الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
بمساعدة الجزائر.. رجل مخابرات “النهضة” في قبضة الأمن التونسي
السلطات الجزائرية تسلم نظيرتها التونسية مدير المخابرات السابق لزهر لونغو.. ومصدر أمني تونسي يشرح لـ"كيوبوست" حيثيات عملية تتبعه والإطاحة به

كيوبوست
استلمت السلطات التونسية لزهر لونغو، المدير العام السابق للمصالح المختصة (المخابرات) بوزارة الداخلية، من نظيرتها الجزائرية التي ضبطته بإحدى المدن الحدودية؛ بعد اجتياز الحدود بطريقة غير شرعية، حسب تصريحات مسؤول أمني بوزارة الداخلية التونسية، الخميس 21 من يوليو الجاري. ويُعد تسليم لونغو مهماً لعدة اعتبارات؛ أهمها أن الرجل مثير للجدل بعد أن تقلد عدة مناصب مهمة، بسبب قربه من حركة النهضة، كما أنه محل تتبع قضائي، ولأن هذه الخطوة عكست مستوى جديداً من التنسيق الأمني بين تونس والجزائر.
ويخضع لونغو حالياً للبحث من طرف أعوان الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم الماسة بسلامة التراب الوطني؛ من أجل أحد التتبعات المفتوحة ضده. وينتظر أن يتم لاحقاً مثوله أمام الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية للبحث؛ من أجل القضية المعروفة إعلامياً بمؤسسة “أنستالينغو”، وذلك بمقتضى إنابة قضائية صادرة عن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية سوسة 2.
اقرأ أيضاً: إيقافات جديدة لمقربين من النهضة بسبب الفساد وتبييض الأموال
وتجدر الإشارة إلى أن المسؤول الكبير السابق في المخابرات التونسية لزهر لونغو، هو أحد الكوادر الأمنية المحسوبة على النظام السابق، تلاحقه شبهات الفساد، على رأس جهاز المخابرات صلب وزارة الداخلية، وبعد الثورة ارتمى في حضن “النهضة” التي حاولت توظيفه لاختراق الوزارة؛ ولهذا هناك معطيات تفيد ارتباطه بالجهاز السري للحركة. شغل منصب ملحق أمني بسفارة تونس في باريس في 2019، ثم عينه رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، مديراً عامّاً للمصالح المختصة (جهاز المخابرات الأمنية) في أبريل 2021؛ رداً على قرار وزير الداخلية، حينها، توفيق شرف الدين، بإقالته التي أغضبت المشيشي ودفعته لإقالة شرف الدين من منصبه وترضية لونغو بهذا المنصب. ثم تمت تنحيته ووضعه رهن الإقامة الجبرية وعزله من مهامه منذ أغسطس الماضي عقب إعلان الرئيس قيس سعيّد، التدابير الاستثنائية في البلاد. وصدرت ضده بطاقة جلب من القضاء التونسي على خلفية جملة من التتبعات القضائية؛ من بينها قضية “أنستالينغو” المدرج بخصوصها في التفتيش، إضافة إلى 33 متهماً آخرين.

وتعود أطوار قضية “شركة أنستالينغو” إلى أكتوبر الماضي، بإيقاف عدد من موظفيها بتهم بينها “ارتكاب أمر (جسيم) ضد رئيس الدولة”، والتآمر ضد أمن الدولة الداخلي والتجسس. وشملت التحقيقات في هذه القضية عدداً من الصحفيين والمدونين وأصحاب أعمال حرة وسياسيين؛ بينهم رئيس مجلس نواب الشعب المنحل راشد الغنوشي، وابنته، وصهره رفيق عبدالسلام، والمتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية الأسبق محمد علي العروي.
اقرأ أيضاً: هل يفتح إيقاف حمادي الجبالي ملفات الفساد المالي لحركة النهضة؟
مصدر أمني، رفض التصريح عن اسمه، كشف لـ”كيوبوست” أن الإيقاع بلزهر لونغو تم بعد تعاون جهازَي المخابرات التونسي والجزائري، وتم التحضير له لوجستياً بين الأجهزة العسكرية والأمنية للبلدَين.
وقال المصدر موضحاً: “رصدت المخابرات التونسية تحركات لونغو على الحدود الجزائرية منذ أسابيع على خلاف ما تم تداوله بشأن مغادرته على متن يخت؛ إذ تحول بمساعدة بعض الأطراف، محل بحث، إلى جبال خمير بمدينة عين دراهم (محافظة جندوبة)؛ حيث تحصَّن هناك لأيام، قبل أن يتسلل بعد أيام إلى التراب الجزائري بمساعدة مهرب مطلوب من سلطات البلد الجار.
حينها قامت وكالة الاستخبارات للأمن والدفاع، بإرسال تقرير مفصل إلى السلطات الجزائرية تُعلمها فيه بدخول لونغو إلى أراضيها بطريقة غير شرعية، وأنه يتأهب للهروب إلى إسبانيا ومنها إلى فرنسا، كما حددت المخابرات التونسية المكان الذي عبرَ منه لونغو إلى الجزائر”.

وأضاف: “بمجرد تلقيها التقرير التونسي، تحركت وحدات الأمن الجزائري التي نجحت بدايةً في تحديد الحي الذي يتحصن داخله لزهر لونغو، واستعانت بعد ذلك بعدد من الطائرات المسيرة ليلاً على مدار أربعة أيام؛ توصلت بعدها أجهزة الأمن الجزائرية إلى تحديد مكانه قرب السواحل الغربية للبلاد، وألقت القبض عليه، وقادته إلى إحدى الثكنات العسكرية، إلى حين استكمال إجراءات تسليمه إلى تونس؛ وهو ما حدث سريعاً. واليوم يخضع لونغو للتحقيق، والأكيد أن هذا الرجل الذي تولى مناصب حساسة في فترات مختلفة وما رافقه من جدل دائماً فضلاً عن التهم الجاهزة سلفاً، يحمل في جعبته الكثير من المعطيات الخطيرة؛ ولعل هروبه أكبر دليل على ذلك”.
ويسود اعتقاد في تونس أن لزهر لونغو هو الذراع القوية لحركة النهضة الإسلامية في وزارة الداخلية؛ وهي تهم لم يرد عليها الرجل الذي لزم الصمت وتوارى عن الأنظار حتى إلقاء القبض عليه في الجزائر.
وكانت البرلمانية السابقة المنتمية إلى حزب “نداء تونس”، فاطمة المسدي، قد وجهت سنة 2019 اتهامات إلى لزهر لونغو، مفادها أنه “على علاقة بالجهاز السري لحركة النهضة”، وذلك بعد تكليفه بالإشراف على إدارتَي الاستعلامات ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية التونسية. كما سبق وأعلنت هيئة الدفاع عن المعارضَين اليساريَّين الراحلَين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أن لونغو محل تتبع قضائي؛ بسبب علاقته بعبدالكريم العبيدي، أحد المتهمين في قضايا الاغتيالات السياسية.
اقرأ أيضاً: ناجح الحاج لطيف.. رجل الظل والمال المشبوه في حركة النهضة
وليست هذه المرة الأولى التي تلقي فيها قوات الأمن الجزائرية القبض على شخصيات تونسية مؤثرة دخلت الحدود بطريقة غير شرعية؛ لكنْ هناك تغيير في شكل التعامل مع هذه الشخصيات.. ففي أغسطس 2021 ألقت السلطات الجزائرية القبض على رجل الأعمال ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، وشقيقه النائب السابق في البرلمان المنحل غازي القروي، بعد أن دخلا الجزائر بطريقة غير شرعية؛ لكنها لم تقُم بتسليم الشقيقَين القروي إلى السلطات التونسية، إذ تم نقلهما إلى سجن الحراش، ثم أطلقت سراحهما، وغادرا الجزائر نحو أوروبا.

وسارعت السلطات الجزائرية هذه المرة بتسليم لونغو إلى تونس دون عرضه على التحقيق؛ وهي خطوة يعتقد المراقبون أنها جاءت لاستباق إقدام المسؤول الأمني التونسي على طلب اللجوء السياسي أو مغادرة البلاد نحو فرنسا، كما كان يُخطط.