الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
بوريس جونسون في مواجهة الإغلاق.. خطر قتل الاقتصاد أم قتل الآلاف؟

كيوبوست – ترجمات
بينما كان يسير مع كلبه “ديلين” حول أراضي قصر تشيكرز (الذي يقضي فيه نقاهته)، الأسبوع الماضي، كان يمكن الصفح عن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون؛ لتساؤله عمَّا إذا كان أطفالُ المدارس لا يزالون يتعلمون القصة الإنجيلية حول حكمة سليمان أو الحقائق القاسية لاختيار هوبسون؛ أي المعضلات الكلاسيكية لأولئك الذين يواجهون قرارات صعبة.
اقرأ أيضاً: فوز جونسون يأخذ بريطانيا إلى المجهول
ويقول وزراءُ الحكومة البريطانية إن إعادة فتح المدارس أصبحت الخطوةَ الأولى الرمزية في الرفع التدريجي للإغلاق المفروض بسبب فيروس كورونا؛ قرار لا يمكن إلا لجونسون اتخاذه عند عودته من فترة النقاهة. بينما تعمل وزارة التعليم على أساس أن بعض التلاميذ سيعودون إلى المدرسة يوم الإثنين، 11 مايو؛ الأمر الذي سيمهد الطريق أمام الآباء للعودة إلى العمل. والقضية بالنسبة إلى جونسون هي مدى وسرعة تنفيذ ذلك.
ويجري النقاش في مجلس الوزراء بين أولئك الذين يريدون إنقاذ الأرواح، وأولئك الذين يريدون إنقاذ الاقتصاد؛ بينما الأمور في الواقع أكثر تعقيداً. وقال السير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين للحكومة: “إن معدل استنساخ الفيروس، المعروف باسم (R)، كان (أقل من واحد)؛ ما يعني أن كل ضحية تصيب أقل من شخص آخر في المتوسط، وهو المفتاح الرئيس للتغلب على المرض”.
اقرأ أيضاً: غالبية البريطانيين لا يرغبون في العودة إلى حياة ما قبل “كورونا”
غير أن ما يتعيَّن على جونسون ومستشاريه العلميين حسابُه هو إلى أي مدى يمكنهم تخفيف الإغلاق وإبقاء معدل استنساخ الفيروس عند “أقل من واحد”؟ وكذلك الأرقام التي تتعلق بالرعاية الصحية؛ حيث كان هناك نحو 2700 سرير رعاية حرجة فارغ في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، الأسبوع الماضي.

كارثة اقتصادية
ويعتقد الوزراء الذين توقعوا كارثة اقتصادية إذا استمر الإغلاق، أن لدى هيئة الخدمات الصحية أداة يمكن استغلالها. وقال أحد المسؤولين: “النقاش الآن بين الأشخاص الذين يعتقدون أنه يجب علينا كبح الفيروس بالكامل، وأولئك الذين يعتقدون أنه يجب علينا العودة إلى العمل بقوة، واستخدام الطاقة الاحتياطية لدى هيئة الخدمات الصحية، والسعي إلى إبقاء رقم استنساخ الفيروس عند أقل من واحد”.
اقرأ أيضاً: هل تقف بريطانيا أمام تكلفة باهظة بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي؟
بينما قال مسؤول مطَّلع كبير آخر: “عليك أن تكون واضحًا، فالاندفاع يعني احتمال وفاة المزيد من الأشخاص. وهذا هو القرار الذي سيتخذه رئيس الوزراء”. وأضاف مصدر حكومي: “الناس يدركون أنهم في الواقع سعداء للغاية؛ لأنهم ليسوا رئيسَ وزراء، ومعظمهم لم يعتقدوا قط أنهم سيقولون ذلك”.
ويسعى زملاء جونسون إلى توفير خيارات لعودته؛ حيث تتبنى رئاسة الحكومة “إيقاعًا للمعركة” من أجل الاستعداد. كما يترأس دومينيك راب، نائب جونسون المعيَّن، الاجتماع اليومي الساعة 9:15 صباحًا لـ”مجلس الحرب الحكومي” ضد فيروس (كوفيد-19). ويتْبع ذلك اجتماعٌ سياسي أعمق حول مجال محدد واحد مع مجموعة أصغر من الوزراء والمسؤولين. وقد شملت قضايا الأسبوع الماضي دور الرعاية والاقتصاد وشراء معدات الحماية الشخصية.

ويمكن الكشف عن وجود ذلك الأمر من خلال فريق رباعي شكَّل حكومة حرب داخلية؛ مثل تلك التي أدارت الحكومة الائتلافية بقيادة ديفيد كاميرون. وفي الساعة السادسة مساءً، أجرى راب محادثات مع مايكل جوف وزير مكتب مجلس الوزراء، وريشي سوناك وزير المالية، ومات هانكوك وزير الصحة. حيث أُطلعتِ المجموعةُ الرباعية على معلومات عن الفيروس والتباعد الاجتماعي من قِبَل مجموعة “سيدج” الاستشارية العلمية الحكومية لحالات الطوارئ.
شاهد: فيديوغراف.. أبرز المتغيرات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
وقال راب لزملائه، في اجتماع مجلس الوزراء الافتراضي، إن الأمر سيحتاج إلى أسبوعين قبل أن تتوافر لدى لجنة الخبراء البيانات التي سيُبنى عليها قرار. وطلب من جوف رئاسة المناقشات حول الخيارات طويلة المدى. وتم حظر عبارة “استراتيجية الخروج” في قصر “وايت هول” بعد أن أشار أحد علماء الأوبئة إلى أن الفيروس الوحيد الذي تم القضاء عليه هو الجُدري.
اقرأ أيضاً: الصين تسيطر على سوق الدواء.. والغرب يعيش مرحلة ما بعد الصدمة
ويتمثل عمل جوف في التنسيق الذي يضع أطفال المدارس في طليعة نهج ثلاثي المراحل. وبموجب الاقتراحات، سيتم التدريس للتلاميذ في فصول أصغر تضم 15 تلميذاً، بدلاً عن 30؛ للتمكين من مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي. كما سيتم تعليمهم خلال أيام محددة من الأسبوع أو كل أسبوعين.

خطط الحكومة
وقال مصدر مطَّلع على الخطط: “ستكون الأولوية لعودة تلاميذ المدارس الابتدائية أولاً”. ومن المرجح أن يخضع الأطفالُ في عمرَي 10 و12 سنة، والمقرر تأهيلهم للشهادة العامة في التعليم الثانوي والمستويات (A) العام المقبل، لتلك الاختبارات بعد شهرين من المعتاد، أي في يوليو وأغسطس 2021؛ لمساعدتهم في تعويض الوقت الضائع.
ولم يتم اتخاذ أي قرارات محددة بهذا الصدد؛ لكن 11 مايو هو الخيار المفضل لإعادة فتح المدارس. وإذا قرر جونسون تأجيلاً، فقد تُفتح خلال عطلة الصيف في شهرَي يوليو وأغسطس.
اقرأ أيضاً: بجعة “كورونا” السوداء تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي
كما ستشهد المرحلة الأولى عودة كاملة للبرلمان، بدلاً من المناقشات الافتراضية المقرر عقدها لاحقاً. وقال أحد كبار المحافظين: “ستتم إعادة فتح تجارة التجزئة غير الضرورية أيضاً طالما كانت تراعي التباعد الاجتماعي“. وهذا يعني إعادة فتح متاجر بيع الأدوات الخاصة بالأنشطة التي يمكن أن يزاولها الفرد بنفسه؛ مثل “هوم بيز” و”أيكيا”، ومراكز بيع مستلزمات الحدائق، ومنافذ قطاع الخدمات؛ مثل إخصائيي البصريات ومصففي الشعر.
واقترح جورج يوستيس، وزير البيئة، خفض الحد الأدنى لأجور موظفي القطاع الزراعي، الذين سيعودون أيضاً في المرحلة الأولى؛ ولكن هذا لا يدعمه الآخرون.

أما العنصر الأساسي الآخر فهو العودة الكاملة لخدمات السكك الحديدية والحافلات. وقال مصدر: “لا يمكنك إعادة الناس إلى العمل إلا إذا كانت القطارات والحافلات تعمل”. وهذا يعني محادثاتٍ صعبة مع نقابات النقل، التي تريد المزيدَ من الحماية لعمالها. وسيتم وضع معقم اليد في الحافلات والقطارات والترام والمترو، وسيحصل السائقون على معدات الحماية الشخصية. وقال مصدر: “إنهم قلقون بشأن مطالبة النقابة بامتيازات على الأجور والمعاشات التقاعدية لإعادة موظفيها إلى العمل”.
اقرأ أيضاً: العالم بعد “كورونا”
وفي المرحلة الثانية، التي قد لا تتم حتى شهر يوليو، ستتم إعادة فتح متاجر التجزئة ذات الأولوية المنخفضة؛ مثل المكتبات، وسيتم حثّ جميع البالغين على العودة إلى العمل. وستكون الحانات والنوادي والمطاعم في قائمة الانتظار في المرحلة الثانية.
وستستغرق المرحلة الثالثة -التي تنهي “حماية” المسنين والأكثر ضعفاً من الفيروس وقتاً أطول- ربما حتى خريف العام المقبل. وقال أحد كبار المحافظين: “على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً أن يبقوا في المنازل حتى يكون هناك لقاح.. لن يتم رفع الإغلاق من الناحية الجغرافية؛ ولكن سيكون هناك بعض التمايز حسب الفئة العمرية على أساس المخاطر”.

ويقول مسؤولون مطلعون إن الدافع لرفع الإغلاق يأتي من مجموعة من الصقور، بقيادة: سوناك، وجافين ويليامسون وزير التعليم، وألوك شارما، ووزير الأعمال ليز تروس ووزير التجارة الدولية المدعوم من السير مارك سيدويل، سكرتير مجلس الوزراء. حيث ورَدَت مخاوفهم في وثيقةٍ موجزة للوزراء حذَّرت من أن 60% من الشركات ليس لديها احتياطات نقدية لأكثر من 3 أشهر، وأن “مشكلات كبيرة” في سلاسل التوريد للسلع الاستهلاكية ستُخرج الكثير من العمل.
شاهد أيضاً: فيديوغراف.. “كورونا” يحصد الأرواح في أوروبا
وهناك واحدة من كل 3 شركات أزياء لا يتوقع لها أن تنجو لمدة شهر. وتواجه صناعة السيارات “مشكلات تتعلق بالتدفق النقدي”، وسوف تنفد أموال شركات الطيران “في غضون أسابيع”. كما أن صناعات السياحة والرياضة وتنظيم الفعاليات معرضة إلى الخطر أيضاً، ومن المتوقع أن تتلاشى 6 من أصل 10 صحف محلية. وقال مصدر مطلع على التوقعات: “إذا لم نبدأ رفع الإغلاق في الأسابيع القليلة المقبلة، فلن يتبقى شيء نعود إليه”. ووصف آخر حجم التهديد بأنه “نهاية الحضارة”.

ضمان عدم الانهيار
وكان هانكوك صريحاً في تأكيده، خلال الاجتماعات، أنه يجب أن تكون الأولوية لضمان عدم انهيار هيئة الخدمات الصحية. ودعمه جوف في مجلس الوزراء لإظهار جبهة موحدة من الفريق الرباعي؛ لكنه أخبرهم خلال اجتماع عُقد مؤخراً أن موقفه قد تغيَّر. وقال جوف: “لقد توصلت إلى وجهة نظر مفادها أننا بحاجة إلى عودة العمل بقوة.. أنا أتفق مع ريشي”. ورد هانكوك: “أنا لا أوافق”.
ويمكن لتغيير موقف جوف أن يغير التوازن لصالح الصقور؛ حيث يُعتقد أيضاً أن راب، الذي ظل محايداً أثناء عمله نيابةً عن جونسون، متشددٌ بالغريزة. وقد وجد نهجُ “القمع” الأكثر حذراً بعضَ الدعم في داونينج ستريت؛ حيث نجد أن الإغلاق لا يزال يحظى بدعم ساحق من الشعب.
اقرأ أيضاً: سباق مع الزمن لتطوير مصل مضاد لوباء الصين الجديد
واستخدم دومينيك كامينغز، مساعد جونسون الأساسي، خلال اجتماع بشأن (كوفيد-19)، يوم الثلاثاء في الساعة 9:15 صباحاً، يومه الأول في المكتب بعد إجازة لظهور أعراض، لإثارة مسألة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، التي قتلت ما لا يقل عن 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وأكثر من 200 ألف شخص في المملكة المتحدة.

وقال مصدر: “لقد حذَّر من أنه كان يطالع الصحف بشأن الإنفلونزا الإسبانية؛ حيث خرجتِ الدول من الحظر في وقتٍ أقرب، ولم تفقد المزيد من الأرواح فحسب؛ لكن اقتصاداتها تعرضت إلى ضربة أكبر”. ويشارك كريس ويتتي، المسؤول الطبي الأول في الحكومة، مخاوف حدوث موجة ثانية من تفشي الفيروس. بينما قال مصدر في مجلس الوزراء: “مشكلة العودة إلى العمل هي أن هناك تأخيراً لعدة أسابيع بين اتخاذ الإجراءات ورؤية النتائج. ونريد أن نتجنب الموقف الذي تُخفف فيه القواعد ثم تضطر إلى فرضها مرة أخرى”.
ويغضب الصقور من هانكوك؛ لفشله في توفير نظام اختبار للكشف عن الإصابة بالفيروس في أية نقطة تقترب من وعده بإجراء 100 ألف اختبار في اليوم بحلول نهاية الشهر. وقال أحدهم: “عندما نأتي لتخفيف الإغلاق، فإننا نحتاج إلى خيارات؛ الأمر يحتاج إلى اختبارات جماعية، وإذا لم ينجح ذلك فلا يمكننا اتخاذ هذه القرارات”.
اقرأ أيضاً: الإنفلونزا الإسبانية.. أم جميع الأوبئة الحديثة
ودون بيانات عن الآثار الدقيقة لعملية الإغلاق، لا يمكن اتخاذ أي قرارات؛ لكن الجميع يوافقون على أنه لا يمكن تفويض القرار للعلماء. وقال مصدر من حزب المحافظين: “الخطر هو أننا أصبحنا مثل توني بلير عندما سلَّم السلطة إلى المخابرات بشأن العراق. فالعلوم الطبية أمر بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات مستنيرة؛ ولكنها لا يمكن أن تحل محل الحكم السياسي”.

وقد أصبح جونسون أكثر انخراطاً في الوضع بعد خروجه من المستشفى بأيام؛ لكن هناك تقارير تحدثت عن أنه “ينام كثيراً” و”لا يزال ضعيفاً”، وبلغ ذلك ذروته من خلال إبلاغ راب للوزراء بعدم الاتصال برئيس الوزراء حتى يتمكن من الراحة. ولكن بحلول نهاية الأسبوع، كان جونسون يقوم بإرسال الرسائل النصية، والاتصال بالزملاء. وقال مصدر حكومي: “لقد كان يسعى إلى اللحاق بالتطورات للتحقق من مجريات الأمور”.
اقرأ أيضاً: جائحة فيروس كورونا ستغير النظام العالمي إلى الأبد
وكان من الممكن أن يتلقى رئيس الوزراء بضع مكالمات فقط لإدراك أن زملاءه تركوا مقعد السائق شاغراً، وأنه على الورق يواجه خيار هوبسون القائل: “افعل ما يريده الصقور أو لا شيء”. وفي الواقع، قد يكون خياراً صوفياً؛ حيث يكون كلا الخيارين عاصيين على التفكير. ويأمل جونسون في أن يتمكن من إيجاد حل يقترب من بصيرة سليمان.
الشروط الخمسة التي يمكن أن تنهي الإغلاق
حدد دومينيك راب الشروط التي يجب استيفاؤها لرفع القيود، وتشمل:
1- التأكد من قدرة هيئة الصحة الوطنية على التأقلم على الصعيد الوطني؛ حيث أدت حملة لزيادة سعة المستشفيات إلى توافر آلاف الأَسِرَّة الاحتياطية، لكن الحكومة لا تزال متخلفةً عن هدفها المتمثل في 18 ألف جهاز تنفس اصطناعي.
2- انخفاض مستمر وثابت في معدل الوفيات اليومي. ومن أجل إثبات جدوى الإغلاق يجب أن يكون ذلك الانخفاض مرئياً قريباً. لكن البيانات من دول أخرى تشير إلى أن المعدلات تنخفض أبطأ مما ترتفع.
3- انخفاض معدل الإصابة إلى “مستويات يمكن التحكم فيها”؛ أي أن 3 أسابيع أخرى من الإغلاق يجب أن تؤدي إلى الانخفاض المطلوب في المعدلات، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد حدث خطأ ما.
اقرأ أيضاً: أزمة “كورونا” العالمية في عصر ما بعد الحقيقة!
4- ضمان تلبية الطلب على الاختبارات ومعدات الحماية. وقد انتُقد الوزراء بشأن توفير كليهما؛ إذ يتوقع أن يستغرق حل مشكلات التوريد أكثر من 3 أسابيع.
5- لا يوجد خطر من موجة فيروسية ثانية قد تُغرق أنظمة هيئة الصحة الوطنية. وقد تكون أية عودة للفيروس هذا الشتاء مصحوبةً بحمل ثقيل من حالات الإنفلونزا الموسمية. ومن غير المحتمل أن تتراجع المخاطر التي تهدد الهيئة.
المصدر: زي تايمز