الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

تدريب الأئمة.. زوبعة توتر العلاقات بين ألمانيا وتركيا

مراقبون ينتقدون رفض الجمعيات الإسلامية التركية في ألمانيا الانخراط في برامج حكومية لدعم وتدريب الأئمة على المستوى المحلي

كيوبوست

بدأت ألمانيا بتدريب 40 إمام مسجد في مدينة أوسنابروك، التي تستضيف جامعتها دراسة أكاديمية للفقه الإسلامي تستغرق عامَين؛ بغرض تخريج أئمة ألمان خضعوا لبرنامج دراسي ممول جزئياً من الحكومة الفيدرالية والسلطات المحلية في ولاية ساكسونيا السفلى.

ونشرت مجلة “دير شبيجل” الألمانية، تقريراً في 2010 عن الصدام المتوقع بين ألمانيا وتركيا؛ بسبب هذه البرامج التدريبية التي تهدف إلى تحسين اندماج الشباب المسلمين في المستقبل، أرجع فيه التقرير، واستناداً إلى مقابلاتٍ أجريت في ذلك الوقت، عدم فهم الأئمة القادمين من الخارج، إلى طبيعة الحياة في المجتمع الألماني؛ باعتبارهم أحد أسباب ضعف اندماج الشباب الألماني المسلمين واتجاههم نحو العزلة. بينما قالت المستشارة الألمانية عام 2018 إن هذه الخطوة مهمة للمستقبل، وستجعل ألمانيا أكثر استقلالاً.

ترفض الجمعيات التركية الانخراط في برامج الحكومة الألمانية لتدريب الدعاة- وكالات

اقرأ أيضًا: القمع التركي.. العابر للحدود

تخفيف التطرف

شيرار خليل

تأتي خطوة ألمانيا بتقديم برنامج لإعداد الكوادر الدينية؛ في محاولة لتخفيف نسبة رجال الدين المسلمين المقربين من تركيا والمنحازين لتوجهاتها، حسب الكاتب الصحفي السوري والمختص بالإسلام السياسي شيار خليل، والذي يقول لـ”كيوبوست”: إن هذه البرامج التي تعتمد على إشراك النساء أيضاً، تأتي في إطار السعي نحو تخفيف المفاهيم المتطرفة التي تصدر من قِبل بعض الجمعيات الإسلامية في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، والخاضعة بشكلٍ كبير لسيطرة الأتراك.

وأضاف أن السلطات الألمانية تسعى للتخفيف من التطرف، وإشراف الدولة على تلك العمليات التعليمية في ظلِّ انتشار جمعياتٍ إسلامية متطرفة بدعمٍ من تركيا في ألمانيا، مشيراً إلى أن أنقرة تحاول استغلال الطبقة المسلمة في صراعاتها السياسية؛ الأمر الذي دفع ألمانيا بشكل خاص، وأوروبا بشكل عام، إلى متابعة الجمعيات والإشراف عليها بشكلٍ أكبر وأدق؛ للحد من تأثير الخطر المتنامي بالتغلغل في مفاصل الدولة والمؤسسات الألمانية.

اقرأ أيضاً: الإيغور يخشون خيانة تركيا المتعطشة للأموال الصينية

مجتمع موازٍ

حسين خضر

ليستِ المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة الألمانية بمثل هذه المبادرات، حسب نائب رئيس الأمانة الفيدرالية للهجرة والتنوع بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، حسين خضر، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن جميع المبادرات غير مرحب بها من قِبل الجمعيات الإسلامية التابعة لتركيا، والتي تصنف في القانون الألماني باعتبارها جمعيات أهلية، مشيراً إلى أن تركيا تعتبر الدولة الأكثر وجوداً وتأثيراً في ألمانيا، من خلال هذه الجمعيات التي تعمل بشكلٍ منظم، وتستقطب أئمةً أتراكاً وموظفين للعمل بها.

تسعى الحكومة الألمانية إلى تقويض نفوذ تركيا على المساجد- وكالات

وأضاف أن هذه الجمعيات تعمل على خلقِ مجتمع موازٍ للمجتمع الألماني في الداخل؛ حيث يصل عدد المسلمين داخل ألمانيا إلى أكثر من 5 ملايين شخص، لافتاً إلى أن الدولة الألمانية أدركت متأخرةً غيابها عن هذه الساحة لعقود، وبدأت في تدارك الأمر قبل سنوات؛ لكن إدراك التغيير يستلزم سنواتٍ من العمل.

اقرأ أيضاً: أردوغان يبيع قضية “الإيغور” مقابل مصالحه الاقتصادية

وأوضح أن تركيا استغلت من البداية ثغرة غياب تأهيل القيادات الإسلامية في ألمانيا، وسعت للقيام بهذا الدور عبر الجمعيات الأهلية المرخصة قانوناً؛ وهو ما تعمل الحكومة الألمانية على مواجهته في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن النشاطات التركية المخربة في ألمانيا؛ كرصد محاولات للتجسس من جانب القنصلية التركية في ميونخ، وغيرها من الأمور تدفع نحو مزيدٍ من القلق حيال هذه الجمعيات.

سيجريد هيرمان مارشال

لا تهتم الجمعيات التركية الكبيرة بالنظر إلى الأئمة الذين لم ينخرطوا في التدريبات بداخلها، حسب الباحثة الألمانية في قضايا المنظمات الإسلاموية، سيجريد هيرمان مارشال، التي تقول لـ”كيوبوست”: إنهم غالباً ما يدعمون الحكومة التركية ويرتبطون بعلاقاتٍ وثيقة معها، مشيرةً إلى أن هذه الجمعيات تشعر بأنها قوية في التفاوض؛ لدرجة أنها لا تشعر بالحاجة إلى الاستجابة لرغبات السياسيين الألمان.

قوانين وتشريعات

وتقدِّر الحكومة الألمانية عدد المسلمين في البلاد بقرابة 5.3 و5.6 مليون شخص؛ وهو ما يشكل نسبة 6.4 و6.7% من إجمالي السكان، ويظل العدد الأكبر للمسلمين في ألمانيا من ذوي الأصول التركية.

اقرأ أيضًا: الوجود التركي في غرب إفريقيا بين ضربات القراصنة والرفض الشعبي

يشير حسين خضر إلى أن ألمانيا لديها الرغبة والقدرة من خلال القوانين على تطبيق ما ترغب فيه؛ سواء بوضع شروط محددة في الدعاة الذين تتم الموافقة على استقدامهم من الخارج بمستوى معين في اللغة، تحدثاً وكتابةً، أو بمستوى تأهيلي معين دينياً.. وغيرها من التفاصيل التي يمكن صياغتها بقوانين ملزمة تطبق على الجميع دون استثناء، فضلاً عن تجميد أو إلغاء أنشطة الجمعيات التي يثبت تورطها في مخالفاتٍ قانونية، لافتاً إلى أن السلطات الألمانية، وإن أظهرت بطئاً نسبياً في التحرك نحو بعض الأمور، فإن هذا الأمر يرجع إلى رغبتها في عدم تصوير الموضوع باعتباره عداءً للإسلام؛ لكونها الطريقة الأكثر شيوعاً لحشد المسلمين ضد السياسات الألمانية من تركيا.

تواجه السلطات الألمانية النفوذ التركي عبر المساجد في الداخل- وكالات

تؤكد سيجريد هيرمان مارشال ضرورة الضغط على الجمعيات الإسلامية المنظمة؛ لتوفق نشاطاتها مع الدستور، مشيرةً إلى أن اشتراط مستوى معين من اللغة على الأئمة مثلاً لا يعتبر حماية من التطرف؛ لأن اللغة تعتبر عاملاً من ضمن عوامل متعددة، بالإضافة إلى أن التفسير الأصولي للإسلام ممكن أيضاً باللغة الألمانية، ومن ثمَّ لا يعتبر مواجهاً للتطرف.

يشير شيار خليل إلى أن رفض بعض الجمعيات الإسلامية الكبيرة تلك الخطوة يأتي استناداً إلى أن الدستور لا يسمح للدولة بالتدخل في الدين؛ لكن في المقابل هذه الجمعيات لها تاريخ واضح ومعروف مرتبط بأردوغان من حيث العقائد والتمويل، ولها سياسات داخلية تتبع الدولة التركية؛ وهذا ما يشكل خطراً على الألمان والمسلمين في ألمانيا، لأن هذه الجمعيات تقوم باستغلال الدين والناس لمصالحها السياسية والاقتصادية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة