الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

بين مكافحة الأمراض وصناعة الأدوية والمحاصيل الزراعية .. البيولوجيا الاصطناعية مفهوم جديد للحياة

كيوبوست – ترجمات

غالبًا ما يدَّعي الذين يقدِّمون تصريحات كبري عن المستقبل أن هذا هو “قرن البيولوجيا” بالطريقة نفسها التي كان بها القرن العشرين “قرن الفيزياء”، وكان القرن التاسع عشر “قرن الكيمياء”. وتشكل إمكانات البيولوجيا الاصطناعية أساسًا لمثل هذا الادعاء؛ فالحياة تُعاد برمجتها بحيث تخرج منتجات جديدة وتتخذ أشكالًا مختلفة تخدم البشرية بطرق متعددة.

ولعل فهم قدرة البيولوجيا على معالجة المعلومات، وبالتالي التحكم في نفسها، يشكل لغزًا أكثر صعوبة من إتقان عالم البرمجيات والمعدات؛ حيث يستغرق الأمر سنوات لخلق نظام تشغيل ومتطلباته، لكنه أمر واعد للغاية من الناحية العلاجية. وحقيقة الأمر أن البيولوجيا الاصطناعية تُلَخِّص بعض الجوانب المبكرة لثورة الحواسيب، لكن ذلك لا ينبغي أن يدفعنا إلى تجاهل الاختلافات المهمة بينهما. وأحد تلك الاختلافات هو أن أولئك الذين أنشؤوا العالم الحديث للحواسيب لم تكن لديهم في الأساس أجهزة قوية لمساعدتهم في أداء مهمتهم.

بينما يملك علماء البيولوجيا الاصطناعية اليوم كل شيء؛ لأن أعمالهم تعتمد على ثورة الذكاء الاصطناعي وتنمو من خلالها؛ ما قد يُعَجِّل بالأمر كثيرًا.

ويقارن فرانسيس أرنولد، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، بين برامج البيولوجيا الاصطناعية وسيمفونية مؤلفة من التطور وعلم البيولوجيا الحديثة؛ وهذا ربما هو سبب اتجاهها لتسخير التطور في إعادة صنع الأشياء بدلًا من تصميمها من الصفر؛ لأن التطور يسترشد بالتعلم الآلي، وبالتالي يوجه الإبداع البشري إلى كتابة ما يريد من سيمفونيات.

اقرأ أيضًا: انتبهوا.. الذكاء الاصطناعي ينام معكم في السرير!

مكافحة الأمراض

يشير جيم إندرسبي، مؤرخ، إلى أن بعض جوانب الأحياء تصدم الإدراك الحديث؛ لسبب واحد هو أن ذواتها تصمم نفسها بنفسها، كما تصمم بيئتها بطريقة يرى متخصصو تحسين النسل أنها بسيطة للغاية. وتجري الآن مناقشة احتمالات تطوير واستخدام البيولوجيا الاصطناعية بشكل حقيقي، ولكن بقدر قليل من الاتزان؛ فهناك مثلًا حديث عن برامج “محركات الجينات” التي تقدم طريقة يمكن أن تستخدم فيها تقنيات حساسة للقضاء على ناقلات الأمراض؛ مثل أنواع البعوض الذي ينشُر الملاريا.

وينظر البعض إلى حصيلة قتلى الملاريا التي تصل إلى مئات الآلاف من الأشخاص كل عام، ويرون في ذلك حلًّا أنيقًا لإنقاذ الموقف انطلاقًا من حقيقة وجود الكثير من أنواع البعوض غير تلك التي تنقل الملاريا؛ وبالتالي يمكنها أن تعوض أي خلل بيئي. بينما يتساءل آخرون: بأي حق قد يتسببون في انقراض نوع معين من البعوض؟ وما المخاطر التي تتعرض لها حشرات أخرى أقل قابلية للاستغناء عنها؟ وما نوع الموافقة المبنية على دلائل التي قد يحصلون عليها؟

ونتيجة لهذا النقاش؛ فإن الأبحاث المتعلقة بالمحركات الجينية، والممولة من عدة جهات؛ بينها مؤسستا “بيل” و”ميليندا غيتس”، تركز بشكل متزايد وأكثر حكمةً على طرق كسر سلاسل انتقال العدوى عن طريق تقليص أعداد البعوض محليًّا وبشكل مؤقت، بدلًا من أن يتم ذلك عالميًّا وإلى الأبد.

اقرأ أيضًا: التعديل الجيني على البشر والحيوان والنبات – خطر مميت يلوح في الأفق

ثورة صناعية

وتعني إعادة صناعة الحياة أتمتة البيولوجيا، كما قال زاك سيربر، الرائد في علم البيولوجيا الاصطناعية. فعندما كانت الشركة التي يعمل بها تحاول التأثير على سوق الوقود الحيوي، وبسبب فشل الهندسة الأيضية الذكية في خلق سوق تجارية، ذهب هو وشركاؤه في شركة “زيمرغن”، التي تتخذ من كاليفورنيا مقرًّا لها، إلى أخذ شركتهم الجديدة في اتجاه مختلف؛ فهم لا يحاولون صنع أو بيع الأشياء إنما قرروا تقديم البيولوجيا الاصطناعية كوسيلة لجعل الشركات التي تستخدم التكنولوجيا الحيوية أكثر ربحية.

وتقدم البيولوجيا الاصطناعية حلولًا متعددة؛ حيث يتم التخلص من المواد الكيميائية المستخدمة في العديد من الأغراض، مثل المواد الخام للمنتجات البلاستيكية والإضافات الغذائية وبعض العطور والوقود الحيوي، على نطاق واسع عن طريق الكائنات الحية المتغيرة في صهاريج التخمير. وبالإضافة إلى أن هذا هو أكبر سوق للتكنولوجيا البيولوجية، فهو أيضًا الأنسب للشركات التي تسعى إلى تقديم الابتكار كخدمة.

يقول تيم فال، رئيس شركة “سينثياس”، وهي شركة لبرمجيات البيولوجيا الاصطناعية في لندن: “إن الشركة قامت في أحد المشروعات المهمة (قال إنه لا يستطيع التحدث عنه) بمضاعفة الإنتاج بنسبة قدرها ٢٠٠ مرة خلال 4 أسابيع فقط”.

اقرأ أيضًا: 5 تنبؤات لما ستكون عليه الحياة عام 2030

لقد أصبحت التكنولوجيا الحيوية بالفعل قطاعًا ربحيًّا راسخًا أكثر مما يدرك العديد من الناس؛ فطبقًا لإحصاءات شركة “بيوإكونومي كابيتال”، وهي شركة استثمارية، فإن الأموال التي تم جَنيها من كائنات حية تم هندستها وراثيًّا شكلت نحو 2% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي لعام 2017. وتقسم هذه النسبة بين 3 صناعات؛ هي: الأدوية والمحاصيل، التي تسهم بمبلغ 137 مليار دولار، و 104 مليارات دولار على التوالي، وهي الأرقام المعلنة فقط. أما القطاع الثالث فهو التكنولوجيا الحيوية الاصطناعية، وهو الأقل ظهورًا لكنه الأكثر ربحية؛ حيث تبلغ قيمته نحو 147 مليار دولار و أكثر.

المصدر: الإكونوميست 

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات