الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجية

تأثير مليارات قطر في المملكة المتحدة: صمت إزاء تمويل التطرف

قطر تمول جمعيات بريطانية متطرفة يديرها أعضاء في الإخوان المسلمين

ترجمة كيو بوست عن مجلة “عين أوروبية على التطرف”

يعد التمويل الأجنبي للجماعات الإسلامية من أكثر المشكلات المثيرة للجدل والحساسية والغموض في مواجهة التطرف. القضية هنا لا تتمحور حول الأموال الإرهابية، التي يجري تعقبها في جميع أنحاء العالم منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر، بل بالجهات التي تقدم تلك الأموال للجماعات الإسلاموية المتطرفة. في الواقع، تتلقى بعض المراكز الدينية الأوروبية المتطرفة، والأنشطة المسببة للشقاق الاجتماعي، تمويلًا سخيًا من مانحين أجانب، بشكل قانوني وبدون أي عوائق.

في أسوأ الأحوال، يرتقي دعم المتطرفين إلى مستوى التدخلات المتعمدة غير المرحب بها في الشؤون الأمنية للدولة المضيفة. وفي أفضل الأحوال، يجري ارتكاب أخطاء بشكل بريء، ثم يتم تصحيحها.

اقرأ أيضًا: الخطر الإخواني: جيش من “الاحتياطيين” يداهم أوروبا تحت غطاء الديمقراطية

إن الشفافية هي مشكلة أخرى في هذا الخصوص؛ ففي كثير من الحالات، لا يجري الكشف حتى عن التبرعات المالية ذات القيمة الضخمة. علاوة على ذلك، قد يلجأ المستفيدون إلى حماية النشاطات المتطرفة، عبر وجه مبتسم مع الأصدقاء في السياسة المحلية والعمل الشرطي. تحتل بعض دول الخليج المقدمة في هذا المجال، عبر علاقات تجارية ودبلوماسية وأمنية حاسمة. يجري غض الطرف عن هكذا دول بسبب إغراءات في السياسة الخارجية والاستثمارات الكبيرة والتعاون الاستخباراتي الوثيق.

موقف المملكة المتحدة

إذا كنت تود معرفة المزيد حول التمويل الأجنبي للتطرف الإسلامي في المملكة المتحدة، فإن الحكومة ليست مستعدة لمساعدتك بأي عمق كان. لقد أجرت الحكومة مراجعة رسمية بهذا الخصوص، لكن ليس لديها الكثير لتقوله للجمهور. لم تفصح الحكومة حول هذا الموضوع المعقد سوى عن نتيجة المراجعة المذكورة، عبر بيان قصير مكون من 600 كلمة فقط عام 2017، أمام البرلمان. ولم يشر البيان إلى وجود أي “قلق”، بل قال: “بالنسبة لغالبية التنظيمات المتطرفة في المملكة المتحدة، فإن التمويل الأجنبي لا يعتبر مصدرًا مهمًا”.

كيو بوستس

وفي مداولة برلمانية عام 2017، أوضحت الحكومة أنها لن تخوض في تفاصيل رئيسة حول هذا الموضوع. وردًا على سؤال حول اجتماع بين مسؤولين في الخارجيتين القطرية والبريطانية في 7 يونيو/حزيران، فيما إذا خاضوا نقاشات حول قيام الدوحة بضخ أموال للإخوان المسلمين في المملكة المتحدة عبر جمعيات خيرية مسجلة، أجاب وزير الخارجية البريطاني بالقول إن “وزارتي الخارجية القطرية والبريطانية تتمتعان بعلاقات ثنائية وثيقة تسمح لنا بمناقشة مجموعة من القضايا. لم تكن هناك نقاشات حديثة بين مسؤولي الوزارتين حول هذا الموضوع”.

اقرأ أيضًا: صحف غربية: هكذا يستغل الإخوان المسلمون المساجد لأغراض حزبية وأيديولوجية 

إن ما سبق ليس إلا مثالًا على نمط بيانات الحكومة حول مراجعاتها للمجموعات المتطرفة. لقد أجرت المملكة المتحدة مراجعة رسمية حول جماعة الإخوان المسلمين في عام 2015، وأصدرت بيانًا حذر اللهجة للغاية، ولم تفصح عن التقرير الكامل المفصل الذي ظل سريًا حتى هذه اللحظة.

قطر والمملكة المتحدة – الجوانب العملية

بالنظر إلى حالة قطر، فإن لدى المملكة المتحدة أسبابًا عملية جيدة للحفاظ على علاقات ودية مع الدوحة. لقد استثمرت قطر 35 مليار جنيه إسترليني في المملكة المتحدة بحلول عام 2017، ووعدت بدفع 5 مليار أخرى خلال السنوات القادمة.

وهنالك تقارير حديثة تفيد أن قطر تمتلك عقارات في لندن أكثر مما تمتلكه الملكة نفسها. الممتلكات القطرية في لندن تشمل أطول ناطحة سحاب في أوروبا “ذي شارد”، ومباني مقرات مالية في “كناري وارف” وكذلك في مدينة لندن، وفنادق عدة بارزة من بينها فندق “كلاريدج”، والمركز التجاري الشهير “هارودز”، ومبنى السفارة الأمريكية السابق في منطقة “ماي فير”، الذي جرى تحويله إلى فندق فخم.

اقرأ أيضًا: هكذا يساهم الإخوان في تعزيز كراهية الإسلام في أوروبا

ومن ناحية التصدير، أعلنت الحكومة البريطانية في أيلول/سبتمبر 2018 عن صفقة بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني مع قطر، بشأن طائرات مقاتلة من طراز “تايفون”. وحينها، أثنى وزير الدفاع البريطاني على الاتفاق بالقول: “إنها دفعة قوية للصناعات الدفاعية البريطانية، ستساعد في توفير آلاف فرص العمل، وستسهم في زيادة الثقة بين المملكة المتحدة وقطر من أجل معالجة التحديات المشتركة، وتعزيز استقرار المنطقة، وتوفير الأمن للوطن”.

كما تستورد المملكة المتحدة كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال من قطر. في عام 2017، سيطرت قطر على قطاع استيراد الغاز المسال في المملكة المتحدة بحصة تبلغ 87% من جميع الإمدادات.

“نكتار ترست”

يمكن تحديد عمليات التمويل القطرية للمجموعات الدينية المتطرفة في المملكة المتحدة حتى دون مساعدة من الحكومة.

يمكن البدء من “نكتار ترست”، المؤسسة الخيرية البريطانية المسجلة، التي تدعهما “قطر الخيرية”. تأسست عام 2012، وحملت اسم “قطرية الخيرية” في المملكة المتحدة، قبل أن يجري تغيير اسمها إلى “نكتار ترست” في عام 2017.

تنخرط “نكتار ترست” في عمليات مالية كبيرة؛ فقد حصلت على 27,8 مليون جنيه إسترليني من “قطر الخيرية” في عام 2017، وهذا 5 أضعاف المبلغ الإجمالي الذي حصلت عليه عام 2016. وما يثير الاهتمام هو أن الجمعية أنفقت خلال عام 2017 مبلغ 11,6 مليون جنيه إسترليني فقط، واحتفظت بـ20,6 مليون جنيه نقدًا في خزائنها.

اقرأ أيضًا: علاقة تاريخية متينة بين الإخوان المسلمين وبريطانيا، قد تنتهي قريبًا لهذه الأسباب!

تقدم “نكتار ترست” منحًا في أوروبا وأماكن أخرى من العالم، وليس في المملكة المتحدة وحدها. تقول الجمعية إنها تمول مراكز مجتمعية، وتوفر خدمات تعليمية واجتماعية وثقافية وقاعات صلاة ومكتبات ومرافق رياضية ومطاعم. هكذا أهداف معلنة تشمل “تطوير المجتمع” و”التكامل الإيجابي” و”دعم الحوار بين الأديان”. كما تدعم الجمعية “مراكز” في شيفيلد (المملكة المتحدة)، وستراسبورغ ومولهاوس (فرنسا)، وميلان (إيطاليا)، وميونيخ (ألمانيا)، ونورشوبينغ (السويد).

في عام 2017، نشرت صحيفة تلغراف البريطانية مراجعة نقدية لـ”يوسف الكواري”، الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لقطر الخيرية في المملكة المتحدة آنذاك. أشارت المراجعة إلى أن “الكواري” هو مؤسس موقع “إسلام ويب” الذي ينشر رسائل اجتماعية انفصالية معادية للغرب، ويروج لفكرة الجهاد. كما أكدت المراجعة أن “الكواري” شغل سابقًا منصب رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في وزارة الأوقاف القطرية.

“إيمان ترست”

“إيمان ترست” هي جمعية مسجلة في المملكة المتحدة، وشريك في مركز “نكتار ترست” في شيفيلد. ومن الملاحظ أنها تشير دومًا إلى امتنانها للدعم القطري السخي عبر موقعها الإلكتروني. كما أنها تحصل على الدعم من الكويت كذلك. إن أحد أمناء الجمعية هو الكويتي مطلق القروي، الذي وصف في تقرير الجمعية السنوي على أنه “مسؤول حكومي كويتي”.

في عام 2017، نشرت صحيفة تلغراف تقريرًا حول “إيمان ترست”، استند جزئيًا إلى دراسة أجرتها “غلوبال ديلي ووتش” المعنية بمراقبة نشاطات الإخوان المسلمين (GMBDW). وقد ركزت تلغراف على اثنين من الأمناء: خالد المذكور، الذي وصف على أنه “رئيس المجلس الشرعي في الكويت”، وكذلك الرئيس الفخري لـ”إيمان ترست”، وعصام الفليج أيضًا، الذي وصف على أنه “شخصية حكومية كويتية”، “زار شيفيلد مرات عدة نيابة عن دولة الكويت”. وقد وجدت الصحيفة أن “الفليج أصدر عددًا من التصريحات المتطرفة عبر مقاطع فيديو ومقالات في صحيفة كويتية”.

اقرأ أيضًا: كتاب مترجم: هكذا جنّدت المخابرات البريطانية جماعات الإسلام السياسي

جرى وصف خالد المذكور في التقرير على أنه “داعم للإخوان المسلمين، وأحد أعضاء “جمعية الإصلاح الاجتماعية” التابعة للإخوان المسلمين، وكذلك أحد مروجي الأيديولوجية الإخوانية”. وقد شرع “المذكور” في الدفاع عن الإخوان المسلمين عندما أصدرت السعودية قرارًا بحظر المجموعة، بالقول: “ليس من الصواب أن نتهم جماعة الإخوان بالإرهاب دون أدلة”.

أحد الأمناء الآخرين هو أحمد الراوي، الذي ترأس سابقًا منظمتين مقربتين من جماعة الإخوان المسلمين: “اتحاد المنظمات الإسلامية” في أوروبا، و”الجمعية الإسلامية” في بريطانيا. وقد وردت تقارير تفيد أن “الراوي” وقّع على أحد الإعلانات الصادرة عن شخصيات في جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب خالد مشعل عن حماس، وحسن نصر الله عن حزب الله.

من بين أمناء المؤسسة كذلك، عبد الرازق بوقرة، أمين صندوق جمعية (MAB) التابعة للإخوان في بريطانيا. وفي أيلول/سبتمبر، اعترف أحد أمناء “إيمان ترست”، يدعى أيمن محمد سعيد، بجريمة التعامل مع بضائع مسروقة، إذ استخدم مركز شيفيلد لبيع الهواتف المسروقة.

“مركز غرب لندن الثقافي الإسلامي”

هذا المركز المعروف باسم “المنتدى” عبارة عن مسجد سلفي لديه سجل طويل من استضافة خطباء كراهية معروفين. وقد برزت تقارير حول “ارتباط هذا المركز بمراكز متطرفة أخرى مدعومة بأموال قطرية”.

اقرأ أيضًا: الدعم القطري والتركي للإخوان يعزز من الانقسامات في المجتمعات الإسلامية

منظمتا “كيج” و”مِند”

في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أفاد أحد المتسللين المهرة إلى المجموعات المتطرفة، الذي يعمل لصالح جهاز المخابرات البريطاني، أن قطر تدعم مجموعات إرهابية ومتشددة، وقال إن “الأموال القطرية تذهب إلى المجموعات والجمعيات النشطة في مجال تقويض وإحباط سياسات مكافحة التطرف التي تتبناها الحكومات، والعاملة كذلك في نشر رواية الضحية الناتجة عما يعرف باسم إسلاموفوبيا”. وأضاف الرجل أن القطريين يقدمون الدعم لمنظمتي “كيج” و”ميند”، وهما أكثر الجماعات الإسلامية سيئة السمعة في المملكة المتحدة.

الخلاصة

يقول أحد الأقوال المأثورة: “لا يوجد أصدقاء في العلاقات الدولية، بل مصالح فحسب”. قد يكون الدبلوماسيون والوزراء البريطانيون بحاجة ماسة إلى سماع أخبار اقتصادية جيدة في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لذا قد يرون قطر بمنظور إيجابي بارد، حتى لو كانت نشاطات الدوحة في المملكة المتحدة موضع تساؤل. لكن البعض في أوروبا يودّ أن يرى التمويل الخارجي للمؤسسات الدينية المتطرفة محظورًا بشكل كامل.

اقرأ أيضًا: جماعة “الإخوان” وبريطانيا: علاقات ملتبسة ومصالح متبادلة

المصدر: مجلة “عين أوروبية على التطرف

حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة