شؤون خليجيةملفات مميزة

بين الوسطية والتطرف: الحرب الفكرية الإماراتية بذخيرة رقمية 

"هداية" و"صواب" و"منتدى تعزيز السلم" أسلحة إماراتية في مواجهة الغلو

كيو بوست –

تظل قضية مكافحة التطرف والإرهاب من القضايا التي حافظت على تصدرها لقائمة أولويات الحكومات، وذلك لما شهدته دول العالم بشكل عام، والوطن العربي بشكل خاص، من تأثيرات متعاقبة لموجات الإرهاب والتطرف الفكري، الذي استغلته بعض التيارات تحت غطاء الدين، لخدمة مصالحها الأيديولوجية، مما جعل المجتمع الدولي يقف صفًا واحدًا لمواجهة هذه الأفكار المتطرفة، وتوحيد الجهود بشكل يكشف الصورة السوداوية لهذه التيارات.

اقرأ أيضًا: “المرشدات الدينيات” في المغرب: هكذا تُحارب الأفكار المتطرفة بين الشباب

وشكّلت هذه التيارات الإرهابية -التي برزت بعد هجوم تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001، والهجمات التي تلتها ضد الدول الغربية والعربية- غطاءً لها باسم الإسلام، فأطلقت على نفسها مسميات تستغل فيها عاطفة الدين لاستقطاب أكبر عدد من الشباب، موقنة أن كسب تأييد 1% من شباب أمة المليار ونصف ستشكل -في حال نجاحها بتضليلهم- قوة كبيرة يمكن أن تخلق أزمة في العالم أجمع، وستمكنهم من تحقيق أجندتهم الخاصة، منتهجة في الوقت ذاته الفكر المتطرف بعدم تقبل الآخر وسياسة التكفير والقتل لكل من يعارضها.

في المقابل، عملت دول العالم على تعزيز التعاون من أجل مكافحة خطر الإرهاب، وتبنت بعض الدول العربية والإسلامية إظهار الصورة الحقيقية للإسلام في وسطيته واعتداله، بما يعزز التسامح والسلام بين مختلف شعوب العالم. وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة دور كبير في تبني منهج الوسطية في الإسلام، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب ونبذ التطرف؛ عبر إطلاقها حزمة من المبادرات والمراكز التي تستهدف تكثيف العمل محليًا وإقليميًا ودوليًا لمواجهة الفكر المتطرف.

وكان من ضمن هذه المراكز والمبادرات، مركز هداية، ومركز صواب، بالإضافة إلى منتدى تعزيز السلم، ومجلس حكماء المسلمين.

 

هداية مؤسسة دولية لمنع الإرهاب ومكافحته

حافظت الإمارات على مستوى عالٍ من الفعالية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف منذ إطلاق مركز “هداية” كفكرة، أثناء الاجتماع الوزاري لأعمال المنتدى العالمي لمكافحة التطرف بنيويورك في سبتمبر/أيلول 2011، إذ عرضت أبو ظبي استضافتها للمركز، وقدمت مساهمة مالية كبيرة لدعمه، فنجح المركز -منذ تأسيسه في 14 ديسمبر/كانون الأول 2012- أن يكون المؤسسة الدولية الأولى للتدريب والحوار والتعاون والبحوث في مجال مكافحة التطرف العنيف بكل مظاهره وأشكاله، ودعم الجهود الدولية الساعية لمنع الإرهاب، إذ يضم المركز الخبيرات والخبراء في هذا المجال، بهدف المساهمة في الحد من أعداد الداعمين للمجموعات الإرهابية، عبر اتباع سبل غير عنفية.

اقرأ أيضًا: علميًا: كيف تتسرب الدعاية المتطرفة إلى عقول الناس؟

3 مجالات رئيسة تتمحور حولها نشاطات العمل في مركز هداية -بحسب المدير التنفيذي للمركز مقصود كروز- هي:

أولًا: الحوار المركز، وهو بمثابة منبر دولي لتنسيق التعاون بين الجهات الفاعلة الوطنية والمحلية ومنظمات المجتمع المدني والباحثين وقادة المجتمعات المعنيين بمجال مكافحة التطرف العنيف.

ثانيًا: التدريب، إذ يسعى المركز إلى تقديم الأدوات العملية لتعزيز قدرات الجهات المعنية في وضع وتطبيق برامج وسياسات فعالة لمكافحة التطرف العنيف.

ثالثًا: البحوث، من خلال فهرسة الأبحاث الحالية حول مكافحة التطرف العنيف، وإجراء أبحاث جديدة، سعيًا لفهم دوافع التطرف العنيف والطرق الفعالة في مكافحته.

وعمل مركز هداية على إعلاء صوت التسامح والسلام عبر شبكة الإنترنت، عبر صياغة مبادرات الاتصالات الإبداعية للتصدي للدعايات الإرهابية، مثل إنشاء مكتبة مركز هداية الافتراضية للخطاب المضاد، وهي بوابة وقاعدة بيانات إلكترونية تضم مجموعة كبيرة من مصادر الخطاب المضاد للتطرف والعنف.

وقام المركز بالكثير من الأنشطة والفعاليات في هذا المجال، منها تنظيم مؤتمرات دولية لبحوث مكافحة التطرف العنيف، ومبادرة «عقول مبدعة للخير» -بالشراكة مع وزارة الخارجية الأميركية وشركة فيسبوك- من أجل وضع ونشر محتويات عبر شبكة الإنترنت، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، تتصدى للخطاب الإرهابي وتعزز الخطاب الإيجابي البديل في المنطقة.

 

مركز صواب” يتصدى لدعايات “داعش” رقميًا

استطاعت “داعش”، والقاعدة، وغيرهما من التنظيمات الإرهابية اختراق الفضاء الإلكتروني، واستطاعت من خلاله تضليل الكثير من الشباب، وشدتهم من واقعهم إلى عالم الإرهاب. والدليل على ذلك ما كشفت عنه الدراسات البحثية التي أكدت أن 60% من العناصر التي نفذت عمليات إرهابية تم تجنيدها عبر الإنترنت، و”وسائل التواصل الاجتماعي”، حسب صحيفة الخليج الإماراتية.

اقرأ أيضًا: ما الفرق بين الأصولية، والراديكالية، والتطرف، والإرهاب، والفِكر الجهادي؟

في المقابل، يرى محللون أن من الصعوبة إلحاق الهزيمة بالتنظيمات المتطرفة باستعمال الوسائل العسكرية وحدها، من دون الاعتماد على مقاربة فكرية مصاحبة تستهدف الوصول إلى عقول الفئات الشبابية المستهدفة، وضرورة إقناعها بالمناهج الوسطية للدين الإسلامي بعيدًا عن غلو المتطرفين معتنقي الأفكار المتشددة.

الإمارات كان لها كذلك تجربة مؤثرة من خلال مركز «صواب» الذي يمثل أحد الأسلحة المهمة لمواجهة الأفكار المتطرفة، وتنوير عقول الشباب بصحيح الدين، وأفكاره السمحة، ودحض الأفكار العنفية، إذ جاء تأسيس مركز صواب في يوليو/تموز 2015 كمبادرة إماراتية – أميركية مشتركة، امتدادًا لمبادرات مكافحة التطرف التي أطلقتها الإمارات في السنوات الأخيرة، وذلك بهدف التصدي لدعايات وأفكار تنظيم «داعش» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتشجيع الأفراد على المشاركة بشكل فاعل واستباقي في مكافحة التطرف عبر الإنترنت.

وفي تصريح سابق له، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات أنور قرقاش: “من خلال التصدي لمشكلة التطرف على شبكة الإنترنت، سيكون لمركز صواب دور مهم وفاعل في تحقيق ودعم الاستقرار والأمن في المنطقة ككل، كما سيشكل بداية لاستعادة الفضاء الإلكتروني وتطهيره من المتشددين وفكرهم المتطرف”.

نجح المركز -الذي تمكن من جذب قرابة 3 ملايين متابع على فيس بوك، و690 ألف على تويتر- في توفير الفرصة لإسماع أصوات الملايين من الناس حول العالم ممن يعارضون تنظيم “داعش”، وممن يدعمون جهود المركز في كشف الطبيعة الإجرامية والوحشية للتنظيم، بالإضافة إلى إنتاج مواد بصرية كأشرطة الفيديو، والرسوم البيانية، والمتحركة لمواجهة أفكاره، كما كثّف جهوده في محاربة تنظيم داعش الإرهابي على قنوات التواصل الاجتماعي، لا سيما عبر عمليات الكشف والتبليغ عن الحسابات التابعة والداعمة لتنظيم داعش، خصوصًا على تويتر.

 

“منتدى تعزيز السلم” يعزز دور العلماء في نشر الفهم الصحيح للتدين

احتضنت دولة الإمارات العربية المتحدة منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي أسسه الشيخ عبدالله بن بيه، إذ يسعى المنتدى إلى تأكيد أولية السلم؛ باعتباره الضامن الحقيقي لسائر الحقوق، ويسهم في إيجاد فضاء رحب للحوار والتسامح، كما يعزز دور العلماء في نشر الفهم الصحيح، والمنهجية السليمة للتدين، ويحيي قيم الرحمة والحكمة والمصلحة والعدل.

اقرأ أيضًا: ما هو الإرهاب بالتحديد؟ ولماذا يربطه البعض بالإسلام؟

ويقوم المنتدى بمهمة تأصيل ثقافة السلم والحوار والتعايش الإنساني في الإسلام، ورفد الخطاب السلمي العالمي بقيم التعارف الإسلامية، ونبذ العنف والتطرف وإقصاء الغلاة والمتشددين، مستلهمًا روح القرآن الكريم وجوهر السنة النبوية الشريفة، بالإضافة إلى جهد المنتدى في تصحيح المفاهيم الدينية الملتبسة لدى البعض.

ونجح المنتدى في إطلاق مبادرات نوعية منها إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، وإطلاق الهاكثون الأول من نوعه في مجال تعزيز السلم “صنّاع السلام”، بشراكة مع حاضنة الأعمال الأمريكية أفنس لابس 2015 (فعالية جمعت عددًا من خبراء التكنولوجيا ومبرمجي الحواسيب وخبراء التصميم والجرافيك لابتكار حلول فعالة لمواجهة ثقافة العنف، وتطوير أدوات لتقريب خطاب السلم من الشباب، ودعم رسالة العلماء الرامية لتعزيز السلم، وكذلك ردم الهوة بين المنظومتين العلمية والعملية في فضاء الشبكات الاجتماعية والإعلام الجديد).

كما يعمل المنتدى على مجموعة من الإصدارات العلمية، منها: موسوعة السلم في الإسلام، وسلاسل: «تصحيح المفاهيم»، و«فقه السلم»، و«ملخصات مترجمة”، بالإضافة إلى منح جائزة الإمام الحسن بن علي الدولية للسلم سنويًا للعلماء والمفكرين من ذوي الإنجازات العلمية، والمبادرات العملية في صناعة ثقافة السلم، وتأصيل قيمها في المجتمعات المسلمة، فضلًا عن السعي إلى تحديث وسائل وآليات ومناهج مخاطبة وإقناع الشباب المسلم، كي لا ينزلق إلى العنف والتطرف، إذ تستلهم الجائزة الموقف العظيم الذي وقفه سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين أصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين، حقنًا للدماء.

 

مجلس حكماء المسلمين يحقق السلم والتعايش في العالم الإسلامي

يهدف “مجلس حكماء المسلمين” -الذي أنشئ في أبوظبي كهيئة دوليَّة مستقلَّة يوم 19 يوليو/تموز 2014- إلى تحقيق السِّلم والتعايش في العالم الإسلامي، ومحاربة الطائفية، وتحديد أسس التعايش بين مواطني البلد الواحد والبلدان المسلمة المختلفة، ووضع الحلول لمعالجة الصراعات الداخلية بين المسلمين، وتعزيز روح التسامح والحوار، وإتاحة الفرصة لحكماء الأمة من خلال المشاركة في صناعة الحلول الدائمة لتعزيز السِّلم في المجتمعات الإنسانية كافة.

ويضم المجلس عددًا من كبار علماء المسلمين حول العالم ممن يُوصفون بالوسطية، ويرأسه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والشيخ عبدالله بن بيه.

اقرأ أيضًا: الجدل وراء مفهوم التطرف: راديكالي اليوم، بطل الغد!

وتنوعت أنشطة المجلس ما بين عقد المؤتمرات والندوات وقوافل السلام التى تجوب العالم، إذ نجح في عام 2017 بإرسال قافلة سلام إلى فرنسا بتاريخ 14 يونيو/حزيران، بمشاركة عدد من علماء الأزهر، وقافلة سلام إلى جمهورية كولومبيا فى 30 يوليو/تموز، تم خلالها إلقاء المحاضرات عن جوهر الإسلام ورسالته السامية، والحديث عن السلام ونبذ العنف، بالإضافة إلى إطلاق حوار بين الأطراف المعنية بالصراع فى ولاية راخين بميانمار من جميع الدِّيانات (البوذية والإسلام والمسيحية والهندوسية)، وإرسال قافلة مساعدات إنسانية لمسلمي الروهينجا اللاجئين فى بنجلاديش.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة