الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

تأثيرات اليمين المتطرف على الحكومة الإسرائيلية الجديدة

كيوبوست- ترجمات

ريتشارد باتر♦

في الوقت الحالي، يتعامل الائتلاف الإسرائيلي الجديد مع الهجوم الإرهابي الذي حدث في 27 يناير الماضي، الذي زاد من حدة التوتر، وأثار احتمال وقوع المزيد من العنف الإسرائيلي الفلسطيني. بالتوازي مع ذلك، يتقدم أعضاء الكنيست المحافظين مجموعة من الإصلاحات القضائية المقترحة التي يعتبرها البعض تهديدًا لنسيج التقاليد الديمقراطية في إسرائيل. ولكن من أجل فهم المناورات السياسية الجارية يحتاج المرءُ إلى فهم السياق السياسي المحلي.

نتنياهو يعود إلى أمة منقسمة

سلّطت الانتخابات الإسرائيلية، التي عُقدت في الأول من نوفمبر 2022، الانتخابات الخامسة في أقل من أربع سنوات، الضوءَ مرةً أخرى على مدى انقسام إسرائيل حول قيادة بنيامين نتنياهو، حيث قسّمها ما يُسمى بـ”التصويت الشعبي” إلى 50-50 / نصفين تقريبًا. وعلى الرغم من ذلك، فإن التنظيم السياسي الأكثر فعالية للأحزاب اليمينية، وتحركها بقوة على الأرض، أكسبها انتصارًا كبيرًا.

وفي حين أن هذه الانتخابات كانت -إلى حدٍّ كبير- استفتاءً على نتنياهو، فإن الاختلاف الرئيس هذه المرة كان الدعم الكبير الذي تلقاه اليمين المتطرف، ولا سيّما شعبية المُحرِّض المُدان سابقًا إيتمار بن غفير.

اقرأ أيضًا: إسرائيل.. هل يدخل قانون التجريد من الجنسية حيز التنفيذ؟

انضمام اليمين المتطرف

بعد شهرين من المفاوضات، أدّت حكومة نتنياهو السادسة اليمينَ الدستورية في أواخر ديسمبر. إحدى السمات المتكررة لحكومات نتنياهو تتمثل في وجود الأحزاب الدينية المتطرفة، سواء من يهود الشرق الأوسط الذين يُمثلهم حزب “شاس”، أو حزب “يهدوت هاتوراه”، حزب الحريديم الأشكناز القادمين من أوروبا الشرقية. وقد أثبت كلا الحزبين أنهما حليفان مخلصان، ويركزان في الغالب على القضايا التي تهم ناخبيهما مثل المزايا المقدمة للأطفال، والإسكان، والمكافآت السخية لشبابهما الذين لا يخدمون في الجيش، ويتعلمون بدلًا من ذلك في المعاهد الدينية.

لكن الحكومة الجديدة تشير إلى حدوث تغييرٍ واحد مهم. حاول نتنياهو دائمًا وضع الوسط في ائتلافه. لهذا الغرض، منح في السابق مناصب مهمة في الوسط/يسار الوسط السياسي. شغل إيهود باراك (2009-2013) ومن بعده بيني جانتس (2020-21) منصب وزير دفاعه، ويائير لابيد (2013-2014) وموشيه كحلون (2015-20) وزيرًا للمالية، وتسيبي ليفني وزيرة للعدل (2013-2014).

الهجوم الإرهابي الذي شهدته إسرائيل في 27 يناير الماضي

ومع ذلك، ففي عام 2022، لم يعد لدى نتنياهو هذا الخيار: لقد قاطعته كل الأحزاب الليبرالية والوسطية من حيث المبدأ بسبب محاكمته المستمرة بتهمة الاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة في ثلاث قضايا منفصلة. وشمل ذلك جانتس (لن يُلدَغُ من جُحْرٍ مرتين، سقطت حكومة نتنياهو السابقة عندما فشل رئيس الوزراء في احترام اتفاق التناوب) وآخرين، بما في ذلك حزب لبيد الوسطي والأحزاب “اليمينية الضخمة” الأخرى، وما تبقى من اليسار. هذا الفراغ السياسي فتح الباب أمام اليمين المتطرف.

بحكم طبيعته، يتطلب النظام الانتخابي الإسرائيلي تشكيل ائتلافٍ من أجل الوصول إلى عتبة أغلبية 61 مقعدًا. وانضم إلى الليكود والأرثوذكس المتطرفين هذه المرة اليمين المتطرف. وحصل اليمين المتطرف، الذي ترشّح ككتلة، على 14 مقعدًا، أي أقل بقليل من 11 في المائة من الأصوات.

منذ ذلك الحين، انقسموا إلى ثلاثة أجزاء مُركّبة: الحزب الصهيوني الديني بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الجديد، يقود فصيلًا من سبعة مقاعد. إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الجديد، يرأس مقاعد “القوة اليهودية” الستة، وآفي ماعوز هو فصيل من رجلٍ واحد في حزب “نوعم” “الأسرة التقليدية” (المعادي للمثليين). ولا ينبغي التقليل من شأن قوتهم الانتخابية، ولا ينبغي تضخيمها بشكلٍ غير متناسب.

اقرأ أيضًا: من يهدد الديمقراطية الإسرائيلية؟

استغلال ضعف نتنياهو

افتقار نتنياهو إلى البدائل سمح لليمين المتطرف بالحصول على تنازلاتٍ غير مسبوقة على الورق خلال المفاوضات الائتلافية. بالإضافة إلى توزيع الحقائب العادية، تمكن سموتريتش أيضًا من انتزاع السيطرة على الإدارة المدنية من وزارة الدفاع، ما يميّز لأول مرة بين الشؤون الأمنية والمدنية في الضفة الغربية التي تخضع للسيطرة العسكرية.

تنازلات نتنياهو لبن غفير هي أكثر غرابة من ذلك. بادئ ذي بدء، أعادت تسمية الوزارة، من “الأمن العام” إلى “الأمن القومي”. وفي ظل الإشراف الوزاري على الشرطة، طالب بن غفير بمزيدٍ من المدخلات في الجوانب العملياتية للشرطة بما في ذلك تخفيف بروتوكول إطلاق الرصاص (المثال الذي كثيرًا ما يُستشهد به هو أنه بموجب قواعد الاشتباك الحالية لا يمكن إطلاق النار على شخص يحمل زجاجة حارقة إلا بعد إلقاء المتفجرات).

كما وعد بن غفير بتوسيع نطاق الإشراف العملياتي على وحدات شرطة حرس الحدود العاملة داخل الضفة الغربية، التي تعمل حتى الآن تحت إشراف الجيش بدلًا من الشرطة. وفي كلتا الحالتين، أعرب الجيش عن استيائه من هذه التحركات المقترحة، على أساس أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى تسلسل قيادي واحد، وليس اثنين. كما الحال في جميع اتفاقيات الائتلافات، فهي ليست وثائق ملزمة قانونًا. وبالتالي يبقى أن نرى كيف (أو إذا) ستنفذ هذه الاتفاقات في الممارسة العملية. أو مثل قول مارك توين المأثور حول الأكاذيب والإحصاءات: “هناك شعارات انتخابية واتفاقيات ائتلافية، وهناك تنفيذ فعلي للسياسات”.

اقرأ أيضًا: تحذيرات من تنامي نفوذ اليمين المتطرف في إسرائيل على اليهود الأمريكيين

الاختبار الأول

واجهت الحكومة أول اختبار لها بعد أسبوعين، بعد أن وافق وزير الدفاع جالانت على تفكيك بؤرة استيطانية جديدة غير مرخصة، ما دفع وزراء الحزب الصهيوني الديني إلى مقاطعة الاجتماع التالي لمجلس الوزراء، بسبب ما اعتبروه انتهاكًا لاتفاقات الائتلاف.

حجم بناء المستوطنات ووتيرتها ستكون إحدى ساحات العراك الرئيسة بين البرجماتيين والمتشددين. ذلك أن أحد الاتفاقات الائتلافية تنص على شرعَنَة البؤر الاستيطانية غير القانونية، وغير المصرِّح بها (التي يُطلق عليها مؤيدوها “المستوطنات الفتية”). يبقى أن نرى ما إذا كانت الحكومة ستفي بهذا إلى الحدِّ الذي يأمله اليمين المتطرف.

تاريخيًا، يُفضل نتنياهو اتباع نهج متوازن لإدارة الصراع فيما يتعلق بالضفة الغربية، ما يضعه في صراع مع شركائه اليمينيين الذين يسعون إلى ضم المزيد من الأراضي أو على الأقل استمرار الاستيطان اليهودي لجعل حل الدولتين غير قابل للتطبيق.

وزير الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت

أدّت عملية مكافحة الإرهاب في جنين (التي يدعمها غالبية الإسرائيليين) وموجة الهجمات الإرهابية في نهاية الأسبوع الماضي إلى تسليط الضوء على أوراق الاعتماد الأمنية للحكومة الجديدة. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى عدم تنفيذ وعود بن غفير المتطرفة قبل الانتخابات (مثل الالتزام بقتل 50 إرهابيًا ردًا على إطلاق صاروخ واحد).

عند قياس تأثير اليمين المتطرف على السياسة الأمنية للحكومة، يحتاج المرء إلى موازنة تطرف بن غفير مع العديد من عوامل الاعتدال المتأصلة في المؤسسة الإسرائيلية. عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمنية في الضفة الغربية (وعبر جميع الجبهات) فإن تأثير رؤساء الأجهزة الأمنية -الجيش الإسرائيلي والشين بيت والموساد- جميعهم يتمتعون بنفوذٍ كبير، إلى جانب المفكر الاستراتيجي البرجماتي المتمرّس وزير الدفاع جالانت (اللواء السابق، حزب الليكود الآن).

