دول في الخليج، وهي لم تعطِ أي التزامات بهذا الشأن، والصين أقل قدرة من روسيا بهذا الشأن، والقوى الإمبريالية السابقة في أوروبا، بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تملك أية قدرات ذاتية لإظهار القوة، تركيا عادت كلاعبٍ مستقل، وبعد أن أمضت أكثر من عقدين وهي تحاول أن تصبح أوروبية، هي الآن تحاول إعادة اكتشاف هويتها الغرب آسيوية والشمال إفريقية، ويتحدث الناس فيها عن عودة الإمبراطورية العثمانية؛ وهذه قضية هوية بالنسبة إلى تركيا لما يعرفه الناس باسم الشرق الأوسط.
أنا لا أحب مصطلح الشرق الأوسط؛ لأنه يرتكز على موقع المنطقة بالنسبة إلى أوروبا، وأُفَضِّل مصطلح غرب آسيا، وشمال إفريقيا. مرة أخرى أصبحت تركيا لاعباً رئيسياً في العالم العربي، وإلى حدٍّ ما في إفريقيا، ووسط آسيا، وهذا تغير رئيسي في الوضع الجيوسياسي في المنطقة.
* سنتحدث عن تركيا، ولكن أريد أولاً أن أسألك عن السعودية باعتبارها ثالث دولة تقيم تعاوناً عسكرياً مع روسيا بعد تركيا ومصر، بالمخالفة لمحاولات الولايات المتحدة منع هذا التعاون، كيف ترى هذا الأمر؟
– أعتقد أن المملكة هي الدولة الثالثة في المنطقة التي تسعى إلى الاستقلالية، ولا ترغب في الاعتماد بشكلٍ مفرط على دولة بعينها، وهذه الدول تسعى وراء مصالحها الخاصة، وتحسين علاقاتها مع القوى الكبرى. بالطبع الولايات المتحدة التي كانت تحتكر النفوذ في المنطقة أصبحت لديها منافسة من الصين وروسيا، وبعض القوى الأوروبية؛ وهذا أمر جيد وسيئ في نفس الوقت، هو أمر جيد لأنه يعطي دول المنطقة الدافع لمواجهة المشكلات التي تجاهلتها في الماضي؛ لأنها كانت تشعر بالاطمئنان للحماية الأمريكية، فعلى سبيل المثال، بدأنا نشهد سياسات واقعية من أبوظبي في ما يتعلق بإسرائيل؛ وهذا جهد من دولة خليجية رئيسية للتكيف مع الواقع الجديد في المنطقة الذي تتطور فيه الأحداث بدافع من دولها، بدلاً من قوى خارجية مثل الولايات المتحدة. وهذا أمر جيد؛ ولكن ما هو سيئ هو أن هذا الأمر يسبب نوعاً من عدم اليقين والشعور بعدم الأمان، ويزيد من خطر سباقات التسلح، بما فيها البرنامج المحتمل لإيران لامتلاك السلاح النووي، واحتمال أن تلحق بها دول أخرى في المنطقة. إذن هنالك سلبيات وإيجابيات لهذا التغير.

* كيف تنظر إلى علاقة المملكة العربية السعودية مع دول الخليج بعد قمة العلا؟
– المملكة العربية السعودية هي الدولة الخليجية الأكبر من حيث عدد السكان والمساحة والوزن الاقتصادي، ومجتمعها أكثر تعقيداً من عدة نواحٍ، ومجلس التعاون الخليجي الذي تأسس عام 1980 لمواجهة الثورة الإسلامية في إيران يعمل كامتداد للقوة السعودية.
والشرخ الذي حصل بين دول الخليج والتوترات بين دوله، تشير إلى أن مجلس التعاون الخليجي بات أقل فاعلية مما كان عليه في السابق؛ لا توجد وحدة حقيقية بين دول الخليج في ما يتعلق بالتحديات التي تواجهها من دول مثل إيران وتركيا، بل هي منقسمة، وعلاقة المملكة مع دول الخليج أصبحت أكثر تنافسية، والآن نرى أن السعودية تحاول نقل المقرات الرئيسية للشركات من دبي إلى المملكة، ونشهد جهوداً أكبر للمنافسة مع دولٍ أخرى في الخليج في العديد من المجالات؛ لذلك فهي علاقة معقدة للغاية أيضاً.

* تحدثتَ عن تركيا، أريد أن أسألك عن السياسة التركية تجاه المملكة العربية السعودية. بعد خمس سنوات من العلاقات السيئة بين الدولتَين عاد الرئيس أردوغان يتحدث بشكل جيد عن السعودية، وعن رغبته في علاقات جيدة معها. كيف تنظر إلى الأمر؟ وهل تعتقد أن المملكة سوف تستفيد من ذلك أو أنها ترغب في تحسين العلاقات مع تركيا؟
– أعتقد أن السعوديين اليوم أكثر واقعية بكثيرٍ مما كانوا عليه قبل خمس سنوات؛ إنهم يدركون أن تركيا لاعب أساسي في المنطقة وعليهم التعامل معها. ومظاهر الواقعية هذه بما فيها الحوار مع إيران، والجهود لإقامة تعاون مع العراق، هذه التغييرات في السياسة السعودية تعكس واقعية أكبر من ناحية الرياض، وتعكس أيضاً استقلالية أكبر عن الولايات المتحدة، كما ذكرت سابقاً. والسعودية تحاول إعادة التموضع بين جيرانها في المنطقة حسب أولوياتها. كما أنها عكست مؤخراً بعض الاختلافات الرئيسية بين السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا. قطر تحالفت مع تركيا؛ لأنها تتبنى نوعاً من الديمقراطية الإسلامية التي تتمحور حول الإخوان المسلمين.. أنا لا أدافع عن الإخوان المسلمين الذين أثبتوا عدم كفاءتهم بشكلٍ كامل عندما تولوا السلطة في مصر؛ حيث لم يكونوا على مستوى التحدي، ولكنْ هنالك اختلاف في المشرق؛ فهذه الدول التي تريد أن تتبنى شكلاً أكثر ديمقراطية من الإسلام والنظام السياسي، وبين الدول التي ترغب في المحافظة على الأنظمة التقليدية، الطريقة التقليدية للحكم في الخليج وهي ليست ديمقراطية مع أنها تمتلك بعض عناصر الشورى المهمة، نحن نرى تغيرات سياسية تحدث، ونرى مقاومة لتلك التغيرات، ونرى أيضاً أشخاصاً يحاولون ركوب الموجة كما هي الحال في استراتيجية قطر.

* سؤالي الأخير هو عن مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، أنت عملتَ سفيراً للولايات المتحدة في الصين، كيف تنظر إلى المحادثات بين الولايات المتحدة والصين حول “كورونا” والقضايا السياسية؟ كيف ترى ذلك؟ وماذا تتوقع للمستقبل؟
– على المدى القصير، العلاقات متوترة للغاية وخطيرة، وهذا لأن كلا الطرفين، الولايات المتحدة والصين، قد توقفا عن الحوار في ما بينهما، وبدلاً من ذلك هما يتبادلان الإهانات، وهذه ليست دبلوماسية فعالة.
وأنا دائماً أتذكر ملاحظة بسمارك، رجل الدولة الألماني العظيم، الذي قال: “عليك أن تكون مهذباً دائماً، حتى عندما تعلن الحرب”؛ ولكننا لسنا مهذبين، وبالتأكيد بعيدين كل البعد عن التعاون؛ ولكن من جهةٍ أخرى، فليس لدينا أي خيار؛ فالعديد من المشكلات في العالم سواء أكانت جيوسياسية أم تتعلق بالكوكب بأسره يجب أن تعالج من خلال التعاون بين الولايات المتحدة والصين، وأفغانستان في الواقع هي خير مثال على ذلك؛ بل هي خير مثال على أمورٍ عديدة، أولاً لم تكن السنوات العشرون الماضية تدور حول ما يُسمى صراع القوى العظمى؛ بل كانت صراعاً بين قوى احتلال غربية والقوميين الأفغان أو ربما فقط القوميين البشتون، لذلك فالأمر لا علاقة له بصراع القوى الكبرى. ولكن الولايات المتحدة خرجت الآن من أفغانستان، فما الذي سيحدث؟ جميع الدول المحيطة بأفغانستان، وبعض الدول الأبعد، لديها نفس المخاوف.
لا أحد يرغب في أن تدخل أفغانستان في حربٍ أهلية، ولا أحد يرغب في أن تصبح أفغانستان فندقاً للإرهابيين أو ساحة تدريب لهم، ولا أحد يرغب في أن تؤثر نسخة متطرفة من الإسلام على آسيا الوسطى أو باكستان، ولا أحد يرغب في أن تزدهر تجارة المخدرات، والجميع يرغب في رؤية نهاية صناعة المخدرات في أفغانستان، وفي رؤية أفضل معاملة للنساء فيها في ظلِّ النظام الجديد.
ولا أعتقد وجود أي خلاف حول هذه القضايا بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، وحتى باكستان وإيران والهند ودول الخليج. أعتقد أنه هنالك أسس لدبلوماسية مبتكرة لدعم أفغانستان الجديدة والتأثير عليها؛ ولكن علينا أن ننتظر لنعرف إذا ما كان صراع القوى العظمى سيسمح لنا بفعل ذلك.