الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
بين الغنوشي وسعيّد.. صراع المواقع وقفزٌ على الصلاحيات

تونس – وفاء دعاسة
لم يعد التصادم والتنازع بین رئاستَي الجمھورية والبرلمان مجرد تخمینات أو تأويلات لمؤشرات قد تكون صائبة أو فُھمت في غیر سیاقھا؛ بل تحولت إلى شبه قناعة لدى كثير من المتابعين، لا سیما بعد تتالي تصريحات ومواقف راشد الغنوشي رئیس مجلس النواب، “المھاجمة” لقیس سعیّد رئیس الجمھورية، من خلال تقییم بعض قراراته أو تحمیله المسؤولیة بطريقة غیر مباشرة.
وأجمع مراقبون على أن العلاقة التي تجمع سعيّد برئيس البرلمان “ليست على ما يُرام”، وقد تواترت الإشارات والرسائل المشفرة من رئيس حركة النهضة إلى رئيس الجمهورية، والتي تضمنت اتهامات وحمَّلت سعيّد مسؤولية فشل جملة من الاختيارات؛ على رأسها اختيار إلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة.
اقرأ أيضًا: وزير سابق بحكومة الترويكا رئيسًا مكلفًا لتشكيل حكومة تونسية تقنع البرلمان
وبات يحوم حول العلاقة، التي كانت هادئة نسبيًّا في بداية العهدة الرئاسية، تنافسٌ على احتكار المشهد وتداخل في الصلاحيات ومناوشات متعددة أفضت إلى ما يشبه الحرب الإعلامية التي تصاعدت واحتدَّت بعد أن رفضت حركة النهضة منح الثقة لحكومة رئيس الوزراء المكلف إلياس الفخفاخ، المرتقبة.
حرب باردة أم حرب تموقع؟
تقول الصحفية سهام عمار: “إن الصراع بين الغنوشي وسعيّد هو حرب باردة وحرب تموقع في آن واحد؛ فراشد الغنوشي عاد ليحكم تونس، والدليل أنه كان يحكم في الخفاء إلى أن تمكَّن من دواليب الدولة، وكان يردد دائمًا مقولته الشهيرة بعد اعتصام الرحيل (خرجنا من الحكومة ولم نخرج من الحكم)”.
اقرأ أيضًا: بعد زيارة أردوغان غير المعلنة إلى تونس.. هل يُغيِّر سعيّد موقف تونس الحيادي من الملف الليبي؟
وتضيف عمار، خلال حديث خاص لها إلى “كيوبوست”: “بعد فوز قيس سعيّد بالرئاسة، وجد الغنوشي نفسه أمام شخصية نجحت بنسبة مهمة من الأصوات، وهو الذي كان يتمنى أن يحظى بها، وكان يتمنى تلك الشعبية المهمة أن تكون من نصيب حركته، كما وجد نفسه أمام سعيّد الرافض للأحزاب ونظام الدولة”.

وتؤكد سهام عمار أن حركة النهضة وجدت نفسها في مأزق، وما أرادت أن توقِع فيه قيس سعيّد وقعت هي فيه، لافتةً إلى أنه يمكن اعتبار سقوط حكومة الجملي أكبر إحراج لرئيس حركة النهضة؛ باعتباره مهندس المشاورات واختيار الشخصية، كما أنه كان بداية توتر العلاقة بين قيس سعيّد والغنوشي؛ فكأن البساط سُحب من تحت أقدام “النهضة”، ومنذ تلك اللحظة بدأ التدخل في اختيارات الغنوشي وإحراجه بزيارة أردوغان.
وتفيد سهام عمار أن الحرب الباردة بين الغنوشي وسعيّد أُقحم فيها النواب باستدراجهم لتمرير مقترح قانون جوازات السفر، وهو تحدٍّ واضح وليّ ذراع لسعيّد الذي رفض منح نواب المجلس جوازات سفر، علمًا بأن رئيس المجلس يتمتع بجواز سفر دبلوماسي؛ لكنها رسالة واضحة من الغنوشي إلى سعيّد بأن الحكم هنا وبيدي تحت قبة المجلس، ما يعني كسر أية مبادرة قادمة لسعيّد حتى إن كانت في خدمة الشعب، والهدف هو إضعافه ومنعه من تحقيق وعوده الانتخابية.
اقرأ أيضًا: إعفاءات بأعلى السلطة بتونس.. إقالات أم تصفية حسابات؟
التنازع على الصلاحيات
ويبدو أن التصادم بين قرطاج وباردو ليس إلا محاولة لكل طرف من أجل توسيع نفوذه ورسم حدود جديدة لسلطته والقفز على الصلاحيات التي حدَّدها الدستور .
ويرى النائب عن التيار الديمقراطي بمجلس نواب الشعب رضا الزغمي، أن طبيعة النظام السياسي في تونس الذي ينبني على ثلاث سلطات؛ هي رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة، تولِّد تلقائيًّا تنازعًا على الصلاحيات، والتنافس قائم، وهو ما لاحظناه في فترة سابقة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، ونعيشه الآن بشكل آخر بين الغنوشي وسعيّد.

ويضيف الزغمي، في تصريح خاص أدلى به إلى “كيوبوست”، أن غياب شخصية وازنة وقوية في رئاسة الحكومة يركِّز النزاع بين سعيّد والغنوشي، مضيفًا أن هذا التنازع ظهر في مسائل رمزية؛ خصوصًا في ما يتعلَّق بالتصريحات، وبدأ كل طرف يسعى في أحيان كثيرة إلى تجاوز سلطاته وصلاحياته التي حدَّدها الدستور، وهو في الحقيقة صراع على صلاحيات لا يملكها أيٌّ منهما، حسب تعبيره.
ويشير النائب عن التيار الديمقراطي بمجلس نواب الشعب إلى أن حقيقة الصراع بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان هي نتيجة عدة تراكمات وخاصة بفوز سعيّد بالرئاسة، وقد أثبتت استطلاعات الرأي المختلفة التي قامت بها مؤسسات سبر الآراء في تونس، أن راشد الغنوشي دائمًا ما صُنِّف ضمن الشخصيات المرفوضة من التونسيين، ولم يحظَ بقبول إلا من مريديه.
اقرأ أيضًا: كيف يسعى إسلاميو تونس للحصول على دعم واشنطن؟
كما يؤكد محدثنا أن هناك تعديًا واضحًا وفاضحًا من الغنوشي على صلاحيات وزارة الخارجية وعلى الدبلوماسية الخارجية؛ من خلال زياراته خارج الوطن واستقباله سفراء دول في تونس، مشيرًا إلى أن ذلك لا يمكن تفسيره سوى بأن رئيس حركة النهضة مرتبط بأطراف خارجية.
كما اعتبر الزغمي أن رئيس حركة النهضة يريد حشر نفسه في كل الملفات؛ فنجده يتدخَّل حتى في مشاورات تشكيل الحكومة وتنظيم لقاءات في منزله، وهو أمر خطير جدًّا باعتبار أن الالتزام بالدولة ومقتضياتها لا يجب أن يخرج عن الفضاءات الرسمية الخاصة به، حسب تعبيره.