الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
بنكيران زعيم “إخوان المغرب”.. مسارات حافلة من الشعبوية السياسية

المغرب-حسن الأشرف
يخطط عبد الإله بنكيران، الذي انتخب مؤخراً لقيادة حزب العدالة والتنمية المغربي، ذي الخلفية الإسلامية، ليقود حزبه إلى الفوز في الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2026، والعودة إلى كراسي الحكومة بعد أن قضى هذا الحزب في رئاستها ولايتين كاملتين (عشر سنوات).
ويراهن بنكيران على أسلوبه الخاص في التواصل والخطاب، الموسوم بكثير من الشعبوية وفق محللين ومراقبين للمشهد الحزبي والسياسي بالبلاد، من أجل ترميم صفوف “حزب الإخوان” بعد الهزيمة المدوية التي أطاحت به في الانتخابات الأخيرة لـ8 سبتمبر الماضي، ليجد نفسه في صفوف المعارضة حتى دون تكوين فريق برلماني بمجلس النواب.
اقرأ أيضًا: هل تُصلِح عودة بنكيران صورة الإخوان المسلمين المشوهة في المغرب؟
تذبذب إيديولوجي
يجر بنكيران وراءه مساراً سياسياً وحزبياً حافلاً و”متلونا” أيضاً، فقد حطَّ رحاله في أكثر من تيار إيديولوجي، بداية من “اليسار المتطرف”، ومروراً بحركة إسلامية “سرية”، ووصولاً إلى اتباع نهج “الإخوان المسلمين” في نسخته المغربية، متمثلة في حزب العدالة والتنمية.

وهكذا جرَّب بنكيران نشاطه السياسي خلال سنوات شبابه مع “حركة 23 مارس”؛ الماركسية اللينينية، التي تأسست في 23 مارس 1970 وكانت تعمل في إطارٍ من السرية مؤمنة بسلاح التغيير عبر الثورة وقلب نظام الحكم من ملكية إلى جمهورية.
ولأن القيادي الإسلامي لم يحقق طموحاته النفسية والسياسية في التنظيم اليساري، إذ وجد قاماتٍ يسارية معروفة، ولم يجد له موطئ قدم يمكنه من البروز والتعبير عن ذاته، غير وجهته صوب سفينة “الشبيبة الإسلامية”، في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
اقرأ أيضاً: التلون والحربائية يهويان بإخوان المغرب من القصر إلى البئر
مكث الرجل في التنظيم الإسلامي “العنيف” زهاء 5 سنوات، قبل أن ييمم وجهه شطر جماعة إسلامية سرية أخرى تدعى “الجماعة الإسلامية”، لتتحول بعدها إلى “حركة الإصلاح والتوحيد” التي انبثق منها حزب العدالة والتنمية.
وبعد “صدام” إيديولوجي مع الدولة بصم عليه بنكيران طيلة ترحاله من تيارٍ إلى آخر، وحركة إلى أخرى وجماعة إلى أخرى، قرر الرجل أن يدافع عن مؤسسة الملك بطريقته الخاصة التي يراها البعض عفوية، ويعتبرها آخرون دهاء سياسياً جذب به العديد من المغاربة الذين لم يكونوا يسمعون من السياسيين قصصاً عن علاقاتهم الشخصية مع القصر أو النظام الحاكم.
وتميز بنكيران عن غيره من السياسيين، خاصة عندما تقلد زمام الحكومة المغربية منذ نهاية 2011 إلى 2016، بحديثه المتكرر عن علاقته مع الملك محمد السادس، بطريقةٍ تجذب اهتمام المستمع بلغة “شعبية” متعمدة.
وهكذا كان بنكيران يجد “ضالته” في إثارة مسائل سياسية، وأخرى شخصية، لم تكن مطروقة من قبل من طرف المسؤولين المغاربة، من قبيل حديثه عن إهداء الملك ساعة لوالدته، أو مكالمة الملك له مرة في وقت الفجر لينتقده في أحد الملفات الاجتماعية، وهكذا..
اقرأ أيضاً: خسارة إسلاميي المغرب في الانتخابات نتيجة متوقعة لسياسات خاطئة
الركوب على “الربيع المغربي”
وصل بنكيران إلى الحكومة عبر انتخابات تشريعية مبكرة في 25 نوفمبر من عام 2011، بفضل استثماره احتجاجات ما يسمى “الربيع العربي” في أكثر من بلدٍ عربي، وخصوصاً النسخة المغربية من “الربيع” متمثلاً في حركة 20 فبراير الشبابية التي كانت تطالب بمحاربة الفساد.
وتمكن بنكيران بفضل طريقته في الخطاب التي كانت تستهوي قطاعاً عريضاً من المغاربة، خصوصاً من الفئات الاجتماعية البسيطة، بالنظر إلى أنه كان يتحدث في الغالب باللهجة الدارجة التي يفهمها الناس، بطريقة تبسط مفاهيم سياسية معقدة لعقول العامة، (تمكن) من الاستحواذ على اهتمام الناخبين، وإقناعهم بأنه هو المنقذ للمغرب من مسار احتجاجات “الربيع المغربي”.

وركب بنكيران على صهوة “الربيع المغربي” بطريقة ضرب من خلالها عصفورين بحجرٍ واحد، فهو أمام الشعب والكتلة الناخبة رفع نفس شعارات حركة 20 فبراير؛ أي محاربة الفساد والاستبداد في البلاد، وفي نفس الوقت ظهر أمام الدولة وصانعي القرار بأنه يرفض الانخراط في احتجاجاتٍ غير محسوبة العواقب، فكان قرار بنكيران الشهير بعدم الخروج إلى الشارع رفقة آلاف المحتجين في شتى المدن المغربية في سياق احتجاجات حركة “20 فبراير”.
ولم يكف بنكيران أثناء ترأسه الحكومة، وحتى بعدها، عن ترديد أن حزبه كان يقف وراء حدوث “الفوضى” في البلاد، ويضع “إنجازه” هذا ثانيا وراء مبادرة الملك نفسه الذي ألقى خطابا وُصف بالتاريخي حينها، في 9 مارس 2011، قرر خلاله إجراء إصلاحاتٍ سياسية ودستورية استجابة لمطالب المحتجين.
وبعد فوز “العدالة والتنمية” في انتخابات 2016، عجز بنكيران عن تشكيل الحكومة وقتاً طويلاً تسبب في هدر وقتٍ سياسي ثمين بالبلاد، قبل أن يقرر العاهل المغربي إعفاء بنكيران، ومنح مفتاح الحكومة للرجل الثاني في الحزب، سعد الدين العثماني ليشكل الحكومة التي استمرت خمس سنوات، لتنتهي ولايتها في سبتمبر الماضي الذي شهد هزيمة مدوية للحزب الإسلامي، واستنجاد قواعده بالقيادي بنكيران ليكون زعيماً له من جديد، لعله يحيي آمال العودة إلى الحكومة في مستقبل السنوات، رغم خسارته لكثير من التوهج السياسي الذي كان يمتلكه في أعين أنصاره وفي أعين الناخبين أيضاً.

الاستنجاد ببنكيران
يقول مصدر مقرب من بنكيران لـ”كيوبوست”: “إن النسبة التي فاز بها الرجل في عملية انتخاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية كانت نسبة ساحقة (80 أكثر من بالمائة)، مبرزاً أنها دليل على رغبة قواعد الحزب في الحنين إلى الفترة التي كان الحزب فيها قوياً سياسياً وتواصلياً بشكل لم يسبق له مثيل”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن “بنكيران قد يستطيع انتشال “الحزب الإسلامي” من أزمته السياسية والتواصلية والهوياتية أيضاً بفضل طريقته في التعبير وعفويته”.
واستدرك بأن هذا لا يعني أن الحزب سيتعافى سريعاً، وأنه سيفوز بالانتخابات المقبلة فقط لأن بنكيران هو زعيم الحزب، لأن هذا الطموح يتطلب تظافر الجهود، وأيضاً التكيف مع المرحلة الراهنة، فضلاً عن ضرورة إجراء نقد ذاتي للحزب ومساره طيلة الفترة الحكومية التي أنهكته، وجرَّت عليه تصويتاً عقابياً كما يقال.
اقرأ أيضاً: حزب العدالة والتنمية بالمغرب وانتكاسة الثامن من سبتمبر
الخبير في الشأن السياسي والحركات الإسلامية؛ الدكتور إدريس الكنبوري، قال من جهته لـ”كيوبوست”، إن عبد الإله بنكيران لا يزال الرجل الوحيد داخل حزب العدالة والتنمية الذي يمتلك “كاريزما شخصية”.

واعتبر الكنبوري أن هذه الملَكة كانت وراء انتخابه على رأس “العدالة والتنمية”، باعتباره الأقدر على إخراج الحزب من الأزمة التي يوجد فيها منذ سقوطه الانتخابي المدوي، واستطرد بأن بنكيران فقد الكثير من وهجه السياسي بسبب التدبير الحكومي، وملابسات استفادته من تعويضات الدولة؛ ولكن المشهد السياسي في المغرب ضعيف ويفتقد إلى جيل السياسيين المحنكين، وهو ما يجعله قادراً على استثمار الفراغ السياسي لصالحه.
استراتيجية الأسلمة والتمكين
بالمقابل، يرى الخبير في الحركات الدينية سعيد الكحل، أن بنكيران شخص شعبوي بامتياز، يستغل أي ظرف لتهييج مشاعر أتباع حزبه والبسطاء من المواطنين، مما يجعله يتخذ الموقف ونقيضه.

ويشرح الكحل، في حديثه مع “كيوبسوت”، أن بنكيران يوظف البكاء في التجمعات الخطابية للتأثير على الحاضرين، كما يوظف السخرية للتشهير والاستهزاء بخصومه، وهذا ما جعل “الإخوان” يستنجدون به بعد الهزيمة المدوية التي تلقاها الحزب في انتخابات 8 سبتمبر.
اقرأ أيضاً: هل أسقط فشل “العدالة والتنمية” ورقة التوت عن باقي حركات الإسلام السياسي بالمغرب؟
ووفق المتحدث، فإنه من شعبوية “الإخوان” إبعاد اهتمام الناس عن واقعهم المعيشي، وجعلهم ينشغلون بقضايا ومعارك وهمية لن يكسبوها ولن يستفيدوا منها؛ مثل قضية الهوية وقضية الحجاب وأمثالها من القضايا الزائفة التي يشغل الإسلاميون بها الناس ويستدرون تعاطفهم.
وشدد الكحل على أن “عشر سنوات كانت كافية للمغاربة لكي يدركوا شعبوية الإسلاميين وزيف شعاراتهم وتفاهة معاركهم، فالمواطنون أيقنوا أن مشاكلهم الاجتماعية تحتاج برامج وخططاً عملية، وليس خطبا وأدعية ومواعظ”، وفق تعبيره.
وذهب الكحل إلى أن “الابتعاد عن الدين أو التمسك بتعاليمه لا علاقة له بتسيير الشأن العام، بل أدرك المغاربة أن الإسلاميين يستغلون الدين لتحقيق مكاسب سياسية والتغلغل في مفاصل الدولة”.