الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دوليةشؤون عربية

تداعيات غزو العراق لا تزال تخيم على النظام الدولي

كيوبوست- ترجمات

يستهل باتريك وينتور، محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة “الجارديان”، تحليله بالإشارة إلى مقولة السياسي الفرنسي الشهير جورج كليمانصو: “الحرب هي سلسلة من الكوارث تنتهي بانتصار”؛ ولكن غزو العراق الذي حدث قبل عشرين عاماً كان انتصاراً انتهى بسلسلة من الكوارث. عند بداية غزو العراق عام 2003، طرح الجنرال ديفيد بترايوس سؤاله الشهير “كيف سينتهي هذا الغزو؟”. وجاء الجواب بعد ثماني سنوات مع انسحاب معظم القوات الأمريكية من هذا البلد. ولكنَّ ظِلَّ هذا الغزو لا يزال يخيم على المنطقة ويلطخ سمعة مَن دعوا إليه ويزعزع المكانة التي اكتسبها الغرب بعد نهاية الحرب الباردة. واليوم، وبعد عشرين عاماً، لم يعد يبدو مهماً إذا ما كان الغزو قد قام على خداع أو تحريف أو سوء فهم متعمد، أو فرضية خاطئة. لقد كان الغزو خطأ كبيراً يبدو أكثر بشاعة عاماً بعد عام.

قبل الغزو، نوقشت عواقبه الوخيمة المتوقعة في كل الاجتماعات التي شارك فيها خبراء متخصصون بشؤون الشرق الأوسط والعراق؛ مثل روز ماري هويس وتوبي دودج، ورئيس وكالة الاتسخبارات المركزية الأمريكية الحالي بيل بيرنز؛ ولكن صناع القرار، بمَن فيهم الرئيس الأمريكي الأرعن جورج بوش، اختاروا تجاهل التحذيرات.

يتذكر الخبير البريطاني المتخصص في شؤون العراق تحذيره لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، من أن الغزو سيكون كارثة، لكن بلير أجابه: “أعلم أنك ترى أنني لا ينبغي أن أقوم بذلك؛ ولكني مضطر لأن أفعل. أعلم أن الأمر سيكون سيئاً، فقط أخبرني إلى أي حد سيكون مقدار هذا السوء”. ويقول دودج معلقاً على الغزو: “لم يكن أحد في لندن أو واشنطن لديه أية فكرة عن العراق؛ لكنهم خططوا لاحتلال البلد وإدارته. لقد كان الأمر غطرسة لا مثيل لها”.

اقرأ أيضاً: في الذكرى العشرين لغزو العراق: دروس مستفادة

ما لا يختلف عليه اثنان اليوم أن إنهاء حكم صدام، واجتثاث البعث، مع غياب خطة متماسكة متفق عليها حول مَن سيحل محله، قد أعاد الصراع الطائفي السُّني- الشيعي إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط، ودفع بالمواطنين السُّنة في العراق إلى التمرد، ومهَّد لولادة ما أصبح يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ثم إلى فوضى الحرب في سوريا. وفي المقابل عزز الغزو من موقع إيران ووكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ومنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تذكرة عودة غير متوقعة إلى الشرق الأوسط من خلال تدخله العسكري لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد. كما كان الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من أفغانستان نتيجة الخشية من تكرار الفشل الذريع في بناء الدولة في العراق. ووفقاً لتقديرات جامعة براون، فقد بلغت كلفة الحرب 8 تريليونات دولار، وأودت بحياة 400 ألف عراقي.

آخر القوافل العسكرية الأمريكية تغادر معسكر مدينة الناصرية في ديسمبر 2011- “الجارديان”

ومن آثار غزو العراق المستمرة حتى الآن، حذر الحكومات الغربية من تغيير النظام في طهران أو موسكو، وقد ألمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر ميونخ للأمن، إلى تعاقب الحكومات الفاسدة والطائفية في العراق بعد عام 2003 في معرض تعليقه على مسألة تغيير النظام في روسيا؛ عندما قال: “التغيير إلى ماذا؟ وبأية وسيلة؟”.

وكلما أدانت الولايات المتحدة الغزو الروسي لأوكرانيا، سارعت دول مثل الصين وروسيا إلى التذكير بغزو العراق واتهام الولايات المتحدة بازدواجية المعايير. ومن المؤكد أن الغزو كان له تأثير كبير على فلاديمير بوتين، فقد كان للأحادية الأمريكية في العراق أثر حاسم في تحول بوتين من موقع الحليف في حرب بوش على الإرهاب في بداية الأمر إلى موقع المنتقد للغطرسة الأمريكية التي تطالب روسيا بالرضوخ لعالم أحادي القطب لا تكون فيه الولايات المتحدة مسؤولة أمام أحد. ومن وجهة نظر بوتين؛ فإن كل ما فعلته الولايات المتحدة لاحقاً -بما في ذلك مغازلة الإسلاميين خلال الربيع العربي، والتضليل الذي مارسته بشأن تفويض الأمم المتحدة للإطاحة بالقذافي، والوقوف إلى جانب الجماعات الجهادية ضد نظام الأسد في سوريا، ودعم احتجاجات 2014 في أوكرانيا- كان دلالة على أن واشنطن لا تميز بين “النظام الدولي القائم على القواعد” والهيمنة الأمريكية.

ومن ناحية أخرى، شعر السعوديون بالاستياء من غزو العراق وحذروا الأمريكيين من استيراد الديمقراطية فجأة إلى العراق؛ لأن أي انتخابات ستكون في صالح الأغلبية الشيعية. وفي وقت لاحق؛ قال وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، إن “الولايات المتحدة قد سلمت العراق فعلياً إلى إيران على طبق من فضة”. واشتكت الدول الخليجية من أن الغزو قد أدى إلى قيام محور معادٍ يضم “حزب الله” وسوريا والعراق و”حماس”.

اقرأ أيضاً: البابا فرنسيس زار العراق لطلب المغفرة عن خطايا الغزو الأمريكي

وبالطبع سارعت إيران إلى ملء فراغ السلطة في بغداد بعد الإطاحة بخصمها، ثم بنت سياستها الخارجية كلها على نجاحها في ذلك. وعمدت إلى تعزيز عمقها الاستراتيجي من خلال ما أصبح يُعرف بمحور المقاومة. ووفقاً لتقرير للبنتاغون فإن أكثر من 600 من أصل 4000 جندي أمريكي قُتلوا في العراق قد سقطوا على أيدي جماعات إرهابية مدعومة من إيران، كما أن وكلاء إيران سيطروا فعلياً على ثُلثي مقاعد البرلمان العراقي في غضون عامَين من انتخابات عام 2005 ونهاية حكم الأقلية السُّنية في البلاد.

أطفال عراقيون ينهبون قطار إمدادات للجيش الأمريكي قرب الفلوجة في ديسمبر 2003- “الجارديان”

وعندما اختارت الولايات المتحدة نوري المالكي رئيساً للوزراء عام 2006، اعتقدت أنه لن يتصرف بطريقة طائفية أو مؤيدة لإيران بشكل مفرط، وشجعته على إقامة علاقة إيجابية مع السعودية واتخاذ نهج مستقل عن إيران. لكن الاجتماع الذي عُقد في يوليو 2006 بين المالكي والملك عبدالله كان الاجتماع الأول والأخير بين الرجلَين؛ حيث وصف العاهل السعودي المالكي في وقت لاحق بأنه “عميل إيراني غير جدير بالثقة”.

حتى الرئيس بوش نفسه كان متناقضاً بشأن دوافعه في العراق، فقد أعلن في بداية الأمر أن الغزو يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من الإرهابيين الذين يسلحهم صدام؛ ولكنه وقع في عام 2002 على وثيقة سرية صاغتها مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس؛ مفادها أن الولايات المتحدة ستعمل على إعادة بناء عراق ديمقراطي يكون نموذجاً للحكم الرشيد في المنطقة. ويرجع هذا التناقض إلى أن الحديث عن الديمقراطية في العراق والترويج لها أصبح حجة مفيدة بعد الفشل في العثور على أسلحة الدمار الشامل فيه.

رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يغادر المنطقة الخضراء في بغداد على متن حوامة في عام 2007- “الجارديان”

وبحلول ولايته الثانية عام 2005، كان بوش قد حوَّل الديمقراطية إلى جزء رئيسي من حربه على الإرهاب، وقال في خطاب تنصيبه الثاني: “إن بقاء الحرية في أرضنا يعتمد على نجاح الحرية في البلاد الأخرى”. و”إن أفضل أمل للسلام في عالمنا هو نشر الحرية في كل العالم”. وفي خطاب ألقته في القاهرة؛ قالت رايس: “على مدى ستين عاماً عملت الولايات المتحدة على تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في هذه المنطقة؛ ولكننا فشلنا في تحقيق أي منهما. ونحن الآن نتخذ مساراً مختلفاً”.

اقرأ أيضاً: فوضى في مجلس النواب: البرلمان العراقي الجديد يكشف خيوطًا قوية من الطائفية والتطرف

وفي هذ المسار؛ توجهت إدارة بوش نحو دعم منظمات المجتمع المدني، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين. وعندما اندلعت انتفاضات الربيع العربي، لم تكن لها علاقة بالإلهام الأمريكي، بل كانت مدفوعة بانتشار البطالة والفساد. ويرى العديد من المحللين أن هذه الانتفاضات لم تكن تهدف إلى بناء نموذج يشبه النظام العالمي الليبرالي السائد؛ بل تتجه نحو شيء مختلف تماماً.

وفي العراق بدأ المزاج العام بالتحول ضد الطائفية التي سادت فيه خلال السنوات الماضية، وكانت “انتفاضة تشرين 2019” بمنزلة مصالحة بين السُّنة والشيعة الذين اجتمعوا في ثورة ضد فساد الطبقة الحاكمة بأكملها. أدت هذه الانتفاضة إلى استقالة رئيس الوزراء وإلى بعض التغييرات في قانون الانتخابات لإعطاء مساحة أكبر للمستقلين، وقادت لانتخابات برلمانية في عام 2021؛ لكن التغيير المنشود لم يتحقق وفازت الأحزاب المدعومة من إيران فوزاً ساحقاً.

واليوم؛ يقف الشباب العراقيون، حيث يقف معظم شباب الشرق الأوسط، فقد اعتقدوا أن الديمقراطية سوف تنتج حقوقاً اجتماعية واقتصادية، وعندما فشلت في ذلك، فقدوا تعلقهم بالديمقراطية. ولا شك في أن هذا الأمر ليس هو الإرث المجيد الذي تصوره أولئك الذين قاموا بغزو العراق.

المصدر: الجارديان

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة