الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
تركيا وإفريقيا.. “فوبيا غولن” تحوِّل سفارات أنقرة إلى مراكز تجسس
يواجه منتقدو أردوغان المراقبة والتضييق والتهديدات بالقتل والاختطاف والحرمان من الخدمات القنصلية

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
منذ تمكَّن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من تحييد انقلاب 15 يوليو 2016، لم تفتر عزيمته أو تخور هِمَّته في مطاردة واعتقال مَن يعتبرهم تابعين لحركة خدمة، وزعيمها فتح الله غولن، الذي يتهمه بتدبير الانقلاب.
(رهاب) غولن وجماعته، لم يقتصر على الداخل التركي، بل امتد إلى الخارج فعمَّ كل قارات العالم؛ حيث أصبحت السفارات التركية مراكز لمخابرات حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبؤراً للاعتقال التعسفي والاختطاف والترحيل.
اقرأ أيضاً: التغلغل التركي الناعم في إفريقيا بين الاقتصاد والمسلسلات المدبلجة
ولن يكون التحقيق الاستقصائي المنشور بموقع (Nordic Monitor) المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية التركية، عن أعمال تجسس واسعة النطاق تقوم بها السفارة التركية في ساحل العاج (غرب إفريقيا)، حيث آلت الكثير من المشروعات الاستثمارية والمدارس التابعة لحركة خدمة إلى وقف معارف التابع لرئيس الوزراء التركي، الأخيرَ؛ فالعمليات التي ابتدرتها تركيا عبر سفاراتها في معظم الدول الإفريقية، خصوصاً التي توجد بها استثمارات لحركة غولن.
وفي ساحل العاج الغنية بالموارد الطبيعية والثروات المعدنية، دأبت السفارة التركية، بقيادة السفير إسراء دمير، على مراقبة رجال الأعمال الأتراك وشركائهم المحليين، باعتراف السفير نفسه، قبل أن يكشف موقع “نورديك مونيتور”، عن وثائق قضائية لأنشطة تجسس انتظمت السفارة التركية بأبيدجان، إذ عمدت إلى تنقيح أسماء وعناوين الرعايا الأتراك هناك؛ لأسباب أمنية.
عادة تركيَّة

تمتلك تركيا ٤٤ سفارة في إفريقيا، افتتح معظمها بعد عام 2016؛ بسبب رغبة شخصية من الرئيس أردوغان في مطاردة منسوبي حركة خدمة وأتباع فتح الله غولن، في أية بقعة من العالم، والعمل على تجفيف استثمارات الحركة في التعليم بصفة خاصة، ولكي يفعل ذلك عمد إلى إطلاق سفارات جديدة في معظم الدول الإفريقية، وتحويلها لاحقاً إلى مراكز للتجسس على المعارضين لحكومة أردوغان؛ حيث يواجه منتقدوها، خصوصاً أعضاء حركة خدمة، المراقبة والتضييق والتهديدات بالقتل والاختطاف والحرمان من الخدمات القنصلية ومصادرة أصولهم داخل تركيا والتضييق على أفراد عائلاتهم ومراقبتهم.
يقول النعيم ضو البيت، الباحث في الشؤون الأمنية في معهد (NSSI)، لـ”كيوبوست”: هناك الكثير من الشواهد والأدلة التي تدعم إيغال السفارات التركية، ليس في إفريقيا فحسب، بل حول العالم، في أعمال التجسس على رعاياها، وهذا حدث مراراً في نحو 25 سفارة تركية في إفريقيا، في مصر والسودان وموزمبيق وغينيا الاستوائية وساحل العاج، مؤخراً، على سبيل المثال.
اقرأ أيضاً: تركيا تستغل نفوذها في الصومال للوصول إلى القمر!
ضحايا قوائم التنميط

يضيف ضو البيت: تجسس السفارات التركية يشمل أيضاً مسؤولين وسياسيين وضباط أمن ورجال أعمال محليين من منسوبي الدولة التي توجد فيها السفارة التركية الضالعة في التجسس، وكل مَن لديه صلة بالفئات المستهدفة، كما يشمل منظمات مجتمع مدني وجمعيات ذات طابع ثقافي أو اجتماعي أو خيري؛ كجزء من حملة مُطاردة واسعة النطاق. هكذا تستخدم الحكومة التركية دبلوماسييها في الدول الإفريقية لتحييد معارضي الرئيس أردوغان وجمع معلومات استخبارية عنهم، توطئة للتقدم بدعاوى جنائية ضدهم وجلبهم إلى أنقرة لمحاكمتهم، يؤكد ضو البيت، قبل أن يعود إلى أبيدجان مرة أخرى، قائلاً: إن السفارة التركية هناك اعتبرت اثنين على الأقل من رعاياها إرهابيَّين، دون تقديم دليل ملموس، وقد تم إدراجهما بقوائم التنميط التي تعدها البعثات الدبلوماسية التركية حول العالم، والتي سقط مئات الأبرياء ضحايا لها، على حد تعبير ضو البيت.
اقرأ أيضاً: مسيرة أردوغان إلى إفريقيا.. علاقة غامضة مع موريتانيا
التجسس كواجب دبلوماسي

وبينما واصلت البعثات الدبلوماسية التركية التجسس المنهجي على منتقدي سياسية حكومة أردوغان، أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في فبراير 2020، أن هذه الأنشطة تأتي وَفق تعليمات رسمية من الحكومة، وأضاف، في تصريحات صحفية عقب مؤتمر ميونخ للأمن، أن جمع المعلومات الاستخباراتية هو واجب الدبلوماسيين.
وفي السياق ذاته، علَّقت المستشارة القانونية والباحثة في الشؤون الإفريقية، حرم أبو بكر، متحدثةً إلى (كيوبوست): إن السفارات التركية حول العالم أضحت أداة بأيدي الأجهزة الأمنية؛ عبر زرع عناصرها لملاحقة معارضي أنقرة بالخارج، والتضييق عليهم، فمنذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف 2016، تم الإبلاغ عن العديد من حالات الاختطاف محلياً وخارجياً؛ فقد تم إرجاع نحو 112 مواطناً تركياً، من نحو 18 دولة حول العالم، بتهمة تبعيتهم لحركة خدمة أو حزب العمال الكردستاني.
ولفتت أبو بكر إلى أن السفارات التركية دأبت على إلغاء جوازات سفر المعارضين، وحصر حركتهم؛ تمهيداً لترحيلهم إلى أنقرة، مشيرةً إلى أن مثل هذه القضايا يصعب التعامل معها من الناحية القانونية؛ نظراً لصعوبة إثبات جزئيات منها، لكن هذا لا يمنع من وصف التصرفات الاستخبارية للسفارات التركية بالقمع العابر للحدود؛ بل إنها ترقى إلى الممارسات الاستبدادية، بهدف قمع وإسكات الأصوات المعارضة، كما أن ردود الأفعال الدولية الضعيفة وغياب المساءلة والإفلات من العقاب، شجعت حكومة العدالة والتنمية على الإسراف في الأمر، واعتباره جزءاً من عملها الدبلوماسي.
اقرأ أيضاً: الوجود التركي في الصومال.. مصالح متبادلة أم زواج كاثوليكي؟
كل شيء بدأ من مابوتو

إلى ذلك، نفَّذت سفارات أنقرة في إفريقيا بعض عمليات الإعادة القسرية لرعايا أتراك، عبر وسائل غير قانونية؛ من خلال عمليات استخبارية سرية بمشاركة مباشرة أو تواطؤ من الدول المضيفة. كما صادرت ووضعت يدها على ممتلكات تعود إلى حركة خدمة أو رجال أعمال متهمين بولائهم لها، وقد حدث ذلك في جنوب إفريقيا؛ حيث سيطرت السفارة على مدارس تابعة لحركة خدمة، كما حدث في مابوتو عاصمة موزمبيق، حيث ابتدرت السفارة التركية هناك عمليات التجسس قبل أن تعم جميع سفارات أنقرة في إفريقيا، عبر السفيرة أيلين تاشان (2011- 2016)، ولاحقاً تمت مكافأتها بتعيينها مديرة لقسم الشؤون السياسية والأمنية في وزارة الخارجية منذ 2016، قبل أن تُسمَّى سفيرة إلى سلوفينيا في 15 مارس 2021، وقد مارَسَ خليفتاها في موزمبيق؛ السفيران زينب قزلطاش وعوني آقصوي، نفس الدور.
كما تجسست السفارة التركية في العاصمة النيجيرية أبوجا، على كلية توليب النيجيرية العالمية، وهي واحدة من أفضل شبكات المدارس أداءً في البلاد، بجانب جامعة النيل الخاصة؛ باعتبارها مملوكة لحركة خدمة، إضافةً إلى مدرسة ويلو الدولية المحدودة في موزمبيق، والكثير من المدراس والشركات في السودان والصومال والكاميرون وغينيا الاستوائية وغانا.. وخلافها من الدول الإفريقية الأخرى.