الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
تحذيرات من اندلاع ثورة فقراء في إيران
وفقاً لاقتصاديين ومختصين، ارتفعت معدلات الفقر في إيران بنسبة 10% منذ تولي الحكومة الحالية السلطة في البلاد؛ أي في غضون سنة ونصف السنة فقط.

كيوبوست- إبراهيم المقدادي
لم تعد مشكلة الفقر في إيران كمثيلتها في باقي دول العالم؛ بل إن تصاعدها إلى حد 70%، على الرغم من الموارد الهائلة للبلاد، دق ناقوس خطر الغضب الشعبي، فتحولت إلى أزمة بجذور عميقة تشعبت عنها أزمات ومشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية، وأضحت أهم عوامل ومسببات ثورة شعبية بدأت ملامحها باحتجاجات شعبية بين الفينة والأخرى، مع تقلُّص المسافات الزمنية بينها في السنوات الأخيرة؛ ما جعل عدداً من المختصين الإيرانيين يحذرون من اندلاع ثورة جياع في المستقبل القريب.
وفي هذا السياق، فحص الدكتور جواد صالحي أصفهاني، (اقتصادي وأستاذ بجامعة فرجينيا للتكنولوجيا)، في مقال له بعنوان “تأثير العقوبات على رفاه الأسرة والتوظيف في إيران“، جانبَين مهمَّين من جوانب رفاهية الأسرة؛ وهما الاستهلاك والتوظيف، بعد عقد على العقوبات.
وجاء في نتيجة هذا المقال أن الحرب العراقية- الإيرانية، وإعادة الإعمار بعد الحرب، والعقوبات، كانت أهم ثلاثة عوامل أدت إلى هذه الزيادة المقلقة لمعدل الفقر في إيران، وأن جميع ما ذُكر من أسباب يُعتبر نتاج فشل وسوء إدارة للبلاد داخلياً وخارجياً.
اقرأ أيضاً: الأوضاع الاجتماعية في إيران… صراع الأجيال يقسّم المجتمع
معدل خط الفقر في هذا البحث هو النسبة المئوية للأشخاص الذين يكون دخلهم الفردي أقل من خط الفقر الدولي البالغ 5.50 دولار يومياً، استناداً إلى معيار تعادل القوة الشرائية الذي وضعه البنك الدولي للدخل المتوسط إلى المرتفع.
تعادل في الفقر بين المدن والأرياف
حتى عام 2000، كان معدل الفقر في المناطق الحضرية بإيران أعلى منه في المناطق الريفية؛ ولكن في عام 2020 كان نفس العدد من الفقراء يعيشون في المناطق الحضرية والريفية. وفي هذا العام، ومن بين نحو 20 مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع، كان نحو النصف في المناطق الحضرية، والنصف الآخر في القرى والضواحي.

من ناحية أخرى، وكما هو متوقع، شهدت معدلات الفقر في المناطق الريفية مقارنةً بالمناطق الحضرية؛ خصوصاً طهران، تقلبات أكثر شدة، بالإضافة إلى كونها أعلى. وشهدت جميع المناطق (الريفية والحضرية) انخفاضاً في معدلات الفقر خلال الأعوام من 2000 إلى 2007، عندما كانت عائدات النفط مرتفعة ومتنامية.
كذلك؛ كان معدل الفقر مستقراً ومنخفضاً نسبياً حتى عام 2012، وهو العام الذي فرضت فيه إدارة أوباما مزيداً من العقوبات على إيران، وزادت بعد ذلك. كما أن تأثير برنامج التحويلات النقدية (الدعم النقدي) الذي بدأته حكومة أحمدي نجاد، في عام 2010، كان أثره واضحاً في خفض معدل الفقر خلال عامَي 2011 و2012، على الرغم من تشديد العقوبات وركود الاقتصاد.
اقرأ أيضاً: 3 تحركات لنظام الملالي جعلت الفقر يستشري في إيران
قفزة الفقر
بعد عام 2012، بدأت جميع معدلات الفقر في الارتفاع في إيران؛ حيث شهد الفقر الريفي أعلى زيادة، ويتجلى التأثير المتعمق للأزمة الاقتصادية في أعقاب حملة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب، على معدلات الفقر؛ حيث قفز معدل الفقر على مستوى البلاد سريعاً من 8.3% في عام 2017 إلى 14% في عام 2020، وهذه الزيادة البالغة 5.7 نقطة مئوية في معدل الفقر تعني أن 5 ملايين إيراني أصبحوا فقراء في ثلاث سنوات فقط.
خلال السنوات الأربعين الماضية، زاد معدل الفقر مرتَين أكثر؛ مرة واحدة في منتصف الثمانينيات، نتيجة الدمار الذي سببته الحرب مع العراق، ومرة أخرى في منتصف التسعينيات عندما تسببت إعادة الإعمار بعد الحرب في الركود، في حين أن السبب الأكثر وضوحاً لزيادة الفقر في المناطق الريفية بعد عام 2012 هو الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تشديد العقوبات.
اقرأ أيضاً: احتجاجات إيران الشعبية.. كرة الثلج تتدحرج وتكبر!
تجدر الإشارة إلى أن عوامل أخرى؛ مثل فشل السياسات الحكومية، وسوء إدارة الاقتصاد، وتفشي الفساد المالي والإداري والاقتصادي، ووقوع ثلثي اقتصاد البلاد بأيدي المرشد والحرس الثوري.. وغيرها؛ كان لها أثر واضح في ارتفاع معدلات الفقر في إيران.
وعلى الرغم من كل ذلك؛ فلا يزال مسؤولو النظام الإيراني يتبجحون بعدم تأثير سياساتهم -التي لم تأت إلا بويلات العزلة والعقوبات- على الداخل الإيراني، ويعلقون فشلهم على شماعات إقليمية ودولية، ويروجون لوجود مؤامرة كونية تتربص بالأمة الإيرانية.
تحذيرات من ثورة فقراء
في كل عام، ومع بداية السنة الإيرانية الجديدة (بدأت في 21 مارس الماضي)، يرتفع التضخم بشكل كبير في إيران. وفي المقابل؛ يتزايد الجدل والصراع بين مجتمع الكسب المحدود وأرباب العمل والتجار من جهة، والحكومة والبرلمان من جهة أخرى.
في موازنة العام الإيراني الحالي، وافقت الحكومة على زيادة الرواتب بنسبة 20%؛ الأمر الذي واجه الكثير من الانتقادات، لأن زيادة الرواتب بنسبة 20% مع تضخم يزيد على 45%، وسعر دولار وصل إلى أكثر من 50 ألف تومان.. إلخ، ليس منطقياً مطلقاً.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس نقابة قدامى الطبقة العمالية في إيران، حسن صادقي: وصل عدد السكان الفقراء في البلاد إلى أكثر من 35%؛ ما يعني أن ثلث الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، والأهم من ذلك أن عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، أحمد توكلي، قد حذر النواب مؤخراً، وقال: “أعزائي النواب، لا تفعلوا شيئاً يشعل ثورة الفقراء ضدنا؛ لأنهم لن ينتظروا طويلاً“.

خط الفقر ما بين 14 و18 مليون تومان
استضافت وزارة العمل، مؤخراً، اجتماعاً مشتركاً بين وزراء العمل والصحة ورئيس منظمة البرامج والميزانية في البلاد؛ حول موضوع “توفير موارد العلاج المجانية في المناطق الريفية الأقل حظاً”، وبناء على طلب وزير الصحة، غادر الصحفيون الاجتماع. ووفقاً لتقرير وزارة العمل، يبلغ خط الفقر في طهران والمدن الكبرى نحو 14.5 مليون تومان لكل أسرة؛ ما يعني وجود أكثر من 10 ملايين فقير في إيران، غير أن التقارير تؤكد أن الأرقام ضعفا ذلك؛ وهي فجوة تفوق الضعف بين الحد الأدنى لدخل الأشخاص فوق خط الفقر في طهران والمدن والمناطق الهامشية، وهذا مع مراعاة الأسعار الثابتة للغذاء والملابس والمواصلات والصحة؛ وهو أمر خطير للغاية.
اقرأ أيضاً: قادة النظام الإيراني يمولون الإرهاب بينما ينهار الاقتصاد
في هذا السياق، قال حسن صادقي، رئيس نقابة قدامى الطبقة العمالية، حول تحديد خط الفقر: أظهر أعضاء وممثلو العمال في المجلس الأعلى للعمل، بحساباتهم، أن خط الفقر المزعوم للحكومة يجب أن يكون 18 مليون تومان، وليس 14 مليوناً، وهو الحد الأدنى لسلة التمويل لأُسرة مكونة من 3 أشخاص؛ ما يعني أن أكثر من نصف الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، ولا يستطيع توفير احتياجاته الأساسية.
10% نمو خط الفقر خلال عام ونصف
وفقاً لحسابات الاقتصاديين والمختصين، فإن معدلات الفقر قد ارتفعت بنسبة 10% منذ تولي الحكومة الحالية السلطة في البلاد؛ أي في غضون سنة ونصف السنة فقط. وتؤكد التقارير أنه مهما كان صغر حساب خط الفقر المطلق مع الحسابات المتاحة، فإنه سيظل أعلى من 20 مليون نسمة من بين نحو 84 مليون نسمة، والفقر النسبي يزيد على 40 مليون نسمة، كما أنه يجب أن نضع في الاعتبار أن الحد الأدنى للأجور الحالي، البالغ 6 ملايين تومان، يجب أن يكون أعلى من 10 ملايين تومان، وإلا فإن الحكومة ستجبر أصحاب الأجور على الهبوط تحت خط الفقر! حيث إن 57% من العاملين في إيران هم من أصحاب الحد الأدنى للأجور ويتقاضون حالياً ما بين 5 ونصف إلى 7 ملايين تومان فقط.

وبناء على ما سبق من تحذيرات وإحصائيات، فإن عام 2023 سيكون صعباً للغاية بالنسبة إلى إيران، ومع استمرار تفاقم معدلات الفقر والبطالة، ووجود ميزانية قاصرة وعاجزة عن تلبية نفقات الدولة؛ فإن المرجح أن تندلع الاحتجاجات مرة أخرى، ومن المحتمل أن تتحول إلى ثورة فقراء وجياع؛ وهو ما حذر منه عدد من المختصين والنشطاء الإيرانيين خلال الفترة القليلة الماضية.