الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
بوثائق سرية.. “نورديك مونيتور” تكشف التجسس التركي على اليونان
تكشف الوثائق كيف استخدمت الحكومة التركية الدبلوماسيين والموظفين القنصليين المكلفين بالعمل في اليونان كعملاء سريين للتجسس وجمع المعلومات على أراضي البلد المضيف.. في خرق فاضح لاتفاقيات فيينا

كيوبوست- ترجمات
عبدالله بوزكورت
ظهر المزيد من الوثائق التي تؤكد مجدداً نشاطات جمع المعلومات والمراقبة غير القانونية التي تقوم بها منظومة المخابرات الوطنية التركية (MIT)، وكذلك السفارة والقنصليات التركية في اليونان.
تكشف هذه الوثائق عن حقيقة أن الأعمال العدوانية لعملاء الحكومة التركية على أراضي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي مستمرة بلا هوادة، ما دامت ذراع الرئيس رجب طيب أردوغان الطويلة تعمل على ملاحقة منتقديه في الخارج، متجاوزة الأمن القومي اليوناني، من دون أن يكون هنالك ما يؤشر على توقفها في المدى المنظور.

الوثيقة الأولى التي تحمل ختم “سري”، والمؤرخة في 26 مارس 2019، تشير إلى وكالة استخباراتية بالرمز “المؤسسة IV” وفيها قائمة من 568 اسماً لأشخاص تم تحييدهم خلال جهود استخباراتية. وقد اتهم هؤلاء الأشخاص الذين استهدفهم جهاز المخابرات التركي (MIT) بالانتماء إلى حركة غولن، التي يقودها المفكر الإسلامي التركي فتح الله غولن، المعروف بانتقاداته الصريحة لحكومة أردوغان حول طيفٍ واسع من القضايا المتنوعة؛ مثل الفساد ودعم ومساعدة الجماعات المتطرفة في سوريا وليبيا.
اقرأ أيضاً: وثائق مسربة تكشف تورط المخابرات التركية في أنشطة تجسس داخل أستراليا واستهداف معارضي الحكومة
ووفقاً للوثيقة، فقد تتبعت المخابرات التركية تحركات طالبي اللجوء الأتراك أثناء وجودهم في اليونان، وتوصلت إلى أن بعضهم قد غادر البلاد، وحددت أياً من دول القارتَين الأوروبية أو الأمريكية شكلت وجهتهم النهائية بعد محطتهم في اليونان. ومن بين هؤلاء الذين تم التجسس عليهم هنالك 288 شخصاً وصفتهم بأنهم موظفون حكوميون سابقون، وقد عمل معظمهم في مدارس تركية حكومية، قبل أن يتم طردهم من وظائفهم بشكلٍ تعسفي، ودون أي تحقيق إداري أو قضائي.
كما تضم الوثيقة أسماء 31 ضابطاً سابقاً بالشرطة، و23 من ضباط الجيش، وأربعة دبلوماسيين عملوا سابقاً في وزارة الخارجية التركية. وهؤلاء جميعاً كانوا قد اضطروا إلى الفرار من حملة القمع غير المسبوقة والمطاردات المحمومة التي شنتها حكومة أردوغان ضد أعضاء حركة غولن، في إطار التحول الحكومي البيروقراطي نحو حكومة يسيطر عليها الإسلاميون، والقوميون، والقوميون الجدد.
وتكشف هذه الوثيقة التركية الحكومية عن وجود تقريرٍ استخباراتي حول اليونان تحتفظ به وكالة تجسسية تابعة للمخابرات التركية في خزينة رقمية محمية بكلمة مرور على خوادم الشرطة الداخلية، وتم توزيعه على عشرات المقاطعات التركية في رسالة سرية كي تتخذ فيها أجهزة الشرطة المزيد من الإجراءات ضد طالبي اللجوء الذين حددهم التقرير.
اقرأ أيضاً: كيف انخرطتِ المخابرات التركية في دعم الحركات الجهادية في الصومال وسوريا؟
وقد وقَّع حسن ييغيت؛ نائب رئيس قسم مكافحة الإرهاب في المديرية العامة للأمن في أنقرة، الوثيقة التي حذرت من أن تقرير المخابرات التركية سيكون موجوداً في الخزينة الإلكترونية لمدة 24 ساعة فقط، وأعطى كلمة المرور للوصول إليه. ويدل ذلك على خشيته من تسرب الوثيقة، والتداعيات المحتملة لفضيحة انكشاف هذه الأنشطة الاستخباراتية في الأراضي اليونانية. وقد نبَّه ييغيت الوحدات الشرطية إلى أنه يجب أن تكون هذه المعلومات متاحة فقط لمن يحتاجون إلى معرفتها، وألا يسمح بمشاركتها مع أي طرف ثالث غير مصرح له بالاطلاع عليها.

وفي وثيقةٍ أخرى ذات صلة ممهورة بالسرية اطلع أردوغان كارتال؛ نائب رئيس قسم مكافحة الإرهاب في المديرية العامة للأمن في أنقرة، في 5 نوفمبر 2019، على تقريرٍ استخباراتي آخر تم جمعه في اليونان؛ ولكن التقرير في هذه المرة لم يكن من صنع جهاز المخابرات التركي، بل من صنع البعثات الدبلوماسية التركية في اليونان. وقامت السفارة التركية في أثينا بإرسال هذا التقرير الاستخباراتي المؤلَّف من ثلاثِ صفحات إلى مقر وزارة الخارجية التركية التي أرسلته بدورها إلى قيادة الشرطة والمخابرات ووزارة العدل. وقد استعمل الرمز V للإشارة إلى وزارة الخارجية التركية كمصدر لهذا التقرير الاستخباراتي.

وقد نبَّه كارتال إلى أنه يجب التعامل مع هذه المعلومات بأقصى درجاتٍ الحذر، وأن تكون متاحة فقط لمَن يحتاجون إلى معرفتها، وطلب إفادته بالإجراءات المتخذة ضد الأشخاص المذكورين في التقرير. وقد أظهر تقرير السفارة التركية السري المؤلف من ثلاث صفحات أسماء 47 مواطناً تركياً تمكنوا من الفرار من أحكام غير عادلة بالسجن في تركيا على أساس تهمٍ ملفقة.
رسالة من شرطة أنقرة تظهر أن تحقيقاً جنائياً قد أطلق حول أشخاص تجسست عليهم السفارة في أنقرة
وبعد يومين ردَّ إبراهيم بوزكورت؛ نائب رئيس شرطة أنقرة، على مديرية الأمن العامة بقوله إن تحقيقات جنائية مع أربعة أشخاص من مواليد ولاية أنقرة قد بدأت. وكذلك بدأت تحقيقات مشابهة مع آخرين في ولايات أخرى. ويبدو من تذييل الصفحة أنه تمت مشاركة الرسالة مع قسم الإنتربول واليوروبول في الشرطة التركية أيضاً. وفي السابع عشر من يناير 2020، أبلغ ألب أصلان؛ نائب رئيس الشرطة الإقليمية في أنقرة، المحكمةَ الجنائية العليا السادسة عشرة في أنقرة، أن أحد الأشخاص المدرجة أسماؤهم في تقرير السفارة التركية الاستخباراتي تجري محاكمته في تلك المحكمة.
اقرأ أيضاً: تورط المخابرات التركية بتهريب المخدرات والسلاح لمتطرفين بحماية أردوغان
تكشف الوثيقة الثانية كيف استخدمت الحكومة التركية الدبلوماسيين والموظفين القنصليين المكلفين بالعمل في اليونان كعملاء سريين للتجسس وجمع المعلومات على أراضي البلد المضيف، في خرق فاضح لاتفاقيات فيينا ذات الصلة.
تخضع حصانة وامتيازات الدبلوماسيين والموظفين القنصليين للمعاهدات الدولية التي تحكمها. فالدبلوماسيون الذين يستمتعون بالامتيازات والحصانات المذكورة في معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية، يقع على عاتقهم واجب احترام القوانين والأنظمة السائدة في البلد المضيف، وتجنب التدخل في شؤونه الداخلية، كما جاء في المادة 41. وبالمثل، يُمنح الموظفون القنصليون امتيازاتٍ وحصاناتٍ محدودة موضحة في معاهدة فيينا للشؤون القنصلية، ولكن سلطات الدولة المضيفة يمكنها بدء التحقيقات ومقاضاة أيٍّ من الموظفين القنصليين إذا ارتكبوا أية جرائم، سواء داخل أو خارج مبنى القنصلية، وذلك وفقاً للمادة 43 من المعاهدة.
تقرير استخباراتي من السفارة التركية من ثلاث صفحات تم إرساله من أثينا إلى أنقرة
وهذا السلوك يعتبر أمراً غير مسبوق بالنظر إلى أن تركيا كانت تحرص بشكل عام على الفصل بين عملها الدبلوماسي وأعمال التجسس؛ من أجل حماية دبلوماسييها وموظفيها القنصليين، ولتجنب الإضرار بعلاقاتها الثنائية. فضباط الاستخبارات الملحقون بالسفارات التركية معروفون بالنسبة إلى البلدان المضيفة لهم، ويعملون فقط بصفة ضباط ارتباط. إلا أن تحويل الدبلوماسيين والموظفين القنصليين إلى جواسيس يمثل مستوى جديداً من التصعيد الخطير في أسلوب حكم أردوغان في تركيا، حيث خضع ما يقارب 30% من دبلوماسييها، بمَن فيهم سفراء بارزون، لحملات التطهير والاعتقال.
اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل قمع معارضيه مروجاً لمحاولة انقلاب جديدة
وعندما ظهر تورطه في فضيحة فساد كبرى كشفت عن رشاوى سرية، مرتبطة بعملية غسيل أموال قام بها “رضا ضراب” في خرقٍ للعقوبات على إيران، ألقى أردوغان اللوم على غولن في تحقيقات الفساد التي أُجريت مع أفراد عائلته وشركائه في العمل والسياسة. ووصف جماعة غولن بأنها كيان إرهابي على الرغم من عدم ارتباطها بأي عمل عنيف على الإطلاق، وشنَّ عليها حملة قمع عنيفة، وسجن ولاحق عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين، وصادر أملاكهم بشكل تعسفي، وأغلق المدارس والجامعات والجمعيات ووسائل الإعلام والمشافي ومختلف المؤسسات التي يملكها أو يديرها أشخاص مرتبطون بالجماعة.

لقد كانت اليونان تمثل وجهة مهمة لمعارضي ومنتقدي نظام أردوغان؛ بمن فيهم أتباع غولن، للهروب من غضب أردوغان؛ وذلك لأن لها حدوداً برية وبحرية مع تركيا. يبدو أن أجهزة المخابرات التركية التي تدير عمليات جمع المعلومات بالاعتماد على البنى التحتية التي طورتها الأقلية المسلمة في اليونان، قد كثفت عملياتها على أراضي جارتها العضو في حلف شمال الأطلسي. والوثائق السرية تثبت أن تركيا تستمر في متابعة معارضيها ومنتقديها حتى بعد تمكنهم من العبور إلى اليونان وطلب اللجوء فيها؛ بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
المصـدر: نورديك مونيتور