الأمر الذي لا يخلو من دلالة هو أنه على الرغم من أن كلًا من بن غفير وسموتريتش عضوان في مجلس الوزراء الأمني الداخلي (البروتوكول يلزم بأن يحضره وزيرا المالية والأمن العام)، فإن نتنياهو قد رجّح عمدًا أعلى هيئة لصنع القرار بغالبية من البرجماتيتين والمعتدلين نسبيًا.

اقرأ أيضًا: مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. دائرة المخاوف تتسع!

الإصلاح القضائي

القضية الأساسية الثانية التي اختارت هذه الحكومة إيلاءها الأولوية هي الإصلاح القضائي. وتشمل السياسات المقترحة عناصر مختلفة، مثل: “قانون التجاوز” الذي من شأنه أن يسمح للكنيست بإعادة العمل بالتشريعات التي ألغتها المحكمة العليا؛ وتغيير اللجنة التي تختار القضاة لمنح السياسيين مزيدًا من السيطرة؛ وإلغاء مبدأ “المعقولية” كأساس للمحكمة لإلغاء قرارات الحكومة؛ وتغيير دور المستشارين القانونيين الوزاريين؛ والسماح للوزراء بتعيين مستشاريهم الخاصين.

هناك التقاء للمصالح بين شركاء الائتلاف الذي يجمع بين الأيديولوجيات المحافظة القوية لبعض أعضاء الائتلاف. وتجدر الإشارة إلى أن الأرثوذكس المتطرفين (الحريديم) يشعرون باستياء مكبوت من القضاء، الذي يغلب عليه العلمانيون، بسبب رفضه المستمر مقترحات الحكومة للتوصل إلى تسوية بشأن تجنيب شبابهم للتجنيد العسكري، حيث رفض القضاء تشريعًا توفيقيًا على أساس عدم المساواة.

جلسة للكنيست الإسرائيلي- أرشيف

تفاقم استياء حزب شاس من القضاة في أعقاب القرار الذي منع زعيمه أرييه درعي من الاستمرار في العمل كوزير في أعقاب صفقة تفاوض لتخفيف العقوبة في مخالفاتٍ ضريبية (المفارقة أن درعي معتدل في القضايا الأمنية). ويعترض اليمين المتطرف والليكود على تدخل المحكمة لإلغاء قرارات الحكومة على أساس حماية حقوق الإنسان العالمية، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالمستوطنات المبنية على أراضٍ فلسطينية خاصة أو حقوق المهاجرين غير الشرعيين.

من المفارقات أن كلًا من المؤيدين والمعارضين للإصلاح يزعمون أنهم يريدون تعزيز الديمقراطية الإسرائيلية. وفيما يجادل مؤيدو الإصلاح بأن إرادة الشعب يجب أن تتيح للبرلمان بأن يكون ذا سيادة، يرى المعارضون بأنه بدون ضوابط وتوازنات، فإن السلطة المطلقة للكنيست ستؤدي إلى طغيان الأغلبية. هذه الإصلاحات المقترحة تثير قلقًا واسع النطاق واحتجاجات شعبية.

الشيطان يكمن في التفاصيل

في كثيرٍ من هذه القضايا، الشيطان يكمن في التفاصيل. على سبيل المثال، فكرة أن بإمكان البرلمان السيادي تجاوز قرار المحكمة ليست في حد ذاتها إشكالية، لكن الانتقادات الأكثر توازنًا تقول إن عتبة الإلغاء يجب أن تكون أكبر من تصويت الكنيست البسيط 61-59 المقترح حاليًا.

ثمة مصدر قلق آخر يتمثل في السرعة الواضحة التي تتقدم بها مثل هذه الخطوات الجذرية جنبًا إلى جنب. نتنياهو نفسه أظهر تاريخيًا دعمه للقضاء المستقل، ولكن من خلال ائتلافه اليميني، ومع استمرار محاكمته الجنائية، لم يتدخل حتى الآن لكبح جماح المتعصبين.

من المتوقع أن يشكّل الشهران المقبلان تحدياتٍ هائلة للحكومة والمجتمع الإسرائيلي ككل. ومن المتوقع أن يهيمن الوضع الأمني على ساحة النقاش، مع استمرار اليمين المتطرف في تأجيج الحماسة الشعبوية والمطالبة بردودٍ قاسية على إطلاق الصواريخ والهجمات الإرهابية.

في الوقت نفسه، فإن النقاش حول الإصلاح القضائي يهدِّد نسيج المجتمع الإسرائيلي من الداخل.

♦محلل سياسي مقيم في القدس، والمدير التنفيذي لمركز الاتصالات والبحوث البريطانية- الإسرائيلية: www.bicom.org.uk

يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة