الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
بعد 11 سنة.. ما الذي تغير في تونس؟
سجال مستمر حول تاريخ الثورة.. وأزمة اقتصادية ومالية خانقة.. ومشهد سياسي جديد يقوده قيس سعيد في السنة الـ11 للثورة

تونس- فاطمة بدري
في الـ17 من ديسمبر 2010، أضرم محمد البوعزيزي بائع الخضر المتجول النار في نفسه احتجاجاً على الفقر والتهميش، مطلقاً شرارة ثورة كان عنوانها الحرية والعيش بكرامة أسفرت عن رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في الـ14 من يناير 2011 وأعلنت عن بداية مرحلة جديدة في البلاد.
مرحلة عمرها اليوم 11 سنة سقطت خلالها أحلام عموم التونسيين، وخاصة الشباب، بعد أن خابت كل تطلعاتهم الكبيرة التي رسموها من وراء ثورتهم، في ظل تضاعف معدلات بطالتهم، وازدياد فقرهم، وانهيار اقتصاد بلادهم، وتفشي الفساد جراء طبقة سياسية تصدرتها حركة النهضة الإسلامية ظلت تلاحق سبل بقاءها في السلطة دون الاكتراث لبلد يتجه للإفلاس.
اقرأ أيضاً: استعادة الثورة التونسية من الإسلامويين
اليوم تحل هذه الذكرى دون أن تتغير خيبات التونسيين اجتماعياً واقتصادياً لكنها تأتي في ظلِّ متغيرات سياسية كبيرة انطلقت في الـ25 من يوليو 2020 بإجراءات استثنائية اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد قصد وضع حد لعبث حركة النهضة وحلفائها بالبلاد أدت حتى الآن لإخراجهم من المشهد السياسي، والانطلاق في تتبعهم قضائياً قصد محاكمتهم عن مجمل تجاوزاتهم طيلة سنوات حكمهم العشرة.
على مدار الـ11 سنة الفارطة، كانت الثورة التونسية بتحولاتها ونجاحاتها المحدودة، وإخفاقاتها الكثيرة، محور العديد من القراءات، كما ظل تاريخ الثورة التونسية أو يوم عيدها مصدر سجال كبير. إذ يتواصل الخلاف حول ما إذا كان تاريخ عيد الثورة يتحدد بيوم اندلاعها؛ أي الـ17 ديسمبر 2010، اليوم الذي أضرم فيه محمد البوعزيزي النار في نفسه، بعد أن صفعته عون البلدية، وصادرت عربته، أو يتحدد بتاريخ هروب الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي إلى السعودية في 14 يناير 2011.

ورغم أن الرئيس التونسي قيس سعيّد قد قرر حسم النقاش لفائدة الـ17 من ديسمبر، بإصدار أمر رئاسي أعلن خلاله تغيير عيد الثورة من 14 جانفي الى 17 ديسمبر قائلا حينها إن “الانفجار الثوري انطلق من سيدي بوزيد، ولكن للأسف احتويت الثورة حتى يتم إقصاء الشعب عن التعبير عن إرادته، وعن الشعارات التي رفعها”، فإن السجال لم يتوقف، وما زال الكثير من التونسيين يرون أن لـ14 من يناير أهمية لا تقل أبدا عن الـ17 من ديسمبر؛ لأنها أنهت حقبة من الدكتاتورية، وكانت لحظة فارقة انتصر خلالها الشعب بإصراره على غطرسة النظام حينها.
سجال مستمر

وتعليقاً على هذا السجال الذي لم يتوقف، يقول الباحث والمحلل السياسي محمد ذويب لـ”كيوبوست”: “في كل الثورات في العالم عبر التاريخ، يتم الاحتفال بيوم أو موعد انطلاق الحدث أو ما يعرف بـ”الحدث القادح”؛ أي الحدث الذي تأخذ فيه الأحداث منحى تصعيدياً بقطع النظر عن مآلات هذه التطورات لاحقاً. في تونس تمثل حادثة إحراق محمد البوعزيزي لنفسه في الـ17 من ديسمبر 2011 الحدث القادح الذي اندلعت بعده الأحداث. حيث وقع حينها اقتناص حالة البوعزيزي من طرف المحيطين بها، وتحويلها من مجرد حالة حرق عادية إلى حالة ثورية تطورت في الزمان والمكان والأحداث حتى وصلت إلى تونس العاصمة، وتزعمها جملة من المحامين ونشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس، وأصحاب الشهادات المعطلين عن العمل الذين فرضوا الاحتجاج على البيروقراطية النقابية في ساحة محمد علي. ثم بفعل ديمومة التحرك والاحتجاج والمراكمة، وفشل النظام في التعاطي مع الأحداث التي فاجأته، تطورت الأوضاع أكثر بفعل “الفايسبوك” و”التويتر” وغيرها من الوسائط الإجتماعية. حتى جاءت صبيحة 14 يناير التي يبدو أن شيئاً ما قد حدث صلب بعض أجهزة الدولة الحساسة، وانتهت بهروب ابن علي إلى السعودية”.
وأضاف “إذا 17 ديسمبر حسب رأيي هو موعد انطلاق شرارة الثورة، حيث اندلع الحدث القادح، وتم تحويله إلى مسار لم ينته بعد طالما أن شعارات ذلك اليوم والأيام التي تليه ما زال صداها يتردد في الساحات والشوارع فالثورات لا تتوقف لأنها ليست مباريات كرة قدم تنتهي بصافرة النهاية”.
اقرأ أيضاً: احتياطي تونس إلى أدنى مستوى: هل تفسد الأزمة إنجازات الثورة؟
11 سنة من الفشل
وإلى جانب الجدل حول التاريخ الأنسب للثورة التونسية، والذي لا يبدو أنه سينتهي، هناك جدل لم ينته من بداية الثورة، ومحوره مخرجات الثورة وتبعاتها على مختلف الأصعدة. فبعد مرور 11 سنة على اندلاع أول ثورة في المنطقة العربية، تجد تونس أمام حصيلة صفرية اقتصادياً واجتماعياً، ولا مكاسب تذكر باستثناء حرية التعبير التي تم تهديدها مراراً لولا تمسك المجتمع المدني والصحافيين والناشطين السياسيين المؤمنين فعلاً بأهمية هذا المكسب.
11 سنة تعاقبت خلالها عشر حكومات على السلطة، لكنها فشلت جميعها في تحسين ظروف حياة التونسيين، وفي حماية الاقتصاد من الانهيار، ومن منع ارتفاع معدلات المديونية إلى مستويات قياسية. فحسب إحصائيات رسمية فقد ارتفعت البطالة في تونس من 13 في المئة عام 2010 إلى أكثر من 18 في المئة على الصعيد الوطني عام 2021 وتتجاوز 30 في المئة في المناطق الداخلية. كما تضاعف عدد العاطلين من العمل في صفوف خريجي الجامعات من 130 ألفاً عام 2010 إلى أكثر من 300 عاطل من العمل عام 2021.

هذه السنوات أوصلت البلاد لحافة الإفلاس، بعد أن أوصلت الاقتصاد إلى وضعٍ كارثي لن يكون من السهل على السلطات الحالية تجاوزه، إذ تعاني المالية العامة التونسية من وضعٍ صعب للغاية في ظل التوقعات بأن يبلغ العجز المالي 11.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وهو الأعلى منذ ما يقرب من خمسة عقود.
وأظهرت أحدث بيانات الدين المستحق على تونس، الصادر عن وزارة المالية، أن إجمالي الدين العام المستحق الذي سجل بحلول نهاية أكتوبر الماضي 102.195 مليار دينار (35.6 مليار دولار)؛ أي ما نسبته 81.47 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفق وزارة المالية التونسية. هذا فضلا عن ارتفاع معدلات التضخم والفقر وغيرها من الأرقام التي تؤكد جميعها إلى أي حد تم العبث بالبلاد خلال عشرية الحكم الفارطة التي تصدرتها حركة النهضة.
الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أكد أن الوضع الاقتصادي في البلاد بعد 11 سنة من الثورة لا يمكن وصفه إلا بـ”الكارثي”.

