الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية
تداعيات اعتقال زعيم إسلامي متطرف في مصر

كيوبوست – ترجمات
اعتقلتِ السلطاتُ المصرية القائمَ بأعمال جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ أقدم وأكبر منظمة إسلاموية في العالم. تولى محمود عزت قيادة الجماعة بعد احتجاز “مرشدها الأعلى” محمد بديع في عام 2013. وُيعتبر عزت “متشددًا”، حتى وفقًا لمعايير جماعة الإخوان المسلمين.
تداعيات اعتقال محمود عزت
بعد عزل محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، من منصبه كرئيس لمصر في يوليو 2013، صنّفتِ الحكومةُ المصرية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي جماعةَ الإخوان باعتبارها تنظيمًا إرهابيًّا، وبدأت حملة واسعة النطاق ضدها. أدَّت هذه الحملة إلى سجن عدد كبير من قيادات الإخوان، فيما اختبأ الباقون أو فرُّوا إلى الخارج.
كان الهدف الاستراتيجي الرئيس لجماعة الإخوان في مرحلة ما بعد عام 2013، هو إسقاط حكومة الرئيس السيسي، لكن الأساليب القديمة -الصبر والدعوة- التي ما تزال تنادي بها معظم قيادات الجماعة في المنفى، قد رُفضت من قبل أعدادٍ كبيرة ومتزايدة من الإخوان الذين تركوا في مصر، والذين انجذبوا بشكلٍ متزايد إلى التكتيكات الثورية العنيفة، أو انضموا ببساطة إلى تنظيم داعش في سيناء.
اقرأ أيضًا: هل ينزل الرئيس أردوغان عن حصان “الإخوان المسلمين” الخاسر؟
يستخدم العديد من المراقبين كلماتٍ مثل “لها القدرة على الاستمرار” و”لها القدرة على الصمود”، في وصف جماعة الإخوان المسلمين التي تأسَّست في عام 1928، وتبدو بعد قرابة تسعين عامًا قائمة. ومع سيطرة عزت، مع سمعته باعتباره “الرجل الحديدي للإخوان”، والذي يجسد صورة صنع القرار من القمة إلى القاعدة، ساد اعتقاد أن الجماعة ستنهض مرة أخرى، لكن الواقع أنها لم تقُم لها قائمة. وفي هذا الصدد، قال مختار عوض وصموئيل تادرس من “معهد هدسون” في عام 2017: “جماعة الإخوان المسلمون القديمة لم يعد لها وجود، بعد أن تشرْذَمت في أعقابِ سقوطها من السلطة في عام 2013”.
هذا التشرذم يعني في الواقع أن عزت وغيره من قادة الإخوان لم يتمكنوا لسنواتٍ عديدة من إصدار تعليمات موثوقة لتوجيه الجهود المناهضة للسيسي داخل مصر. وتقول الحكومة المصرية إن الاتصالات المشفرة تُظهر إشراف عزت على اغتيالات عدة وتفجيرات قام بها الإخوان في مصر، وقد يكون هذا صحيحاً، لكن تعليمات عزت العلنية كانت ضد هذا النوع من النشاط، ولم يكن لها أي تأثير على العناصر العنيفة الناشئة من الإخوان، مثل “حركة حسم”، التي استمرت في برنامجها الخاص.
احتضنت جماعة الإخوان المسلمون ومفكروها؛ مثل سيد قطب، عددًا من المبادئ الأيديولوجية التي أصبحت أعمدة للحركة السلفية الجهادية، التي شكّلت لبنات بناء تنظيمي “القاعدة” و”داعش”.

ومع تفكك جماعة الإخوان كتنظيمٍ في مصر، انجذب العديد من أعضائها إلى تنظيم داعش، معتقدين أن الجماعة الجهادية هي الوسيلة الأكثر نجاعة لاستعادة السلطة للإسلاميين. ونظرًا إلى احتمال ألا يتمكن خليفة عزت من فرض أوامره على ما تبقى من التنظيم، فمن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، ناهيك عن تطرف أي عناصر متبقية من الجماعة.
وفي حين أن الديناميات العامة للتشدد الإسلاموي والمنافسة على مصر، بين حكومة الرئيس السيسي وجماعة الإخوان المسلمين، لا تتأثر بشكلٍ جذري باعتقال عزت، فإنها تُعد مؤشرًا مهمًا. ذلك أن اعتقال عزت في 28 أغسطس يضع نهاية لمظهر السلامة التنظيمية، وهيكل القيادة الفعّال للإخوان. إنها لحظة رمزية لا يمكن تجاهلها، ما يشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كما كانت معروفة منذ ما يقرب من تسعين عامًا قد ولّت بلا رجعة.
اقرأ أيضًا: رعب يسود الإخوان بعد شكوك في تورط تركي بتسليم عزت
صلات خارجية
أشارت وزارةُ الداخلية المصرية في بيانها بشأن اعتقال عزت إلى أنه تم القبض عليه في “العاصمة، على الرغم من الشائعات المستمرة التي تداولها مسؤولو الإخوان حول وجوده في الخارج”. موقع عزت على مدى السنوات السبع الماضية ظلَّ غامضًا للغاية، ومن الممكن أنه كان خارج مصر لبعض أو معظم ذلك الوقت، ولم يعد إلا في مرحلة ما مؤخرًا.
وأيًّا كانت الظروف الحقيقية التي تكتنف وضع عزت، فمنذ عام 2013، ذهب الكثير من قادة الإخوان إلى المنفى، وتمركزوا بشكل كبير في موقع واحد: تركيا. وتشير بعض التقديرات إلى أن هناك 20,000 من أعضاء جماعة الإخوان المصرية في تركيا.
الجدير بالذكر أن الحكومة التركية، برئاسة رجب طيب أردوغان، الذي يستمد حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه من جذور الإخوان، تشنّ حربًا سياسية لا تكل ولا تمل ضد حكومة الرئيس السيسي في مرحلة ما بعد مرسي. وقد انطوى جزءٌ من هذه الحملة على سماح أنقرة لأعضاء الإخوان المصريين الموجودين على أراضيها بممارسة التحريض بلا هوادة في وسائل الإعلام ضد حكومة الرئيس السيسي. وكان لذلك تأثير، حيث قامت جماعة الإخوان وجهات فاعلة منبثقة عنها بأنشطة حرب عصابات في مصر بوتيرةٍ متزايدة ومتطورة.

ومع تحديد خطوط المعركة في الصراع على النظام الإقليمي بين التحالف المناهض للإسلامويين (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر) والمعسكر المؤيد للإسلامويين (تركيا وقطر)، أصبحت هذه المواجهة أكثر حدة، ومن غير المرجح أن تتخلى تركيا عن دعمها للإخوان المصريين في أي وقتٍ قريب. ومن المرجح أن تستمر قدرة الإخوان المقيمين في تركيا على التأثير عمليًّا على الأحداث في مصر في التراجع، ولكن بالنسبة إلى أنقرة سيظل الإخوان أداة سياسية ودعائية مفيدة.
لقد وجدت تركيا أن جماعة الإخوان مفيدة في العديد من مجالات سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة. على سبيلِ المثال، كان من أكبر الفصائل السورية التي جندت منها تركيا المرتزقة، الذين أرسلوا إلى ليبيا لتنفيذ رغبات أنقرة في صراعها على السلطة في البحر الأبيض المتوسط، هو “فيلق الشام”، المنتمي لجماعة الإخوان. وقبل أيام من اعتقال عزت، احتجت الولايات المتحدة بشدة على اجتماع أردوغان مع زعيم حركة “حماس”، الجناح الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، المصنّف دوليًّا كجماعةٍ إرهابية.
ونظرًا لإيواء المتطرفين واستخدامهم في أنشطة مزعزعة للاستقرار من شرق البحر الأبيض المتوسط ومصر إلى فلسطين وسوريا، بدأ بعض الباحثين مقارنة تركيا مع باكستان، وهي دولةٌ أخرى مثيرة للمشكلات للغاية تصنّف رسميًّا في معسكر الحلفاء للغرب. والآن يعتمد الكثير مما سيحدث على رد فعل الغرب. وتعترض جوقة كبيرة من الباحثين والمهتمين على اللجوء لخيارات قسرية بسبب أهمية تركيا لحلف الناتو، لكن ينبغي الإشارة هنا إلى أن أسلوب الاسترضاء قد اُتبع مع باكستان ولم يحفّزها على انتهاج سلوك أفضل.
المصدر: عين أوروبية على التطرف