الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

بوب مارلي أسطورة موسيقى “الريغي” الذي غنّى أفكاره

كيوبوست- مدى شلبك

قبل أن يُتوفى عن عمر ناهز الـ36 عاماً، كانت آخر كلمات المغني وكاتب الأغاني الجامايكي بوب مارلي: “المال لا يشتري الحياة”؛ فكرة قد تتعارض مع المفهوم السائد حول معايير السعادة، لكنها ليست غريبة على الفنان العالمي الذي دافع طوال مسيرته الفنية القصيرة عن قيمٍ سامية، مثل المساواة والعدالة الاجتماعية، وغنّى ضد الفقر والاضطهاد والاستعمار. ويصادف اليوم السادس من فبراير ذكرى ميلاده الـ78.

الطفولة

جاءت مضامين أغاني مارلي التي كان يكتب كلماتها، منسجمة مع تجربته، فقد ولد روبرت نيستا مارلي في عام 1945م، في قرية ناين مايلز في دولة جامايكا الكاريبية، التي كانت مستعمرة من قبل بريطانيا، لأب أبيض بريطاني وأم سوداء جامايكية، فيما لم يحظَ الزواج بمباركة عائلة الأب البريطانية البارزة. كما نشأ مارلي في ريف غرب العاصمة الجامايكية كينغستون في كنف جده لوالدته المزارع والطبيب والمتصوف، الذي ساهم بتشكيل رؤيته للعالم، ولاحقاً لشعره.

اقرأ أيضاً: يميِّزها الارتجال والحيوية.. ماذا نعرف عن موسيقى “الجاز”؟

وفي كينغستون عايش مارلي الفقر، فقد سكن خلال مراهقته في ترينش تاون، وهو حي فقير للغاية، وبدأ تدريباً مهنياً كعامل لِحام، وخلال تلك المرحلة من حياته؛ تعرّض مارلي لإيقاعات موسيقى الجاز الممزوجة بإيقاعات السكا الجامايكية، كما أحب مغني وفرق الروك والبوب الأمريكية، التي استمع لها عبر الراديو.

البداية: تشكيل فرقة

اعتمد بوب مارلي على موسيقى الريغي الجامايكية، وكان سبباً في انتشارها على مستوى العالم، كما مزجها مع موسيقى الروك مُخرجاً نوعاً موسيقياً فريداً، وكانت أغنيته الأولى المنفردة “Judge Not” في عام 1962م، مع المنتج الجامايكي “ليزلي كونغ”.

وحظي مارلي بنجومية واسعة في بلده الأم، إذ لم ينفصل يوماً عن قضاياها، فمع الأصدقاء بيتر توش وويلر رابيت شكّل فرقة موسيقية عام 1963م، غيّرت اسمها عدة مرات إلى أن استقرت على اسم ويلرز بمعنى “النوّاحين”، وأنتجوا أغاني بمواضيع تركِّز على هموم الطبقات المسحوقة، وكانت أهم أغانيها “Simmer Down”، وعكست الواقع المرّ الذي تعايشه الطبقات الدنيا في جامايكا وانتقدت جرائم العنف فيها.

فرقة ويلرز

ومع أن الفرقة حققت نجاحاً في جامايكا، فإنها لم تتمكن من الصمود نتيجة الضيق المالي، فاتجه أعضاؤها، بمن فيهم مارلي، إلى الولايات المتحدة عام 1966م، برفقة زوجته المغنية ريتا أندرسون التي أطلعته على الرستفارية؛ وهي حركة دينية مسيحية تطورت في جامايكا في ثلاثينيات القرن العشرين، واعتنقها مارلي.

في الولايات المتحدة، أنتجت فرقة ويلرز أغانيَ مهمة، وانضم لها عازفون جدد، وفي عام 1972م سجلت الفرقة ألبومها الأول بعنوان “Catch a Fire”، ولاقى رواجاً كبيراً، وفي العام التالي قامت الفرقة بجولةٍ في بريطانيا والولايات المتحدة للترويج للألبوم، كما أصدرت الفرقة ألبومها الثاني Burnin، والذي ضم أغنية I Shot the Sheriff التي انتقدت القمع والقتل الذي تمارسه الشرطة في جامايكا، وهي أغنية أصبحت الأولى في الولايات المتحدة عند صدورها، وبقيت مصدر إلهام حتى اليوم، واستخدمت خلال حراك #BlackLivesMatter في أمريكا قبل عامين.

اقرأ أيضاً: موسيقى “الراي”… الفن الذي صدح بآلام الجزائر

ما بعد ويلرز

تفكّكت فرقة ويلرز خلال عام 1973م، وشرع أعضاؤها بالغناء منفردين، فيما أصدر مارلي ألبومه التالي “Natty Dread” عام 1975م، والذي ضم أغنية “الثورة”، والتي دعا الناس من خلالها للحذر من السياسيين المدعين، في الوقت الذي شهدت فيه جامايكا بعض التوترات السياسية بين حزب الشعب الوطني، وحزب العمال الجامايكي.

كما قام مارلي بجولةٍ فنية ضمن فرقة أطلق عليها “Bob Marley & The Wailers” برفقة فرقة ” I-Threes”؛ وهي فرقة نسائية جامايكية ضمت ثلاث مغنيات، من بينهن زوجة مارلي، ريتا، كما سجلت الفرقة في بريطانيا عشرات الأغنيات خلال عام 1975م بما فيها أغنية “No Woman, No Cry” واسترجع خلالها مارلي ذكرى شوارع كينغستون التي نشأ فيها والحنين للرفاق.

أغنية “No Woman, No Cry”

وتضمن ألبوم “Rastaman Vibration” عام 1976م أغنية “الحرب”، التي اقتبست كلمات من خطاب الإمبراطور الإثيوبي “هيلا سيلاسي” في الأمم المتحدة، والذي له مكانة خاصة لدى الرستفاريين، إذ يُعتبر مُخلّصاً، وتدعو الأغنية لإفريقيا موحدة بدون التسلسل الهرمي العرقي الذي فرضه الحكم الاستعماري. وفي نفس العام تعرض مارلي لمحاولة اغتيال في جامايكا، عندما كانت تشهد البلاد اضطراباتٍ سياسية، فغادر إلى إنجلترا حيث بقي فيها سنتين، وأصدر ألبوم “كايا”.

اقرأ أيضاً: رحيل فانجيليس.. مؤلف موسيقى فيلم “عربات النار”

المرض والموت

واصل مارلي إنتاجه الموسيقي حتى وفاته عام 1981م، بعد تعرض إصبع قدمه لجرح لم يلتئم، وكان ذلك نتيجة لإصابته بسرطان الجلد، ورفض مارلي بتر الإصبع المجروح كما أوصى الأطباء، بدعوى أنه يتعارض مع معتقداته الرستفارية، فيما عزا آخرون السبب وراء رفضه، إلى التأثير السلبي المحتمل على مهاراته في الرقص.

وكان أهم إنتاجاته بعد اكتشافه المرض؛ أغنية الخلاص، وتأمل خلالها موته الوشيك، وفي عام 1978م، عاد مارلي إلى جامايكا لأداء حفله One Love Peace Concert، حيث جعل رئيس الوزراء “مايكل مانلي” من الحزب الوطني التقدمي، وزعيم المعارضة “إدوارد سيجا” يتصافحان على المسرح، فأوقف مارلي بذلك حرباً أهلية بين المتخاصمين.

جعل مارلي رئيس الوزراء “مايكل مانلي” وزعيم المعارضة “إدوارد سيجا” يتصافحان على المسرح

وكان مارلي مهتماً بالوصول إلى السود في أمريكا، فبدأ جولة أمريكية كانت ناجحة، إلا أنها اقتصرت على ثلاث حفلات فقط، إذ كان المرض قد انتشر إلى دماغ ورئتي ومعدة مارلي، الذي توفي في أحد مستشفيات ميامي الأمريكية، ودُفن في جامايكا، وحصل على مرتبة الشرف، وقال عنه رئيس الوزراء آنذاك إدوارد سيغا “لا يمكن محو هذا الشخص من الذاكرة، إنه جزء من الوعي الجماعي للأمة”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة