الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
بين الإسلاموية واختبار مرونة النموذج الفرنسي.. كيف نفهم العلمانية الفرنسية؟
إنها ليست شكلاً من أشكال إلحاد الدولة ولا تحريماً للدين.. وبدلاً من ذلك تكرس العلمانية في القانون الحق في الإيمان أو عدم الإيمان.. مع إبعاد الدين في الوقت نفسه عن الشؤون العامة

كيوبوست – ترجمات
في كل مرة يتم فيها ارتكاب عمل من أعمال الإرهاب الجهادي على الأراضي الفرنسية، تنهمك البلاد من جديد في نقاش عالمي حول العلمانية، وما إذا كانت هي حل المشكلة أم مصدرها. وتنص المادة الأولى من الدستور الفرنسي صراحةً على أن الجمهورية يجب أن تكون “غير قابلة للتجزئة، وعلمانية، وديمقراطية واجتماعية”. وتشير كلمة “laïque”، التي تصعب ترجمتها، إلى العقيدة الفرنسية تجاه العلمانية؛ وهي شكل من أشكال العلمانية التي تعتبر مركزية في تاريخ الدولة وهويتها، ولكن أُسيء فهمها كثيراً في أماكن أخرى.
اقرأ أيضاً: إشكالات الإرهاب المتجددة في فرنسا
إنها ليست شكلاً من أشكال إلحاد الدولة، ولا تحريماً للدين. وبدلاً من ذلك، تكرس العلمانية في القانون الحق في الإيمان أو عدم الإيمان، مع إبعاد الدين في الوقت نفسه عن الشؤون العامة؛ ولا يمكن لأي رئيس فرنسي، على سبيل المثال، أن يؤدي القسَم على كتاب مقدس، كما لا يمكن لأية مدرسة حكومية فرنسية أن تقيم مسرحية المهد (احتفالاً بالكريسماس)، ولا يكون أي زواج فرنسي قانونياً إذا تم الاحتفال به في مكان عبادة فقط.
وتاريخياً، كانت العلمانية الفرنسية نتاج صراع مع الكنيسة الكاثوليكية. وفي نهاية القرن التاسع عشر، كانت معركة الجمهورية لانتزاع الفصول الدراسية والجيش والسياسة من أيدي رجال الدين أحياناً عنيفة، وتم إغلاق الأديرة والمدارس الدينية بالقوة، وفرّ آلاف الكهنة من البلاد. وأعلن رينيه فيفياني؛ الوزير الاشتراكي في الجمعية الوطنية: “لقد انتزعنا الضمير البشري من براثن الإيمان”.

ونتج عن هذه الحملة قانونُ عام 1905؛ لترسيخ العلمانية في جميع أنحاء فرنسا (باستثناء الألزاس- موسيل، التي تتمتع بعدم التقيد بموجب اتفاقية نابليون لعام 1801). وكان الهدف هو حماية المعتقد الديني الخاص، وكذلك أيضاً الحفاظ على الشؤون العامة خالية من تأثير أي دين.
وعلى مدار الأعوام الثلاثين الماضية، ومنذ تم إيقاف ثلاث تلميذات عام 1989؛ لارتدائهن الحجاب في المدرسة في كريل، شمالي باريس، تحول الجدل حول العلمانية من الكاثوليكية إلى التسوية بين الدولة الفرنسية والإسلام.
وحظرت القوانين المتعاقبة (في 2004) على المدارس الحكومية والمؤسسات العامة الرموزَ الدينية “البارزة”؛ بما في ذلك الحجاب الإسلامي (والصليب)، ثم (في 2010) تغطية الوجه بالكامل، بما في ذلك النقاب، في جميع الأماكن العامة. وبالنسبة إلى متعددي الثقافات الليبراليين، تعتبر هذه الإجراءات انتهاكاً صارخاً للحق في التعبير الديني.
اقرأ أيضاً: الرئيس الفرنسي ماكرون إلى “الفاينانشال تايمز”: فرنسا تقف ضد الانفصالية الإسلامية
وداخل فرنسا أيضاً، تتهم مجموعات معينة الحكومات المتعاقبة بـ”تسليح” العلمانية بطريقةٍ تضفي الشرعية على الإسلاموفوبيا. كما يشيرون إلى قانون منفصل بشأن حرية التعبير، يعود تاريخه إلى عام 1881، والذي يحمي التجديف وبالتالي يشرع الرسوم الكاريكاتيرية للنبي والمسيح أيضاً. وتتصاعد المشاعر في كل مرة يتم فيها شن حملة رسمية على الإسلاميين المتشددين، كما يحدث غالباً بعد الهجمات الإرهابية. ونتيجة لذلك، لم تكن البلاد غريبة على المقاطعات والاحتجاجات المناهضة لفرنسا.

لكن بالنسبة إلى العلمانيين الفرنسيين الموجودين في كل من اليسار السياسي واليمين، فإن هذه الترسانة القانونية هي إعادة تأكيد لنموذج الدولة المتميز. وقد يكون من القانوني إهانة أي دين في فرنسا؛ لكن القانون يحظر أيضاً إهانة أي فرد أو التحريض عليه على أساس هذا الدين.
اقرأ أيضاً: لماذا يبدو من الصعب على فرنسا طرد المتطرفين الإسلاميين؟
وعلى مرِّ السنين، اكتشفتِ الحكومات الفرنسية بشكل متزايد أن وراء الإشارات “الناعمة” للإسلام المحافظ جهداً أيديولوجياً لنشر الإسلاموية، واختبار مرونة النموذج الفرنسي. ويطرح الرئيس إيمانويل ماكرون قانوناً ضد “الانفصالية الإسلامية” والذي من شأنه، على سبيل المثال، حظر التعليم في المنزل على أساس أنه يمكن أن يخفي التعاليم الباعثة على التطرف. وقد ينظر العالم الخارجي إلى هذه الإجراءات في ذهول؛ لكن من المرجح أكثر من أي وقت مضى أن تستمر فرنسا في الدفاع عن العلمانية، وتعزيزها.
المصدر: الإكونوميست