الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
تركيا تسعى لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.. وأذربيجان تعرض الوساطة
مراقبون يؤكدون لـ"كيوبوست" ضيق هامش المناورة أمام أردوغان بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض.. ومصادر إسرائيلية تؤكد سعي أنقرة الحثيث لفتح قنوات اتصال مع تل أبيب

كيوبوست – مصطفى أبو عمشة
تشهد الأيام الأخيرة تحركات سياسية واسعة على مستوى أذربيجان؛ لإنعاش العلاقات التركية- الإسرائيلية، ومحاولة تحسين العلاقات بينهما بعد تدهورها بشكلٍ لافت في السنوات الأخيرة. وعلى ما يبدو، فإن الحكومة الأذربيجانية التي تتمتع بعلاقات مميزة مع الطرفَين تسعى إلى ممارسة دور الوسيط، وذلك بعد أن لعب كل من تركيا وإسرائيل أدواراً رئيسية في انتصار أذربيجان الأخير على أرمينيا، بعد صراع مسلح دار حول إقليم ناغورنو كاراباخ.
موقع “أكسيوس” الأمريكي، كان قد كشف عن أن حيدر علييف، رئيس أذربيجان، أثار التوترات الإسرائيلية- التركية في مكالمة أخيرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأكدت المصادر المطلعة ذاتها أن مستشاري علييف أكدوا لنظرائهم الإسرائيليين أن أردوغان ردّ بشكل إيجابي على فكرة تحسين العلاقات.

أذربيجان تسعى لكسر الجمود بين أنقرة وتل أبيب
طائرات “كاميكازي” الإسرائيلية دون طيار وأنظمة أسلحة أخرى من أنقرة وتل أبيب، ساعدت أذربيجان في تحقيق التفوق العسكري في معركتها الأخيرة ضد القوات الأرمينية في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها؛ فمع اعتبار أن أنقرة وتل أبيب تعدان حليفَين استراتيجيَّين لأذربيجان، فإن العلاقات بينهما لا تزال مجمدة طوال معظم العقد الماضي، وتسعى الحكومة الأذربيجانية إلى كسر هذا الجمود بأي وسيلة كانت.
وحول هذا الأمر، يؤكد المحلل السياسي المتخصص في الشؤون التركية والكردية نواف خليل، في حديثٍ خاص إلى “كيوبوست”، أن المبادرة الأذربيجانية جاءت بالترتيب مع الجانب التركي؛ فهي ليست صدفة، مشيراً إلى أن العلاقات التركية- الأذربيجانية في أوج قوتها، فأردوغان والمسؤولون الأتراك لم يخفوا نيَّاتهم في تحسين العلاقات مع تل أبيب؛ فهم كانوا يؤكدون دائماً أن إسرائيل إذا خطت خطوة واحدة فإننا سنخطو خطوتَين، مشدداً على أنه وفي ذروة التوتر في العلاقات التركية- الإسرائيلية لم تنقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية.

كما أن إسرائيل كان لها إسهامات في الحرب التي تخوضها تركيا ضد الكرد في تركيا منذ 1984؛ ومنها مساعدة أنقرة وتزويدها بالطائرات دون طيار التي استخدمتها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، علاوة على أن إسرائيل هي التي أسهمت بشكل كبير في اختطاف زعيم الحزب الكردي عبدالله أوجلان.
ويستذكر خليل الجائزة التي حصل عليها الرئيس التركي أردوغان عام 2004 والمعروفة بـ”جائزة الشجاعة”، والتي منحه إياها “المؤتمر اليهودي الأمريكي” الذي يرأسه جاك روزن، مضيفاً أن حزب العدالة والتنمية كان ولا يزال حليفاً ومدعوماً من الغرب والولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: إحصائيات رسمية تكشف: تركيا الداعم الأول للاستيطان الإسرائيلي

وفي ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، فإن خليل يؤكد أن تلك العلاقات لم تنقطع، منوهاً بأن أنقرة تقوم بإعادة تموضع بسبب الاستراتيجية الخاطئة التي اتبعها أردوغان في المرحلة السابقة؛ سواء في الداخل التركي أو على المستوى الخارجي، والتي فرضت عليه إحداث نوع من التغيير الجذري في المرحلة المقبلة.
ونتيجة المناكفات وحالة الصراع بين أردوغان وفتح الله غولن الذي كان متحالفاً معه في السابق، كان لا بد، حسب رؤية خليل، من توزيع الأدوار لإقناع العالم أن حزب العدالة هو الحزب الأفضل والأصلح في تركيا.
إعادة تموضع
وفي إطار التموضع الجديد لأنقرة والخشية من المواقف الجديدة للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، فإن تركيا ستكون ملزمة بإعادة رسم سياساتها من جديد؛ خصوصاً في ما يتعلق بعلاقاتها ومواقفها من دول الجوار، ومنها إسرائيل والمعارضة التركية؛ حيث قال بايدن بوضوح إنه سيدعم المعارضة، ووصف أردوغان في لقاء له بـ”الديكتاتور”، وبالتالي، فإنه وحسب تأكيد المحلل السياسي نواف خليل، يجب على أردوغان تغيير سياساته ومواقفه السابقة؛ حتى لا يتم اتخاذ أية سياسات ضد أنقرة من قِبل إدارة بايدن الجديدة، حيث إن كبار المرشحين لتسلُّم المناصب العليا في إدارة بايدن لهم رأي مخالف للواقع الحالي في ما يتعلق بالوجود التركي في منطقة الشمال السوري، ومنطقة شرق الفرات.
كل هذه الأمور تدفع تركيا إلى إعادة تموضع علاقاتها وسياساتها في المنطقة والسعي إلى ضبطها من جديد، وهذا ما يفسِّر التحركات الأذربيجانية بضوءٍ أخضر من تركيا، للتوسط بينها وبين تل أبيب؛ فهي لم تأتِ بمحض الصدفة، متسائلاً: “أين ذهبت تصريحات وخطابات أردوغان في ما يتعلق بالعلاقات والعداء مع إسرائيل، وأين ذهبت تهديداته بشأن إسرائيل، وعوض أن يهدد أردوغان بقطع العلاقات مع إسرائيل، فإنه يقوم في الوقت الحالي بالتهديد بقطع العلاقة مع الإمارات، وأنه سيقوم بسحب السفير من أبوظبي”.
شاهد: ما حجم التجارة الثنائية بين إسرائيل وتركيا؟
وفي سياقٍ متصل، يؤكد الخبير في الشؤون التركية محمد علي أردوغان، أن علاقة أذربيجان بإسرائيل متطورة جداً وفي أحسن حالاتها؛ سواء في العلاقات السياسية أو العلاقات العسكرية أو حول ما يتعلق بقضايا الطاقة (النفط والغاز)، وهناك مصادر تحدثت عن أن الرئيس الأذربيجاني كان وسيطاً بين تركيا وإسرائيل؛ لكي تُبنى علاقات جديدة، مشيراً إلى أن هناك مصادر إعلامية تركية تقول إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد تعهد بأن لا يتحدث بحق إسرائيل منذ هذه اللحظة بالخطاب الذي يسيء إليها، وأن لا ينتقد إسرائيل في المحافل الدولية والميادين والاجتماعات العامة.

مشروعات مشتركة
ويوضح الخبير في الشؤون التركية، في تصريحاتٍ خاصة أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن مساعي أنقرة في تحسين علاقاتها في المنطقة؛ ومنها إسرائيل، تأتي بالدرجة الأولى بسبب انسحاب الأمريكان الأخير من المنطقة، ورغبتهم في أن لا يكون لهم دور محوري في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث إن واشنطن تريد قبل انسحابها عن المنطقة وعن الشرق الأوسط أن تترك خلفها إسرائيل القوية، لتكون بمثابة الحاكم العسكري والاستخباري في المنطقة.
ومن هنا، فإن الحكومة التركية ترى أن الواقع السياسي وحجم المناورة السياسية قد أصبحا ضيقَين عليها، وبالتالي فإنه يجب أن تكون هناك أوراق أخرى، حسب رؤية المحلل السياسي محمد علي، توفر لها القدرة في الاستمرار على المستويين الداخلي والإقليمي، وبالتالي فإن تجديد العلاقة مع إسرائيل يمكن أن يوفر لأردوغان نوعاً من الخروج من الأزمة التي يعانيها.
صحيفة “يسرائيل هايوم”، كانت قد أكدت، في وقت سابق، أن الأدميرال التركي السابق، جهاد يايجي، والذي كان مقرباً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من المتوقع أن ينشر أول اقتراح من نوعه لاتفاق بشأن المناطق الاقتصادية الحصرية المشتركة بين تل أبيب وأنقرة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه “بعد سنوات من الصراع الدبلوماسي، لفتت تركيا إلى رغبتها في التقارب من إسرائيل مرة أخرى”، موضحةً أن “الأدميرال المقرب من الرئيس التركي أردوغان، سلَّم هذا الاقتراح، غير المسبوق، إلى المجلة الأكاديمية الإسرائيلية (Turkeyscope)، التي يصدرها مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، لينشر اليوم الاثنين”.
وأكدت صحيفة “يسرائيل هايوم” أن هذه كانت “ثاني إشارة للمصالحة من تركيا في ما يتعلق بسوق الطاقة الإسرائيلية”، منوهةً بأنه قبل أربعة أشهر بعث مسؤولون في أنقرة إلى نظرائهم الإسرائيليين برسالةٍ واضحة حول رغبة تركيا في بدء محادثات في هذا الشأن، وبسبب جائحة فيروس كورونا توقفت العملية.
اقرأ أيضاً: أردوغان يناقض شعاراته ويسمح للطيران الإسرائيلي بالهبوط فوق أراضيه
وفي سياق متصل، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أكد، في تصريحاته الأخيرة، أن علاقات بلاده مع إسرائيل لم تتوقف على المستوى الاستخباراتي، معتبراً أن هناك مشكلات تحول دون “انتقال العلاقات للأفضل”.
تصريحات أردوغان جاءت عقب أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول، في معرض رده على سؤال عن إمكانية عودة العلاقات بين الدولتَين.
المحلل السياسي محمد علي أردوغان، علَّق على تصريحات رئيس بلاده بالقول: “هناك محاولة من الدولة التركية لتحسين العلاقات مع إسرائيل، وهناك بعض اللقاءات بين المسؤولين الأتراك والإسرائيليين على المستوى الاستخباراتي وبين وزارات الخارجية، لا تزال مستمرة”؛ لكن تبقى الرؤية غامضة في ما يتعلق بعقد أي لقاء في المستقبل القريب بين الرئيس التركي أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.