وقال موضحاً “الاقتصاد التونسي أصبح عاجزاً عن خلق النمو وخلق الثروة وخلق مواطن الشغل. الاقتصاد التونسي أصبح آلة تدمير للنمو وللثروة ولمواطن الشغل. باعتبار سنتي 2020 و2021 نسبة النمو الفعلية المسجلة في تونس منذ 2011 هي صفر أو ربما هي دون ذلك. الثروة في تونس تقلصت، ومواطن الشغل ضاعت. الحالة التونسية تشهد الآن ارتفاعاً متواصلاً في نسبة الفقر، وفي نسبة البطالة. كما تشهد أيضاً حالة من التصحر الصناعي، فنسبة الصناعة من الناتج الداخلي الإجمالي في تراجع متواصل منذ 2011. جبال من الديون تراكمت وتجاوزت مستوى المئة بالمئة من الناتج الداخلي الاجمالي، وأُدخلت تونس في ما يسمى بالتداين المشط؛ أي أن تونس أصبحت غير قادرة على تسديد ديونها بطرق طبيعية. اقتصادياً أفضل تعبير عن الأمل هو الاستثمار، الاستثمار في الإنسان التونسي، وفي تطوير معارفه وقدراته، والاستثمار قصد خلق الثروة المادية. نحن لم نعد نستثمر لا في الإنسان ولا في خلق الثروة”.
اقرأ أيضاً: تونس.. انقلاب على الشرعية أم تصحيح لمسار الثورة؟!
إجراءات سعيد
في السنة الـ11 من انطلاق الثورة عاشت تونس على وقع حدثٍ سياسي كبير أقدم عليه الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو، عندما أعلن عن مسارٍ سياسي انتقالي يسعى خلاله لقيادة ما يصفه بعملية تطهير البلاد من الفساد الذي تفشى خلال العشرية التي تلت ثورة الـ14 من يناير. وخلال هذا المسار الجديد، أقدم سعيد على جملة من الإجراءات الاستثنائية؛ تمثلت في إقالة حكومة هشام المشيشي المدعومة من النهضة وحلفائها، وتجميد عمل البرلمان. خطوة شكلت نقطة تحول مفصلية لبلد أنهكته الأزمات المتلاحقة منذ 11 سنة، كان لها انعكاساتها الوخيمة على معيشة التونسيين.

يراهن طيف واسع من التونسيين على قيس سعيّد من أجل تنقية البلاد من الأطراف التي أوصلتها إلى أزماتها الراهنة وتتبعهم قضائياً. وقد انطلق سعيّد تدريجياً في هذه الخطوات التي كان آخرها وضع نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري رهن الإقامة الجبرية، وإعلان البدء بفتح الملفات القضائية لتجاوزات الأحزاب في انتخابات 2019، ومن بينهم حزبا حركة النهضة وقلب تونس. ولن تكون مهمة سعيّد وحكومته التي أعلن عنها بعد أكثر من ثلاثة أشهر من اتخاذه التدابير الاستثنائية، يسيرة وستكون محفوفة بالكثير من الصعوبات في ظلِّ تجند حركة النهضة وحلفاؤها من أجل إرباكه، ولكن يبقى الدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به سعيّد العنصر المهم الذي من شأنه أن يدعم خطواته الحالية والقادمة.

حاتم العشي وزير أملاك الدولة الأسبق أعرب عن تفاؤله بالمرحلة القادمة مع قيس سعيّد قائلاً لـ”كيوبوست”: “رئيس الجمهورية قيس سعيّد يواصل تصدره بنسبة 76 بالمئة، وبطريقةٍ لا يمكن التشكيك فيها مما يدل على رضا الشعب التونسي في أغلبيته الكاسحة عن أداء الرئيس، ومبايعته لكل ما يقرره. وكل من راهنوا على صعود شخصياتٍ أخرى بعد الأحكام القضائية التي أثارت الجدل، وبعد إضرابات الجوع، لم يتغير موقعها، ولم تصعد، ولم يغير الشعب رأيه. وتونس سنة 2022 ستكون أفضل، وستكون سنة الإقلاع نحو تاريخ جديد سيكتب لهذا البلد”.