الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

 تحوُّل ليبيا إلى بؤرة توتر ثانية بين روسيا وتركيا

كيوبوست

اتّهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت الماضي، روسيا بأنها تدير النزاع الدائر في ليبيا “على أعلى مستوى”، وذلك في ظل استمرار التوتر بين أنقرة وموسكو في سوريا[1]. كما تتزامن هذه التصريحات مع تطورَين مهمَّين؛ هما: انهيار الهدنة في ليبيا وتجدد الاشتباكات بين طرفي الصراع في طرابلس، وإصدار مجلس الأمن القرار رقم 2510 الذي يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار والالتزام بحظر التسليح. وتثير التطورات السابقة التساؤل حول أسباب الاتهامات التركية لموسكو في هذا التوقيت، وانعكاساتها على سير المعارك هناك.

اقرأ أيضًا: خبير سعودي: روسيا اللاعب الأكثر ذكاءً في الأزمة الليبية

أبعاد السياسات التركية

تسعى أنقرة من خلال مهاجمتها روسيا صراحةً إلى تحقيق عدد من الأهداف التي ترتبط بسياستها في ليبيا، والتي تتمثل في التالي: 

وقف إطلاق النار في ليبيا: تدرك أنقرة أن استئناف العمليات العسكرية في ليبيا لا يخدم مصالحها في الوقت الحالي، ولذلك عمدت إلى تسليط الضوء على تورط روسيا في الصراع الليبي من خلال التركيز على شركة “فاجنر” الخاصة، والتي تتهمها أنقرة بتقديم الدعم العسكري إلى حفتر، وتهدف أنقرة من ذلك إلى محاولة تعبئة المجتمع الدولي للضغط على موسكو؛ لوقف تدخلها في الأزمة الليبية.

اقرأ أيضًا: إدانة أممية لخرق تركيا قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا

ويمكن إرجاع رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تجميد الصراع الليبي، وإن مرحليًّا، للأسباب التالية؛

أولًا: الانكشاف التركي في سوريا وليبيا. ففي سوريا، وضح تواضع أداء الجيش التركي وحلفائه من التنظيمات الإرهابية في مواجهة الجيش السوري، فعلى الرغم من التهديدات التركية، والدعم الذي قدمته إلى هيئة تحرير الشام، الموالية لـ”القاعدة”، فقد استمر النظام السوري في تحقيق مكاسب ميدانية واضحة، نتج عنها السيطرة على مناطق وطرق استراتيجية في ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب[2]. ولا يتوقع أن تتمكن أنقرة من تحقيق أي تقدم عسكري يُذكر؛ خصوصًا أن روسيا تقوم بتأمين الأجواء السورية باستخدام نُظم دفاعها الجوي المتطورة، أي أن الجيش التركي لن يستطيع تقديم أي غطاء جوي؛ سواء لقواته الخاصة التي نشرها في داخل الأراضي السورية، أو حتى لحلفائه من التنظيمات الإرهابية.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان – سبوتنيك

ومن جهة ثانية، تداعت الحملات الإعلامية النفسية التي شنَّتها وسائل الإعلام التركية والقطرية؛ خصوصًا في ما يتعلق بالمبالغة في تقدير قوة الجيش التركي، فقد أشارت تقارير إعلامية تركية وقطرية إلى دخول أكثر من ألف آلية عسكرية تركية إلى الأراضي السورية حتى 10 فبراير[3]، وذلك في الوقت الذي أكدت فيه روسيا إدخال تركيا نحو 70 دبابة ونحو 200 مدرعة و80 مدفعًا فقط، وأن جزءًا كبيرًا من هذه المعدات جرى تسليمه إلى مسلحي “تحرير الشام” الإرهابي[4]؛ وهو ما يشير إلى مبالغة أنقرة في تصوير حجم تدخلها العسكري، بهدف ردع النظام السوري عن استئناف عملياته القتالية، ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية أخفقت مع تطوير الجيش السوري لهجومه العسكري ونجاحه في السيطرة على مناطق استراتيجية على الرغم من التهديدات المتتالية لتركيا بالتدخل المباشر.

وبالمثل، فإن تجدد العمليات القتالية في طرابلس دون نجاح الميليشيات والمرتزقة التابعين لحكومة الوفاق في تعديل الوضع الميداني لصالح “الوفاق”، يكشف عن إخفاق تركيا، حتى الآن، في تقديم دعم عسكري يعتد به يسهم في تعديل ميزان القوى العسكرية على الأرض، لصالح حلفائها من التنظيمات الإرهابية.

عملية نقل مرتزقة إلى ليبيا تتواصل- المصدر: “المرصد السوري لحقوق الإنسان”

وثانيًا: تلاشي التوافقات الروسية- التركية المحدودة، فقد سعت أنقرة للتفاوض مباشرةً مع موسكو؛ للضغط على الأسد من أجل وقف عملياته العسكرية في إدلب، وهو ما رفضته موسكو، بل وأكد الكرملين أن أنقرة أخفقت في الالتزام بتعهداتها بنزع سلاح الإرهابيين، وعدَّت ذلك أمرًا غير مقبول[5].

ومن المرجح أن يتكرر الموقف الروسي في ليبيا؛ خصوصًا بعد امتناع روسيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2510، والداعي إلى وقف إطلاق النار في ليبيا؛ إذ أكد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، أن “الليبيين فقط هم مَن يجب أن يتخذوا القرار بشأن بلادهم”[6]، وهو ما يؤشر على اتجاه روسيا إلى الاستمرار في دعم الجيش الوطني الليبي؛ وهو ما دفع أنقرة إلى مهاجمة روسيا؛ خصوصًا مع غياب أية قدرة لها للتأثير على قرارات الكرملين حيال الأزمتَين الليبية والسورية.

اقرأ أيضًا: فرص نجاح الوساطة الروسية- التركية في وقف إطلاق النار في ليبيا

وثالثًا: فإنه من غير الوارد أن تتجه أنقرة إلى شن عمليات عسكرية على جبهتَين بصورة متزامنة؛ أي في الأراضي السورية والليبية، خصوصًا أن الجبهة الثانية، ممثلة في طرابلس، تقع على بُعد آلاف الكيلومترات من الأراضي التركية، ولم تستطع أنقرة أن تقيم خطوط إمداد مباشرة ومستقرة إلى حلفائها من التنظيمات الإرهابية هناك.

وفي ضوء العوامل الثلاثة، تسعى أنقرة إلى الضغط على المجتمع الدولي باستخدام “التهديد الروسي”؛ لمحاولة تجميد الصراع هناك، حتى لا ينهزم حلفاؤها في أية معارك عسكرية في ليبيا؛ بما يمثله ذلك من انتكاسة كبيرة لنفوذها الإقليمي.

اقرأ أيضًا: لُعبة الإخوة الأعداء والأجندات الخفية لأردوغان وبوتين في سوريا

محاولة الحصول على دعم الغرب: تعكس تصريحات الرئيس التركي استمرار نفس النهج الذي طالما اتبعه؛ وهو اللعب على المتناقضات الدولية، وذلك من خلال إلقاء الضوء على الدور الروسي في ليبيا، على نحو يدفع الولايات المتحدة، والتي تتوجس من هذا الدور، إلى دعم أنقرة في تحركاتها على الساحة الليبية، بما يستتبعه ذلك من التغاضي عن إرسال الإرهابيين والمرتزقة السوريين إلى طرابلس، وتقديم الدعم العسكري لهم.

البرلمان التركي يوافق على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا – وكالات

فقد أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي روبيرت أوبرايان، في 12 فبراير الجاري، أن الولايات المتحدة لا تنوي القيام بأي تدخل عسكري في منطقة إدلب في شمال غرب سوريا، مؤكدًا في الوقت ذاته أن واشنطن لن تلعب دور “شرطي العالم”، وذلك بالتوازي مع التصعيد العسكري بين الجيشَين التركي والسوري[7]؛ وهو ما يعني في التحليل الأخير أن رهان أنقرة على واشنطن في الملف الليبي لن ينجح كذلك، خصوصًا أن تسليح الإرهابيين في طرابلس سوف يمثل تهديدًا مباشرًا على الأمن الأوروبي، بحكم التقارب الجغرافي بين ليبيا ودول جنوب أوروبا؛ خصوصًا إيطاليا.

وتجدر الإشارة هنا إلى محاولة الرئيس التركي توظيف ورقة حقوق الإنسان؛ من أجل إضفاء شرعية على تدخلاته العسكرية في الإقليم، وذلك من خلال تغليفها باعتبارات إنسانية زائفة، والحصول على دعم الغرب؛ فقد واظبت حكومة الوفاق ومن خلفها الداعمون الإقليميون، وتحديدًا تركيا وقطر، على اتهام قوات حفتر بارتكاب جرائم حرب، وأنها تقوم باستهداف المدارس والمستشفيات[8]؛ في محاولة لإيجاد مناخ دولي متعاطف مع تلك الادعاءات، ويفرض ضغوطًا على حفتر لوقف عملياته العسكرية ضد الجماعات الإرهابية.

اقرأ أيضًا: “إس- 400” تزيد حيرة أردوغان.. العداء مع روسيا أم أمريكا؟

ولا تتسامح هذه الادعاءات مع الجرائم التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية في سوريا، والتي نقلت أنقرة جانبًا منها إلى العاصمة الليبية طرابلس، كما أن ميليشيات طرابلس نفسها متهمة بارتكاب جرائم حرب في ليبيا، والتي كان آخرها إعلان المفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين أنها ستغلق مركز التجميع والمغادرة لعبور المهاجرين في العاصمة الليبية طرابلس بعد بناء أرضية للتدريب العسكري خارج المبنى، ومن ثَمَّ تحويله إلى “هدف” عسكري؛ بما يمثله ذلك من انتهاك لقوانين الحرب المعمول بها دوليًّا، والتي تحظر تحويل المناطق المدنية إلى عسكرية؛ حتى لا يتم استهدافها.

العودة إلى الحسم العسكري

في ظل استمرار تركيا في نقل الإرهابيين والمرتزقة السوريين إلى طرابلس، ومساعيها لتوظيفهم لدعم ميليشيات “الوفاق”، لجأ الجيش الوطني الليبي إلى احتواء التحركات التركية، وذلك عبر ما يلي:

ظهور مقلق للتنظيمات الجهادية في ليبيا- وكالات

تحرير طرابلس: أكد قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، في خطاب عبر الهاتف إلى الليبيين، الذين خرجوا للتظاهر ضد التدخل التركي في البلاد بساحة الكيش وسط بنغازي، إنه لا رجوع عن تحرير العاصمة طرابلس وبلوغ الهدف الذي حددته القوات المسلحة، مؤكدًا أن الحديث عن وقف دائم لإطلاق النار وسلام لا يمكن أن يأتي إلا بعد القضاء على الميليشيات المسلحة وطرد المرتزقة[9]، بما يرتبه ذلك من استئناف العمليات القتالية من جديد. ومن الملاحظ أن تصريحات حفتر مثَّلت أول رد رسمي على قرار مجلس الأمن الدولي الذي دعا إلى وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا[10].

السيطرة على موارد البلاد النفطية: قام الجيش الوطني الليبي بإغلاق مرافئ النفط، الواقعة تحت سيطرته؛ نظرًا لأن عائداته تذهب إلى حكومة الوفاق[11]، والتي تستخدمها، ليس فقط في دعم الميليشيات الخارجة عن شرعية الدولة الليبية، ولكن كذلك من أجل دفع الأموال اللازمة من أجل استقدام المرتزقة السوريين وتمويل التدخل العسكري التركي ضد إرادة الشعب الليبي. ومن المتوقع أن تشن تركيا وقطر هجومًا إعلاميًّا، تسعى من خلاله لتصوير وقف تصدير النفط على أنه يضر بالمواطنين، ويزيد تدهور الوضع الإنساني، غير أنه سيكون محتمًا عليهما في المدى القصير دعم حكومة الوفاق ماديًّا؛ بما يفرضه ذلك من أعباء إضافية على الاقتصاد التركي تحديدًا، خصوصًا أنه يعاني أزمة عميقة سببتها السياسات الاقتصادية الخاطئة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على مدى الأعوام السابقة.

اقرأ أيضًا: أردوغان يواصل مغامرته “المتهورة” في ليبيا

ومن ثَمَّ فإنه في حالة الوصول إلى وقف إطلاق النار مجددًا؛ فإن حكومة الوفاق سوف تكون خسرت العائدات المالية، ومن ثَمَّ ستتحول إلى عبء اقتصادي على داعميها الإقليميين؛ خصوصًا أن المناطق المحدودة الخاضعة لسيطرة “الوفاق” لا تنتج سوى 163 ألف برميل يوميًّا، وذلك بعد أن كان إجمالي الإنتاج الليبي يُقدر بنحو 1.2 مليون برميل يوميًّا[12].

فرص نجاح أوروبا في حظر توريد الأسلحة

في الوقت الذي يتواصل فيه الصراع الليبي، تسعى الدول الأوروبية إلى لعب دور أكثر فاعلية؛ خصوصًا مع تردد واشنطن في التدخل في الأزمة اللبيبة، حتى الآن؛ فقد أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتقديم المساعدة في تنفيذ وقف إطلاق النار في ليبيا وَفقًا لطلب أممي، مضيفًا أن دول الاتحاد الأوروبي ستبحث، الإثنين المقبل، المساهمة في تنفيذ حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا[13].

إرسال المقاتلين إلى معسكرات التدريب في ليبيا- وكالات

وبطبيعة الحال، فإن هذا سوف يفرض على أوروبا أعباءً أمنية، تتمثل في نشر قوات بحرية وجوية لمراقبة السواحل البحرية والأجواء الليبية؛ لضمان عدم إرسال الدول الإقليمية الداعمة لطرفَي النزاع أسلحة إلى ليبيا، غير أن الدول الأوروبية لا تمتلك القدرات العسكرية التي تؤهلها لمراقبة الأجواء الجوية؛ نظرًا لمساحة ليبيا الواسعة، كما أن محاولة الدول الأوروبية التوافق على القيام بهذا الدور سوف تستغرق وقتًا طويلًا؛ نظرًا للانقسامات بين القوى الرئيسية في الاتحاد، خصوصًا فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى تردد الدول الأوروبية في تخصيص جانب من قواتها العسكرية لصالح الانخراط في عمليات عسكرية خارج حدود الاتحاد الأوروبي.

ومن جهة ثالثة، اقترح النائب البارز عن الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم وعضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، رودريش كيزافيتر، في 16 فبراير، نشر قوة شرطية أوروبية للمساهمة في حفظ الأمن داخل ليبيا، مضيفًا أن نشر قوات حفظ سلام أوروبية هناك ليس مطروحًا للنقاش الآن، وهو مؤشر على صعوبة إنفاذ أي حظر للسلاح؛ بما يجعل الخيار العسكري هو المطروح حاليًّا، ما لم يقرر طرفا الصراع الجلوس على طاولة المفاوضات، وتقديم التنازلات المطلوبة.

اقرأ أيضًا: تراشق تركي- روسي بسبب ليبيا

وفي الختام، يمكن القول إن مراهنة أنقرة على توظيف “التهديد الروسي” من أجل دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعب دور أكبر لتجميد الصراع الليبي لم تنجح؛ سواء بسبب عدم رغبة واشنطن، حتى الآن، في لعب دور فاعل في ليبيا، أو بسبب افتقاد دول الاتحاد الأوروبي العزيمة السياسية والقوة العسكرية اللازمة لتعبئة مواردها الدفاعية لتنفيذ حظر جوي وبحري على ليبيا.

[1]) https://bit.ly/3bFaA9H

[2]) https://bit.ly/2UYKrg4

[3]) https://bit.ly/38AkcR9

[4]) https://bit.ly/38sNNvP

[5]) https://bit.ly/2SSKmYE

[6]) https://bit.ly/39Fp9bE

[7]) https://bit.ly/320QUsE

[8]) https://bit.ly/2HyXSeF

[9]) https://bit.ly/31XTe3q

[10]) https://bit.ly/2vyU5LP

[11]) https://www.bbc.com/arabic/middleeast-51522935

[12]) https://reut.rs/2SOt8vt

[13]) https://bit.ly/2vBIiwi

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة