الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
بين فرنسا وتركيا.. أيهما تدعم الجزائر في ليبيا؟
التطابق في وجهات النظر حول الملف الليبي بين تبون وماكرون.. قد يضع حداً لـتحرش أنقرة التي كانت تلعب على حبل الخلاف الجزائري- الفرنسي

الجزائر- علي ياحي
يبدو أن الجزائر تواجه حرجاً في ليبيا بعد التقرب الفرنسي من جهة، والتمسك بدعم حكومة الوفاق المرتبطة بتركيا من جهة أخرى. وفي وقتٍ خَفُت فيه صوت السلاح لصالح الحل السياسي، يُرتقب أن يشهد الملف عدة تغييرات في مواقف اللاعبين الأساسيين.
وكشفت الخطوة التي قامت بها فرنسا بتسليم الجزائر جماجم أبطال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي بعد 170 سنة من نقلها إلى متحف الإنسان بباريس، وقد سبقتها محادثة بين الرئيسَين الجزائري ونظيره الفرنسي، والتي جاء فيها تطابق في وجهات النظر في ما يتعلق بالأزمة الليبية، عن تغييرات مرتقبة في المشهد الليبي؛ حيث إن الجزائر تدعم حكومة الوفاق وترفض التدخل الأجنبي، بينما تقف باريس إلى جانب المشير خليفة حفتر، ويوجد جنودها على الأراضي الليبية.
اقرأ أيضاً: هل تنجح الجزائر في كبح “عنجهية” تركيا في ليبيا؟
بين فرنسا وتركيا
وتشهد العلاقات بين الجزائر وفرنسا “توتراً” من حين لآخر؛ خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمسائل الذاكرة التاريخية أو الملفات الداخلية. وقد بلغت الأمور مؤخراً حد استدعاء الجزائر سفيرها لدى فرنسا بعد “استفزاز” أطراف فرنسية للشعب الجزائري بعرض إحدى القنوات وثائقي “مغلوط” حول الحراك، لتعود المياه إلى مجاريها إثر تبادل المكالمات الهاتفية بين الرئيسَين وتغيير فرنسا سفيرها لدى الجزائر في خطوة تهدئة، تبعها إعلان وزارة الدفاع الفرنسية تمكن قواتها من القضاء على زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبدالمالك دروكدال، المطلوب، لتنتهي بتسليم جماجم 24 قائداً من المقاومة الشعبية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، هربتها فرنسا إلى متحف الإنسان بباريس.

في المقابل، تعرف علاقات الجزائر بحكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج، الهدوء والتعاون والتوافق في عديد من النقاط، مقارنة بحكومة الشرق وبرلمان طبرق التي يقود قواتها المشير خليفة حفتر، على اعتبار أن الجزائر تحترم الشرعية الأممية التي تعترف بحكومة السراج، غير أن وقوف تركيا التي تعيش حرباً سياسية ومصالح اقتصادية مع فرنسا إلى جانب المجلس الرئاسي يجعل الجزائر في حرج، بين تطابق مع فرنسا والوقوف إلى جانب السراج المدعوم من أنقرة.

يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، رابح لونيسي، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن الأمر الوحيد الثابت في الجزائر منذ 1962، هو عدم الوقوف مع أي طرف في صراعات دولية أو داخلية، ورفض أي تدخل عسكري، والعمل من أجل حل الأزمات الدولية سلمياً؛ وهو نفس موقفها اليوم في ما يتعلق بالأزمة الليبية، قائلاً: “إن علاقة الجزائر جيدة مع كل الأطراف الليبية، وتقف على الحياد في ما بينها؛ من أجل لعب دور في حلحلة الوضع. ولهذا فهي ضد كل الدول المتدخلة في ليبيا؛ سواء تركيا أو فرنسا أو غيرهما”، مضيفاً: “لقد كان الرئيس تبون صريحاً في عدة تصريحات له”، موضحاً أن “الجزائر تريد سلاماً في ليبيا بأي ثمن؛ لأن الحرب ستوثر على أمنها الاستراتيجي، خصوصاً أنها حرب بالوكالة بين قوى إقليمية وكبرى؛ من أجل خدمة مصالحها على حساب ليبيا ودول المنطقة”.
ويواصل لونيسي: إن التقارب الجزائري- الفرنسي موجود منذ فترة طويلة جداً، وليس بالأمر الجديد، ولا علاقة له بتركيا ولا ليبيا، مشيراً إلى أن لدى تركيا موالين كثيرين في الجزائر، “وطبعاً يخشى النظام أن تساعدهم أنقرة لأخذ الحكم بطريقة أو بأخرى، كما يحدث اليوم في تونس مع حركة النهضة ضد الرئيس قيس سعيّد الذي تحالف معها في البداية، ثم انقلبت عليه في إطار مناورة مدعومة من تركيا”، على حد تعبيره.
اقرأ أيضا: الغموض يكتنف موقف الجزائر حيال ما يحدث في ليبيا
“تحرش” أنقرة
التطابق في وجهات النظر حول الملف الليبي بين تبون وماكرون قد يضع حداً لـ”تحرش” أنقرة التي كانت تلعب على حبل الخلاف الجزائري- الفرنسي؛ حيث حاول أردوغان في عديد من المناسبات استدراج الجزائر في خلافه مع باريس التي تطالبه بالاعتراف والتعويض عن المجازر في حق الأرمن، وبدل مواجهة الحقيقة يرد بمطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها ضد الجزائريين؛ ما دفع الرئيس تبون إلى التصريح بلهجة شديدة بأن “ذاكرة الجزائريين غير قابلة للابتزاز والنبش”، وقد تحققت أولى الخطوات في اتجاه الاعتراف والتعويض بعد تسليم فرنسا جماجم 24 من قادة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي بعد 170 سنة من نقلها إلى متحف الإنسان بباريس؛ لتجد أنقرة نفسها في وضعية حرجة إزاء مجازر الأرمن.
ولا تحبذ الجزائر الدخول في تكتلات ضد أية دولة، كما أن تقاربها مع فرنسا على جميع المستويات السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، أكبر منه مع تركيا التي تربطها بالجزائر مصالح اقتصادية أكثر من أي شيء آخر، وللجزائر مطالب مسكوت عنها لدى تركيا؛ منها ما يتعلق بالأرشيف، وعليه ستستغل باريس التوافق مع الجزائر؛ للوقوف في وجه تركيا في ليبيا، خصوصاً بعد أن أشار الرئيس تبون، في مقابلة صحفية مع وسائل إعلام محلية، إلى أن “دولة ما لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه في مؤتمر برلين بمنع تدفق الأسلحة والمرتزقة؛ حيث إنها أرسلت بعد شهر 3400 طن من الأسلحة إلى ليبيا”.

وفي السياق ذاته، يرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي أيوب أمزيان، في حديث إلى “كيوبوست”، أن الحديث عن تطابق وجهات النظر حول الأزمة الليبية، يؤكد مرة أخرى أن الدبلوماسية الجزائرية استطاعت أن تحرز تقدماً كبيراً في الملف الليبي وتتجه تدريجياً نحو إقناع الدول المؤثرة في المشهد “بفعالية مقاربتها المبنية على الحل السياسي بعيداً عن أي تدخل أجنبي”، مضيفاً أن الجزائر التي تستوعب كل التفاصيل المعلنة والخفية للملف الليبي، معادلة مهمة لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها.
اقرأ أيضاً: التقارب بين حفتر والجزائر يُربك أردوغان.. وتغيير مرتقب في المشهد الليبي
ويعتبر أمزيان أن مساعي الجزائر الحثيثة ومحادثات الرئيس تبون مع عديد من رؤساء الدول المؤثرة في المشهد الليبي؛ خصوصاً روسيا وتركيا، وآخرها مع الرئيس الفرنسي ماكرون، هي معطيات تشير إلى حدوث توافق بين جميع الأطراف؛ من أجل فرض الحل السياسي تحت إشراف الأمم المتحدة مع حماية مصالح تلك الدول.

وتعمد تركيا إلى التشويش على الجزائر في كل مرة؛ بهدف التأثير على مواقفها في محاولة لاستمالتها، حيث أوضحت تقارير إعلامية مقربة من أنقرة أن “أردوغان يرى في الرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون والاتجاه لتعديل المادة 95 من الدستور الجديد فرصة للجيش الجزائري؛ من أجل التدخل في ليبيا لأول مرة خارج حدوده”، وزعمت أن “نجاح” أردوغان في دفع الجزائر لدعم حكومة الوفاق يسهم في تغيير ميزان القوى ويحقق مكاسب عسكرية كبيرة في ليبيا.
وحسب الحقوقي الليبي خالد بوزنين الساكت، فإن الأزمة الليبية لم تعد ليبية؛ بل حرب مصالح بين دول مثل تركيا وروسيا وفرنسا وأمريكا، مضيفاً، في حديث إلى “كيوبوست”، أن هناك مؤشرات تدل على نشوب حرب دولية أكثر شراسة قريباً، منذ أن وضع المجلس الرئاسي قراره في يد الحكومة التركية.