الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةشؤون دولية
بلقيس دادي.. متآمرة في نظر الدولة وملهمة للمرأة الهندية
مئة يوم من النور والأمل لشاهين باغ لا يمكن أن يطفئها التشهير الرسمي واتهامات الشرطة

كيوبوست- ترجمات
عفرا خانم شيرواني♦
ماذا يعني وضع اسم بلقيس في قائمة مجلة “التايم” ضمن أكثر مئة شخص نفوذاً في العالم بالنسبة إلى حركة “شاهين باغ” ومستقبل المقاومة الديمقراطية في الهند؟
قالت بلقيس لصحيفة “ذا واير”: “لم تنتهِ المعركة ضد قانون تعديل المواطنة بعد؛ ولكن علينا أولاً محاربة فيروس كورونا”.
كانت المرأة ذات الاثنين والثمانين عاماً، واحدة من أكثر الوجوه المحترمة في حركة الاحتجاج ضد قانون تعديل المواطنة والسجل الوطني للمواطنين. وأصبحت بلقيس وعدد من السيدات المسنات اللاتي شاركن في الاعتصام أيقونة ورمزاً للمقاومة والأمل.
اقرأ أيضاً: الكراهية أسرع انتشاراً في الهند من “كوفيد-19“
إن قانون تعديل المواطنة، بفتحه الباب لتسهيل حصول اللاجئين على الجنسية الهندية شريطة ألا يكونوا من المسلمين، يكون قد خالف مادة رئيسية من مواد الدستور الهندي التي تضمن المساواة أمام القانون للجميع -بمَن فيهم اللاجئون والمهاجرون- وتمنع التمييز على أساس الدين أو الطبقة أو الجنس.
على الرغم من أن قانون تعديل المواطنة بحد ذاته لا يؤثر على وضعية المواطنين الهنود؛ فإن الإصرار على أن يكون المستفيدون منه من غير المسلمين يمثل أول تكريس رسمي لتهميش المسلمين في الهند. وبكون الاستهداف غير الرسمي للمسلمين المستمر منذ نحو ست سنوات قد اكتسب طابعاً قانونياً.
اقرأ أيضاً: مصادر رسمية تكشف عن التمويل التركي للمنظمات المتطرفة في الهند عبر قطر
اندلعت الاحتجاجات على القانون بعد أيام من مصادقة البرلمان الهندي عليه. وبعد العنف الذي مارسته الشرطة ضد طلاب جامعة الملة الإسلامية في الخامس عشر من ديسمبر، خرجت نساء مسلمات من منطقة شاهين باغ، المجاورة للاحتجاج، بشكل سلمي، وبالتدريج اجتذبت الاحتجاجات أشخاصاً آخرين -نساءً ورجالاً مسلمين وغير مسلمين- اتحدوا معاً في سعيهم المشترك لتحقيق العدالة والمساواة.

خلال تلك الأيام المئة من الاحتجاجات، والتي عُرفت باسم حركة شاهين باغ، شهدت الهند أحداثاً غير مسبوقة. النساء المسلمات اللواتي كن يعتبرن، حتى ذلك الحين، ضعيفات ومضطهدات وفي حاجة إلى منقذ لتحريرهن من قيود التقاليد الرجعية وقمع عائلاتهن، أصبحن الآن يطمحن لقيادة دولة يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة نحو النهضة.
بعد ستة أشهر من نهاية الاحتجاجات، تكمن المفارقة المضحكة في أن الحكومة الهندية جرَّمت هذه الحركة التي اكتسبت الاعتراف والتقدير على المستوى العالمي. ولتجنب تحميل مسؤولية أعمال الشغب التي حدثت في دلهي للسياسيين، قامت شرطة دلهي باستحضار نظرية مستبعدة جداً تقول إن أحداث “شاهين باغ” وحركة الاحتجاج ضد قانون تعديل المواطنة برمتها كانت جزءاً من مخطط “إرهابي” لتنظيم أعمال عنف واسعة النطاق في “الوقت المناسب”. فبالنسبة إلى الحكومة كان ثوار “شاهين باغ” الذين يتبعون خطى غاندي وأمبيدكار، عبارة عن جزء من مخطط للإطاحة بالحكومة.
اقرأ أيضاً: تحالف القوميين.. كيف أعاد ترامب ومودي صياغة العلاقات الأمريكية- الهندية؟
بالنظر إلى الرد العنيف -الذي تمثل في سجن المحتجين على قانون تعديل المواطنة- قد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن الحراك المناهض لهذا القانون لم يتمكن من تحقيق أي من أهدافه؛ ولكن الحقيقة هي غير ذلك.

ولفهم نتائج هذا الحراك، وما يعنيه الاعتراف العالمي الأخير بحركة شاهين باغ، ولفهم مستقبل المعارضة والمقاومة في الهند، يجب علينا أن نرجع بنظرنا قليلاً إلى الوراء.
بدأت فترة ولاية رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الثانية، بإقرار قانون المرأة المسلمة (حماية حقوق الزواج). وقد حددت الحماسة والسرعة والأولوية التي أعطتها حكومة مودي لهذا القانون وتيرة عمل وأجندة الفترة الثانية. وسرعان ما جاء تعديل المادة 370، وتقسيم جامو وكشمير إلى منطقتَين اتحاديتَين، ثم قرار المحكمة العليا الذي أفسح المجال أمام بناء معبد رام في أيوديا، وأخيراً إقرار قانون تعديل المواطنة.
في ظلّ وجود أغلبية غاشمة في البرلمان، ومعارضة سياسية مهزومة ومحبطة، كان كل من حزب باراتيا جاناتا ومنظمة راشتريا سوايامسواك سانغ يتسابقان لتحقيق أحلامهما التي استمرت على مدى قرن من الزمن في تصنيف أبناء الأقلية المسلمة في الهند مواطنين من الدرجة الثانية، وتحويل الهند من دولة ديمقراطية علمانية ليبرالية إلى دولة هندوسية. ورفض التنظيمان أيَّ تنازلات لمعارضي مشروعهما على الأقل من المجتمعات التي اعتقدا أنهما قد نجحا في خنقها. حقيقة أن الاحتجاجات ضد قانون تعديل المواطنة قد قامت بقيادة نساء هنديات -كان حزب باراتيا جاناتا يحاول تصوير ناريندرا مودي قبل بضعة أشهر على أنه المنقذ لهن- هي بمنزلة تذكير بمحدودية قدرة الصورة التي تم رسمها بعناية لرئيس الوزراء على تسويق أية أفكار.
اقرأ أيضاً: الهند والمسلمون والوباء.. تفكيك الخيوط المتداخلة
كانت احتجاجات النساء المسلمات في جوهرها أشبه بجدار يقف بين ديمقراطية الهند العلمانية والدولة الهندوسية، خطوة وخطوة تمكنت منطقة شاهين باغ ذات الأغلبية المسلمة من النهوض وسط الغبار؛ لتظهر على الخريطة الدولية وتعبِّر عن مشاعر الملايين من الناس. لقد أعطت صوتاً ومنبراً للناس المقموعين على مدى ست سنوات، والذين وجدوا أنفسهم على وشك الحرمان التام من حقوقهم السياسية. وفي مواجهة هذا التهديد الوجودي وجدت النسوة شجاعة وتصميماً استثنائيَّين لتحدي المنطق المشوه للأيديولوجية الهندوسية التي يساوي أتباعها بين المواطنة والهوية الدينية، ويطالبون باستعادة بلد أجدادهم.

لا تزال كلمات ياسمين بعينَيها الدامعتَين ترنّ في أذني عندما قالت بإصرار إن أجدادها قد دفنوا في تراب الهند، وإنها سوف تُدفن فيها أيضاً. فهي تؤمن بشدة بالتقاليد الليبرالية والثقافة التوافقية للبلد؛ حتى إنها أطلقت على ابنها اسم أكاش أحمد. تأثرت عندما التقيتها أثناء تغطيتي أحداث “شاهين باغ”؛ حيث اعتادت ياسمين أن تأتي كل يوم من منطقة ساكت مع ابنتَيها الجامعيتَين: حُسنى ورحنومة؛ للمشاركة في الاحتجاجات.
يشكِّل قانون تعديل المواطنة جزءاً مركزياً من أجندة حكومة مودي القومية. وفي الحقيقة فإن حركة الاحتجاج لم تتمكن من منع الحكومة من المضيّ قدماً بالقانون، وما دام استقطاب الناس على أُسسٍ دينية يضمن بقاءها في السلطة، فإن حكومة مودي قد تستمر في قمع وملاحقة مسلمي الهند خلال الفترة المتبقية لها في السلطة. إن المبدأ الأساسي في مسألة المقاومة هو أنها تنشأ لأنه يجب مقاومة الظلم والفساد، وليس لأنه لديها ضمانات بنجاحها أو بالقضاء على الطغيان.
اقرأ أيضاً: فيلم جديد يثير جدلاً في الهند وسط مخاوف من دعاية سياسية ضد المسلمين
بينما تسقط الهند في الثقب الأسود للاستبداد، فإن اللافت للنظر هو أن هذا الانحدار لا يمر دون مقاومة، على الرغم من وجود بعض التكهنات القاتمة حول استمرارية الديمقراطية في الهند، على الأقل بالشكل الذي يصوره مؤسسو أمتنا؛ ولكن عندما يدون المؤرخون تاريخ عصرنا، فإن هذا التاريخ سيذكر أن الأشخاص الأضعف والأكثر اضطهاداً في الهند هم من قاتل وثار ضد انطفاء الضوء. بلقيس بانو والنساء الأخريات في “شاهين باغ” لن يغرقن بهدوء في هذا الظلام. وبالتأكيد هذا يكفي لمنحنا ما يكفي من الشجاعة.
المصدر: ذا واير