الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

تحقيق صحفي جديد يتتبع ملاحقة السلطات التركية للصحفيين والناشطين خارج الحدود

مسؤول ألباني كبير: إردوغان يطلب منا "أشياء" لا نستطيع تلبيتها

ترجمة كيو بوست عن بلقان إنسايت 

“وجد العشرات من الصحفيين والناشطين الأتراك الهاربين من قمع الرئيس إردوغان ملاذًا في ألبانيا، ولكن العلاقات “الأخوية” بين أنقرة وتيرانا تجعلهم على المحك”، هذا ما خلص إليه التحقيق الصحفي الذي أجرته مؤخرًا شبكة “بلقان إنسايت” المتخصصة في إجراء التقارير والتحقيقات الصحفية في منطقة البلقان.

على غرار الكثير من الأتراك، اضطرت “إيسن” وزوجها “حسين ساكنماز” إلى الفرار من الأراضي التركية باتجاه الجنوب، بعد أن لاحقتهما السلطات التركية لأسباب غير منطقية تتعلق بـ”الانقلاب” الفاشل عام 2016. وبعد قطع مئات الكيلومترات، وجد الزوجان أنفسهما في البلقان.

اقرأ أيضًا: كيف تستغل تركيا المساجد الأوروبية لتنفيذ نشاطات تجسسية واستخباراتية؟

اعتادت إيسن على ممارسة عملها المهني بشكل يومي في الأراضي التركية، إلى جانب تربيتها لثلاثة أطفال، قبل أن تجد نفسها أمام إجراءات قمعية من السلطات التركية في أواخر عام 2016. اضطرت إيسن إلى الهرب مع زوجها دون أطفالهما، بعد أن هرعت جماعة تابعة للنظام الحاكم لاعتقالهما، فتمكنا من مغادرة الحدود خفية في 30 آب/أغسطس عام 2016، قبل أن يلتئم شمل العائلة من جديد بعد عامين في العاصمة الألبانية.

حالة هذين الزوجين ليست إلا مثالًا واحدًا على مئات الحالات التي تدلل على القمع الحقيقي الممارس من النظام الحاكم ضد كل من يبدي آراء تختلف عن آراء الرئيس.

 

قمع وتعذيب

يفيد لنا شهود أتراك أن إردوغان شرع في إجراءات انتقامية عسيرة جدًا، شملت أشكالًا متعددة من القمع والتعذيب. وقد أفادت منظمة العفو الدولية في وقت سابق أن السلطات التركية سجنت أكثر من 50,000 مواطن بتهمة الارتباط بحركة غولن، بينما جرى تسريح أكثر من 130,000 جندي من الجيش والشرطة والخدمة المدنية والأوساط الأكاديمية.

وقد حصلنا على معلومات تؤكد هرب الكثيرين من الأتراك سرًا عبر الحدود، وأن أكثر من 14,000 تركي يبحثون اليوم عن لجوء في دول الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضًا: بدعم استخباراتي تركي: “ديانت” تغسل أدمغة السوريين

لجأت حوالي 60 أسرة تركية على الأقل إلى ألبانيا، وهي دولة ذات أغلبية مسلمة كان يحكمها الأتراك العثمانيون، لكنها الآن عضو في الناتو ومرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي. واليوم، تتعايش الأسر التركية الهاربة مع الجالية التركية المليئة بالمعلمين والإداريين العاملين في المدارس الألبانية منذ التسعينيات.

وبعد حديثنا مع الكثير من الأتراك الفارين إلى ألبانيا، وجدنا أن الحكومة التركية تعتبر “إيسن” وأقرانها “إرهابيين”، وأنها تمارس ضغوطًا حثيثة على حكومة ألبانيا وحكومات أخرى في البلقان لتسليم الأتراك الفارين. وبحسب معلوماتنا، لا تزال ألبانيا تقاوم هذه الضغوط، إلا أن الجالية التركية لا تزال تعيش في خوف شديد.

 

ملاحقة خارج الحدود

وبحسب شهادة الكثير من الأتراك الذين قابلناهم على مدار أشهر، فإن النظام التركي يلاحقهم حتى خارج حدود تركيا، ما حثهم على تأجيل طلبات اللجوء الرسمية حفاظًا على أمنهم الشخصي، نظرًا للنفوذ السياسي – الاقتصادي التركي الممارس في منطقة البلقان. يقول لنا أحد الصحفيين الهاربين، يدعى إسماعيل ويبلغ من العمر 43 سنة: “إردوغان يعتمد على المال من أجل ملاحقتنا في الدول ذات الاقتصاد الضعيف، مثل ألبانيا”. وبرغم مقاومة حكومة ألبانيا لضغوط إردوغان، إلا أن هنالك إشارات على بداية رضوخ لطلبات الرئيس التركي، لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية التركية لألبانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وبعيدًا عن البيانات الرسمية والتصريحات الدبلوماسية، تشعر حكومة ألبانيا بالحيرة بين الحاجة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع أنقرة، ورضى الاتحاد الأوروبي عن سياسة البلاد في مجال حقوق الإنسان ومراعاة الفارين من حكم إردوغان. وقد اعترف لنا مسؤول كبير في الحكومة الألبانية، شريطة عدم الكشف عن اسمه، أن “القلق داخل الحكومة تعمق بشكل كبير في أعقاب زيارة وزير الخارجية التركي”. وأضاف المسؤول: “إردوغان يطلب منا أشياء لا يمكننا تلبيتها”.

اقرأ أيضًا: هذه هي “أمجاد” الدولة العثمانية التي يريد إردوغان استعادتها!

وقد تكثفت طلبات إردوغان من حكومة ألبانيا بخصوص المواطنين الأتراك الهاربين في أعقاب إرسال ملايين الدولارات على شكل استثمارات في تيرانا، وهذا ما شهد به لنا أحد رجال الأعمال الأتراك الكبار. وأضاف شهود آخرون أن السلطات التركية عملت على تجميد الحسابات المصرفية الخاصة بالفارين، ما جعل حياتهم في بؤس شديد. ومع ذلك، هم لا يريدون العودة إلى بلدهم نتيجة لطبيعة التهديدات التي سمعوها من الضباط الأتراك.

ولكن ما يصدمنا بشكل كبير، وفقًا لمن تحدثنا معهم، هو أن جهاز المخابرات التركي عمل على تشويه سمعة المعارضين اجتماعيًا، ما جعلهم منبوذين في كثير الأحيان. يقول أحدهم: “جيراني طردوني من الشقة مع أطفالي بعد أن سمعوا ما سمعوه من السلطات”. بينما يقول آخر: “أقاربي طلبوا مني قطع علاقاتي معهم خوفًا من ملاحقة السلطات لهم”.

 

ذراع القانون التركي الطويلة

تعمل الحكومة التركية على تحريض بعض الحكومات على طرد أو تسليم المعارضين الأتراك تحت ذريعة “أعداء هاربين”، بعد الانقلاب الفاشل. لكن الغريب في الأمر هو أن قوائم المطلوبين شملت أسماء أتراك غادروا البلاد قبل سنوات من “محاولة الانقلاب”. وبالطبع، رضخت بعض الحكومات، وسلمت 100 تركي إلى سلطات النظام التركي، بمن فيهم 6 مدرسين في كوسوفو، في عملية شاركت فيها المخابرات التركية في مارس/آذار 2018.

اقرأ أيضًا: تركيا تستغل قضية خاشقجي لضرب معارضيها بالداخل

يقول الرئيس السابق لصحيفة “زمان” التركية، عبد الله بوزكورت: “الحكومة التركية تستخدم كل الأساليب والتكتيكات من أجل القبض على الناشطين أو المعارضين”. وبالفعل، غادر بوزكورت الأراضي التركية إلى جانب 47 زميلًا له في أعقاب حملة تعذيب وتشويه من قبل السلطات، ثم حصل على لجوء في السويد. وبحسب صحفيين آخرين هربوا من النظام الحاكم، فإن “السلطات التركية تعتمد على العقود والمال والمصالح والاتفاقات من أجل إقناع الحكومات بتسليم الصحفيين والناشطين الأتراك”. ووفقًا لبوزكورت، فإن “السفارات التركية اتجهت مؤخرًا نحو حملة من الترهيب تستهدف المنفيين الأتراك”. ويبدو أن هذا “التخويف” يهدف كذلك إلى لجم الصحفيين الذين لا يزالون يقيمون في تركيا حتى هذا اليوم.

وخلال حديثنا مع أحد الصحفيين الأتراك الناشطين، قال لنا: “هددني أحد الضباط بالقول إننا سنلاحقك حتى لو كنت خارج البلاد، ولن تكون آمنًا خارج حدودنا، سوف نتعقبك ونعاقبك ونسجنك ولن ترى النور بعد اليوم”. بينما قال صحفي آخر: “بسبب هذه التهديدات لا نستطيع المشي في المدينة دون مرافقين”.

 

المصدر: شبكة “بلقان إنسايت” للتحقيقات الصحفية

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة