الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

تبني الاعتدال: الأزهر المصري والمدارس الإسلامية الإندونيسية

علاقات وثيقة بين الأزهر والمراكز الإسلامية في إندونيسيا ساهمت في نشر مفاهيم الاعتدال

ترجمة كيوبوست –

المصدر: مراكز دراسات “ميدل إيست إنستيتوت” الأمريكي، بقلم الباحث الإسلامي في جامعة فكتوريا النيوزلندية، فرايد ساينونغ.

يستكشف هذا المقال الروابط الفردية والمؤسسية بين الأزهر والعديد من المؤسسات الإسلامية المحلية في إندونيسيا، لا سيما تلك القائمة في مقاطعة سولاوسي الجنوبية، من بينها “دار الدعوة والإرشاد”، و”الأسعدية”، صاحبتا العلاقات القوية مع الأزهر المصري.

لقد تأثرت العديد من أجزاء الإسلام الإندونيسي اليوم بشكل مباشر بالتفسيرات المصرية للإسلام، المدعومة في الغالب من قبل المؤسسات الأزهرية. الآلاف من خريجي الأزهر يخدمون الإسلام والمجتمعات المسلمة في إندونيسيا منذ أكثر من قرنين. التأثير لا يقتصر فقط على الأمور الدينية، بل يمتد إلى الثقافة والسياسة الإندونيسية كذلك. على سبيل المثال، جرى جلب الفكرة المبكرة للقومية الإندونيسية من مصر بشكل أساسي، فضلًا عن مصادر أخرى.

وقد كانت فكرة القومية خطابًا شائعًا في أوائل القرن العشرين في مصر. في ذاك الوقت، أمضت شخصيات إندونيسية رئيسة سنوات طوال في مصر من أجل الدراسة، شملت العديد من النخب السياسية والدينية، مثل وزير الشؤون الدينية محمد رشيدي (1915 -2001)، ورئيس جامعة شريف هداية الله الإسلامية في جاكارتا هارون ناسونيون (1919 – 1998)، ووزير الشؤون الدينية، السفير لدى مصر محمد قريش شهاب (مواليد عام 1944)، ورئيس إندونيسيا السابق عبد الرحمن وحيد (1940 – 2009)، ووزير الشؤون الخارجية علوي شهاب (مواليد 1946)، وغيرهم.

اقرأ أيضًا: قبل عبد الناصر بسنوات طويلة: كيف ومتى نشأت القومية العربية؟

كما لعب أزهريون إندونيسيون آخرون أدوارًا بارزة في تطوير مؤسسات جماهيرية إسلامية، مثل جمعيتي “المحمدية التجديدية” عام 1912، و”نهضة العلماء” عام 1926. علاوة على ذلك، ساهم الأزهر في صعود علماء معاصرين كبار مثل “توان غورو باجانج” و”موشليس هنافي” و”إيفا نيسا”، وأيضًا روائيين مثل “حبيب الرحمن الشيرازي” و”عبد الرحمن المشري”، وكذلك غيرهم من النجوم الصاعدين في الأوساط الأكاديمية الإندونيسية.

وعلى المستوى السياسي، قدّم الطلاب الإندونيسيون في مصر إسهامًا ملموسًا لوطنهم، من خلال تحقيق الاعتراف المصري الرسمي باستقلال إندونيسيا؛ فبعد إعلانها الاستقلال في 17 آب/أغسطس 1945 مباشرة، أسس طلاب إندونيسيون في مصر “جمعية استقلال إندونيسيا”، ثم قاموا بنشر نبأ الاستقلال إلى الشعب المصري من خلال وسائل الإعلام، لا سيما صحيفة الأهرام اليومية، وذلك في شهر أيلول/سبتمبر 1945. وبعد ذلك مباشرة، أعلنت وزارة الخارجية المصرية اعترافها الرسمي بـ”جمعية استقلال إندونيسيا” في 22 آذار/مارس 1946، واعتمدتها كممثل رسمي للحكومة الإندونيسية المستقلة. وفي الخامس عشر من آذار/مارس 1947، ألقى ممثل الملك فاروق والجامعة العربية، عبد المنعم، خطابًا يعترف فيه رسميًا باستقلال إندونيسيا. وبعد ذلك بثلاث سنوات، جرى افتتاح السفارة الإندونيسية في القاهرة، بوجود السفير الإندونيسي الأول، خريج الأزهر، محمد رشيدي، وذلك في الخامس والعشرين من شباط/فبراير 1950.

هذه الشبكة ليست مبنية على العلاقات الشخصية فحسب، بل إن بعض المؤسسات الوطنية الإسلامية الإندونيسية تتمتع بعلاقات مؤسسية وتعاون وثيق مع الأزهر في مصر، تشمل المؤسسات في مناطق جاوة، وسومطرة، وكاليمنتان، ونوسا تينجارا. وبالطبع، يجري الحفاظ على هذه الروابط حاليًا من قبل 3000 طالب إندونيسي يدرسون هناك.

 

الأزهر والمدارس الداخلية الإسلامية في سولاوسي الجنوبية

انحدر غالبية الطلاب الإندونيسيين القدماء في القاهرة من سومطرة، لكن مقاطعة سولاوسي الجنوبية شكلت النسبة الأكبر في عدد الطلاب الإندونيسيين في الأزهر بدءًا من عام 2000. يرتبط هؤلاء الطلاب بمجموعة تسمى “الوئام العائلي” في مصر، بعضهم حصلوا على منح دراسية مصرية، وبعضهم ذهبوا إلى القاهرة مبتعثين من قبل المدارس الإسلامية الداخلية في إندونيسيا.

وفيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية الإسلامية، تشتهر سولاوسي الجنوبية بشبكتين محليتين، هما “العلماء” و”المدارس الداخلية الإسلامية”: الأسعدية في مقاطعة سينغانغ، ودار الدعوة والإرشاد في مانغوسو وباري باري. تأسست الأسعدية عام 1929، ووفقًا لتقرير صدر عام 1992، كان هناك أكثر من 462 فرعًا للمدارس الأسعدية في جميع أنحاء إندونيسيا، بدءًا من الروضة، ومرورًا بالمدارس الثانوية ووصولًا إلى المستوى الجامعي. أما دار الدعوة والإرشاد، فتأسست عام 1938، وامتدت على مستوى البلاد ليصل عدد مدارسها إلى أكثر من 1025 مدرسة عادية، و75 مدرسة إسلامية داخلية، و15 جامعة، و453 مجلس فرعي.

من الجدير ذكره في هذا السياق أن علماء هذه المؤسسات الإندونيسية كانوا قد درسوا في الأزهر منذ الستينيات، من بينهم “غوروتا عبد القادر خالد”، و”موداسير”، و”بصري داوود إسماعيل” و”نووي يحيى”، وغيرهم الكثيرون. كما قامت دار الدعوة والإرشاد بإرسال خريجيها من المدارس الإسلامية إلى الأزهر المصري عبر تعاون مؤسسي مكثف، سبق ذلك زيارة من قبل مؤسس “دار الدعوة”، السيد آمبو دالي، إلى شيخ الأزهر عام 1970. وقد كانت هذه هي الخطوة الأولى في تطوير العلاقات الخاصة بين دار الدعوة والأزهر. وقد شمل التعاون بين المؤسستين المصرية والإندونيسية تخصيص منح مصرية لخريجي دار الدعوة، وأيضًا إرسال مدرسين ومحاضرين مصريين للعمل في المدارس الداخلية في إندونيسيا. وقد قام الأزهر بتغطية جميع مصروفات السفر والرواتب.

لقد أدى التعاون مع الأزهر إلى إجراء تعديلات على المناهج التعليمية الإسلامية ومخططاتها في المدارس الداخلية الإسلامية التي تديرها دار الدعوة. في التسعينيات، عقدت وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية عددًا من الاجتماعات مع الأزهر، أسفرت عن موافقة المؤسسة المصرية على تولي الوزارة الإندونيسية مهمة معادلة الشهادات للطلاب الإندونيسيين. ومنذ ذلك الحين، واصل الأزهر تأثيره كنموذج رئيس للدراسات الإسلامية في إندونيسيا، كما أن التغييرات في المناهج الدراسية باتجاه الاعتدال وضعت بصمة واضحة في البلاد، إذ لحقت المدارس الإسلامية الإندونيسية بركب الأزهر في كل تغيير يخص أقسام كليات الشريعة والتفسير والحديث، وغير ذلك من المسائل.

 

الخلاصة

تظهر هذه الدراسة مدى تأثير الأزهر بانتشار الإسلام [المعتدل] والطريقة التي يدرس بها في إندونيسيا. لقد كان الأزهر دائمًا النموذج الأول لتطوير الدراسات الإسلامية في إندونيسيا. إن تأثيرات الأزهر متأصلة في الخريجين الذين عادوا لخدمة الإسلام والمسلمين في هذا البلد. لطالما كانت شخصيات الأزهر أمثلة يحتذى بها لدى الطلاب الإندونيسيين. ولا بد من الاعتراف بأن الطابع الوسطي المعتدل، المرتبط بالأزهر بشكل قوي، سيؤثر إيجابًا على المسلمين في إندونيسيا.

 

المصدر: مراكز دراسات “ميدل إيست إنستيتوت” الأمريكي

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة