الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

تداعيات التدخل التركي في شمال شرق سوريا

المدرعات التركية تقوم بدورية مشتركة مع القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا يوم الجمعة الماضي

كيوبوست – ترجمات 

 ويل تودمان

مثَّلت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر الجاري، مفاجأة غير متوقعة حين وجَّه خطابًا مباشرًا يحوي بداخله شيئًا من الطمأنة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث مثَّل خطابه وعدًا بالابتعاد عن الدخول في مواجهة مباشرة مع الغارات التركية على المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، وهي المنطقة التي توجد فيها القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وصاحب ذلك انسحاب ما بين 100 و150 مقاتلًا أمريكيًّا من المنشآت العسكرية الأمريكية الواقعة قرب الحدود التركية، وإن كان من المتوقع أن يُبقي الجيش الأمريكي على بعض كتائبه العسكرية في المنطقة الشرقية من سوريا.

وهناك بعض القضايا الشائكة التي تعمل أنقرة على مواجهتها بمنطق محاربة الإرهاب. فمن الجدير بالذكر أن الحكومة التركية تضع قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني في كفة واحدة، فضلًا عن أن الأخير سبق وصفه من قِبَل أنقرة بالجماعة الإرهابية. وكان أردوغان قد قام خلال الشهور الأخيرة بإطلاق عدة تهديدات بناءً على وجهة النظر نفسها؛ حيث هدَّد مرارًا بإطلاق عمليات عسكرية لتطهير الشريط الحدودي الممتد لمساحة تبلغ 20 ميلًا داخل الأراضي السورية، في ما سماه بالمنطقة الآمنة لتركيا. ولم يكتفِ أردوغان بذلك بل ذهب إلى التهديد بإعادة توطين ما يزيد على مليون لاجئ سوري يوجدون داخل الأراضي التركية في تلك المنطقة.

اقرأ أيضًا: لماذا قبلت مجموعات جهادية أجنبية بالعمل تحت مظلة تركيا في سوريا؟

وعلى مدى شهور عديدة، كان الدبلوماسيون والقادة العسكريون الأمريكان ينخرطون في محاولات حثيثة؛ للتخفيف من حدة التوتر بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، ما نتج عنه بعض التوافقات؛ منها أن قام كلا الجانبَين بالاتفاق على المشاركة في إدارة المنطقة الحدودية، وذلك خلال شهر أغسطس الماضي. كما أرست الولايات المتحدة عددًا من الاشتراطات مع الجانب التركي هدفها إعادة بناء الثقة؛ منها إطلاق دوريات عسكرية مشتركة وطائرات استطلاع في المنطقة الحدودية، ونجحت في إقناع قوات سوريا الديمقراطية بتفكيك دفاعاتها في المنطقة محل النزاع.

ويبدو أن أنقرة لم تكن راضية تمام الرضا عن تلك الاتفاقية؛ ما دفع الرئيس التركي إلى إعلان انتهاء تركيا من بعض التجهيزات العسكرية التي من شأنها تنظيم بعض الغارات على شمال شرق سوريا، وذلك في الخامس من أكتوبر الجاري. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة سبق لها إعلان عدم رغبتها في دعم أي تدخل عسكري تركي في الأراضي السورية؛ فإنها في الوقت نفسه قامت بسحب كتائبها العسكرية من تلك المنطقة، ما يعني أن الطريق أصبح ممهدًا تمامًا أمام تركيا لتحريك قواتها نحو المنطقة الحدودية.

مخاطر كبرى

لا يستبعد أن تتسبب الهجمات التركية المزمع شنّها في كوارث إنسانية؛ فقد سبق أن أعلنت الأمم المتحدة وجود ما يزيد على 758000 شخص يعيشون في المنطقة الحدودية محل النزاع، كان كثيرون منهم قد عانوا إعادة توطينهم مرة واحدة على الأقل خلال الفترة الماضية. وفي حال قيام سوريا بما تخطط له؛ فإن أولئك المدنيين سيكونون مضطرين إلى الرحيل إلى المنطقة الجنوبية التي تقطنها أغلبية عربية أو حتى إلى عبور الحدود إلى الأراضي العراقية. وفي كلتا الحالتَين فإنهم سيعانون معارضات عنيفة في تلك المناطق حال وجودهم فيها. أما في حال قيام تركيا بتطبيق السيناريو الأسوأ، وهو إعادة توطين ما يزيد على مليون لاجئ سوري من داخل أراضيها إلى المنطقة الحدودية؛ فإن التشكيلة السكانية لتلك المنطقة سوف تتغيَّر بشكل دراماتيكي، وكما هو متوقع لن يتسبب ذلك إلا في ترسيخ ومضاعفة حالة عدم الاستقرار.

اقرأ أيضًا: معادلة الأكراد الأعقد في سوريا.. هل تربحها دمشق؟

وهناك تاريخ طويل من العداء التركي لقوات سوريا الديمقراطية؛ فأنقرة لم تكف قط عن اعتبار تلك القوات تهديدًا وجوديًّا للدولة التركية. وبمجرد انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة الحدودية، أصبحت تركيا أكثر حرية في التخطيط لهجمات عسكرية، سيكون الهدف المعلن منها بالطبع هو حماية الأمن القومي التركي.

 على الجانب الآخر، هناك أمور مهمة لا يمكن إغفالها؛ مثل كون التهديد التركي للمنطقة الحدودية سيشكل ورقة ضغط جديدة، ستلعب بها أنقرة متى شاءت في حال حدوث مفاوضات تخص مستقبل سوريا، فضلًا عن الخطابات الرسمية التركية، خلال الأشهر الأخيرة، التي رسَّخت لحالة من العداء تجاه اللاجئين السوريين داخل الأراضي التركية؛ ما يعني أن الأحداث الأخيرة ستحقق فائدة للجانب التركي على المستوى الداخلي. ومع الوضع في الاعتبار أن نجاح نظام أردوغان في إعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين السوريين سيمثل نقطة إيجابية لصالح النظام نفسه، وأردوغان يعلم أنه باتخاذ خطوة كتلك سيكون قد نجح في مضاعفة شعبيته داخل الشارع التركي.

ولن تمر العمليات العسكرية التركية على شمال شرق سوريا دون عناء؛ فهناك المقاتلون الأكراد فضلًا عن الدولة الإسلامية؛ مما يعني أن تركيا ستضطر إلى بذل جهود متواصلة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة في مواجهة الجماعتَين المتمردتَين، كما أن جماعة الدولة الإسلامية لم تنسَ بعدُ كم الاعتقالات التي قامت بها تركيا تجاه أفرادها في المنطقة، والظروف المتردية التي شهدتها معسكرات الاحتجاز. وأضف إلى ذلك عدم توافر الرغبة لدى مواطني الولايات الغربية في إعادة توطينهم؛ لذلك من المتوقع أن تجلب تركيا على نفسها، بتلك العمليات العسكرية، فيضًا من الانتقادات الدولية؛ حيث سبق أن هدَّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتدمير الاقتصاد الدولي في حال حدوث ذلك. وفي كل الأحوال ستتسبب تلك الهجمات في وضع تركيا تحت أعين الرقابة الدولية.

احتجاجات الأكراد السوريين في رأس العين شمال شرق سوريا على العملية العسكرية التركية في المنطقة- الأحد 6 أكتوبر

وربما يجني كل من روسيا والنظام السوري بعض الفوائد من هذا الوضع. فمن جانب، ستعزز روسيا من نفوذها داخل الأراضي السورية، وبالتالي في تحديد مستقبل سوريا. وكانت الولايات المتحدة قد تخلَّت عن إحدى الأدوات المهمة التي كانت تعزز وجودها في سوريا بمجرد تخليها عن تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية؛ وهو ما يترك الفرصة سانحة أمام روسيا لجذب القوات الديمقراطية إلى صفها. وغني عن الذكر أن الأخيرة ستجد نفسها مع الوقت عارية تمامًا؛ ما يدفعها إلى البحث عن أقرب فرصة للتحالف مع أية جهة. أما على الجانب الآخر، فإن هذا التقارب بين روسيا وقوات سوريا الديمقراطية سيصب بالضرورة في صالح النظام السوري، الذي قد يجد الفرصة سانحة أمامه لتمديد نفوذه على كامل الإقليم السوري؛ بما فيه حقول النفط والموارد الاقتصادية الأخرى كافة.

اقرأ أيضًا: لُعبة الإخوة الأعداء والأجندات الخفية لأردوغان وبوتين في سوريا

وعلى ما يبدو، لم تعد رسائل التحذير  ومحاولات الردع الأمريكية تجد أي صدى في ما يخص الأزمة الإيرانية، فقد أظهرت الولايات المتحدة نفسها في الفترة الأخيرة بمظهر مَن يتخلَّى عن حلفائه في المنطقة العربية؛ وها هي الآن تتخلى عن حلفائها الأكراد، ما يبشر بتملُّص حلفاء أمريكا منها بمرور الوقت. وربما لا يتوقف ذلك عند حدود التحالفات الأمريكية- الشرق أوسطية، بل من الممكن أن يمتد الوضع ليطول حلفاء أمريكا حول العالم.

حلفاء أمريكا

ويعاني الأكراد الآن خطر خسارة أغلب مكتسباتهم؛ فهم يجدون أنفسهم في مواجهة التخلي عن سيطرتهم على المنطقة التي تشهد أكبر تجمع سكاني للأكراد في سوريا، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ لأنهم مهددون بعد ذلك بخسارتهم بقية الإقليم الكردي تحت الضغوط التي لن يتوانى النظام السوري في ممارستها عليه. أضف إلى ذلك التهديدات التي سيمثلها حلفاؤهم الجدد بالإضافة إلى جماعة الدولة الإسلامية الناهضة هناك؛ وهو ما سيضعف بالتالي من نفوذهم السياسي في مواجهة النظام السوري. باختصار، سيجد الأكراد السوريون أنفسهم في مواجهة فقدان سيطرتهم على الأرض فضلًا عن خسارة المكتسبات التي حققوها لأنفسهم خلال الأزمة السورية.

الرئيسان التركي والأمريكي أردوغان وترامب

وبدخول تركيا في مواجهة عسكرية بالمنطقة الشمالية الشرقية، فإنها بذلك تكون عرَّضت أمريكا لفقدان كل مكتسباتها في سوريا، فضلًا عن أن الخطة ثلاثية الأهداف التي رسمتها أمريكا لنفسها في تلك المنطقة ستكون على وشك الانهيار. وكانت الولايات المتحدة تسعى لتحقيق عدة أهداف واضحة بوجودها على الأرض هناك، وهي كالتالي: تحقيق انتصار ساحق على جماعة الدولة الإسلامية، والتخلص من القوات التابعة لإيران في المنطقة، ثم أخيرًا تحقيق تحول سياسي دائم في المنطقة. أما الآن وبمضي ترامب قدمًا في تجاهل الوضع، فإنه يقوم بتحديد الوجود الأمريكي في سوريا عند منطقة النفوذ الاقتصادي. وبدءًا من تلك اللحظة لن تجد أمريكا نفسها قادرة على شيء، اللهم إلا ممارسة دورها المعتاد في فرض العقوبات الاقتصادية أو حتى بتجاهل تقديم الدعم المالي لعمليات إعادة الإعمار.

ومن الواضح أن كلًّا من روسيا وإيران ستجنيان بعض الفوائد من الوضع الراهن على حساب الولايات المتحدة، فبانسحابها من المنطقة ستتضرر مساعي الولايات المتحدة لعقد الشراكات مع الفاعلين غير الدوليين، وهاهم الأكراد يصفون انسحاب الأمريكان باعتباره حالة من التخلي عن حلفائها.. إنها رسالة موجهة إلى كل حلفاء أمريكا، مضمونها: “لا تقعوا في الخطأ نفسه الذي وقعنا فيه حين منحنا الثقة للأمريكان”.

وعلى الرغم من كل ما سبق؛ فإنه ما زال بإمكان الولايات المتحدة أن تتراجع عن قرار الانسحاب. فرغم وجود اتجاه في الرأي العام الأمريكي يُحَرِّض على إنهاء الوجود الأمريكي في سوريا؛ فإن هناك اتفاقًا بين كلا الحزبَين الجمهوري والديمقراطي داخل جدران الكونجرس، على الحفاظ على التحالف الأمريكي- الكردي، وغني عن الذكر أن الأكراد كانوا قد ضحوا بنحو 11000 مقاتل من بين صفوفهم في سبيل مواجهة جماعة الدولة الإسلامية، فضلًا عن عدم تخليهم عن دعم الولايات المتحدة في منع الجماعة الإرهابية من النمو.

اقرأ أيضًا: تقسيم سوريا بين 3 أطراف.. السيناريو أكثر وضوحًا من ذي قبل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 ♦ زميل مشارك ببرنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن.

المصدر: مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة