الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

بعد نجاح الاستفتاء.. الغنوشي يتزعم حملة إعلامية خارجية ضد سعيد

تزايد ظهور رئيس حركة النهضة إعلامياً في فترة يواجه فيها تهماً ثقيلة قد تكون كفيلة بسجنه لسنوات طويلة

كيوبوست

“التونسيون أضاعوا فرصة إسقاط الانقلاب على الطريقة التركية”، هكذا تحدث رئيس حركة النهضة الإسلامية المحال إلى التحقيق؛ بتهم إرهابية ومالية، راشد الغنوشي، في حوار لصحيفة القدس العربي قبل أيام قليلة. تصريح أثبت أن الرجل الثمانيني لم يستوعب الدرس بعد، ويواصل الهروب إلى الأمام؛ رافضاً النظر بموضوعية لما يجري حوله داخل تونس وخارجها، أو القيام بمراجعات حقيقية لتجربته، التي لم يتمخض عنها سوى المزيد من النبذ، والكره، والرفض من الشعب التونسي لشخصه بشكلٍ خاص، ولحركته وأفكارها عامة. كما أكد أن الغنوشي لم يتخلَّ عن جبة الإسلام السياسي، حتى وإن ادَّعى غير ذلك، بمجرد أن استدعى تجربة رجب طيب أردوغان، زعيم الإسلاميين في تركيا، دون أن يكترث للسجل الأسود لهذا الرجل مع معارضيه، ومع كل صوت لا يسبِّح باسمه بعد فشل الانقلاب، هذا إذا جاز القول إن ما حدث -هو فعلاً- انقلاب حقيقي، وليس مسرحية هندس أطوارها أردوغان.

لم يكن هذا هو الظهور الإعلامي الوحيد للغنوشي مؤخراً، والذي يبدو أنه قد بدأ بشن حملة ضد الرئيس قيس سعيّد؛ بعد نجاح الاستفتاء، فظهر على قناة فرانس 24 ليكرر ذات الكلمات والاتهامات التي لا أدلة تدعمها، وبدلاً من أن يحظى زعيم الإسلاميين في تونس بالتعاطف، كما خُيِّل إليه، وجد نفسه تحت سيل النقد والسخرية، على نطاقٍ واسع.

عدم استيعاب الدرس سينهي الحركة والغنوشي (صورة وكالات)

فمن جهة أولى، جانب الغنوشي الصواب؛ عندما تحدث عما تم يوم 25 يوليو 2021 فيما يتعلق بحرق 150 مقراً تابعاً لحركته الإسلامية؛ لأن ما حدث في هذا اليوم هو أن البلاد شهدت احتجاجاتٍ متزامنة في العديد من المحافظات، نظمها مختلف مكونات الشعب التونسي، كانت مطالبهم الأساسية: حل البرلمان، وإسقاط الحكومة، وتغيير النظام السياسي، فضلاً على تعبيرهم عن كرههم ونقمتهم على حركة النهضة، وإجماعهم على اعتبارها المسؤول الرئيسي عن أزمات البلاد المتشعبة والمتراكمة.

ففي مساء هذا اليوم، أقدم بعض المحتجين بمحافظات جندوبة والقيروان وسوسة وتوزر وسيدي بوزيد على مهاجمة مقرات الحركة، وهناك من قام بحرقها، وهناك من قام بإتلاف محتوياتها وبعثرة الوثائق والملفات بالشارع. أي أن عدد المقرات التي هوجمت لا تتجاوز العشرة، ولم تحرق جميعها؛ بسبب تصدي قوات الأمن، ويرجح المتابعون للشأن التونسي أنه لو لم يعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد عن إجراءاته الاستثنائية في هذا التاريخ؛ لأقدم المحتجون فعلاً على حرق وتخريب عدد كبير من مقرات النهضة في أغلب المحافظات.

اقرأ أيضًا: الغنوشي يبدأ طريق المحاكمة.. وإطلاق سراحه لا يعني البراءة!

ويبدو أن الغنوشي قد تبنى هذا السيناريو دون أن يقع؛ ليحاول إيهام الرأي العام أن له أنصاراً لم يهبوا لندائه، ليس كرهاً أو رفضاً للتجاوب معه، بل لأنهم كانوا يواجهون عشرات الحرائق، وهذا مجانب تماماً للحقيقة.

وهنا بدا الغنوشي منفصلاً تماماً عن الواقع أو يدعي ذلك، فهو يعي جيداً أن الاحتجاجات التي شهدتها تونس يوم الـ 25 من يوليو وقبله، كانت تندد بحركته، وبه شخصياً، وتطالب برحيلهما من المشهد السياسي، فكيف يدعي إمكانية أن يهرع التونسيون ليلبوا نداءه؟ وكيف يكون بوسعه لوم شعب لفظه، ويعتبره السبب الرئيسي في كل الأزمات؟ وكيف يكون بمقدوره أن يطلب من التونسيين الذين انتخبوا قيس سعيّد بأغلبية كبيرة في انتخابات أكتوبر 2019، وهللوا، ورقصوا فرحاً بإجراءات الـ25 من يوليو 2021 أن يتفاعلوا مع ندائه، ويتدفقون إلى الشوارع لحماية برلمان لم يخرج سواه للدفاع عنه؟!

التونسيون احتجوا ضد البرلمان والغنوشي شخصياً يوم 25 يوليو 2021 (صورة خاصة)

ثانياً، استدل الغنوشي بانقلاب تركيا أردوغان عمداً؛ نظراً للتلاقي الفكري بين الرجلين، وانتمائهما لجماعة الإخوان المسلمين، دون أن يكترث لما أقدم عليه رجل تركيا الإسلامي من جرائم في حق خصومه باسم الانقلاب. وهذا له دلالات كثيرة. يبدو أن الغنوشي كان يتطلع لاستنساخ التجربة “الأردوغانية” في تونس، طالما أنها كانت ستكون ضمانة حقيقية للإمساك بالسلطة.

اقرأ أيضاً: رسمياً.. الغنوشي متهم بالاعتداء على أمن الدولة التونسية

فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في الـ15من يوليو 2016، نفذت السلطات التركية عمليات تطهير واسعة غير مسبوقة، شملت أشخاصاً تشتبه في أنهم من أنصار فتح الله غولن -العدو اللدود لأردوغان- ومعارضين أكراد، وعسكريين، ومثقفين، وحقوقيين، وصحافيين، لكن الغنوشي لم يتوقف عند كل هذه الانتهاكات المتواصلة، بل كان مبهوراً بالطريقة التركية. وهذا كفيل بأن يكشف زيف ادعاءات الديمقراطية واحترام الحقوق والحريات التي يكررها الرجل في كل مناسبة، وأنها ليست سوى خطابات جوفاء يستخدمها أساساً لمغالطة القوى الدولية التي تدعي هي الأخرى دعم الديمقراطية والدفاع عنها.

الغنوشي استحضر النموذج التركي محتفياً ناسياً جرائمه (صورة وكالات)

لقد أطلَّ الغنوشي في حواراتٍ مطولة، في فترة يواجه فيها تهماً ثقيلة، قد تكون كفيلة بسجنه لسنوات طويلة، وفي فترة تمضي فيها البلاد نحو التأسيس لمرحلة جديدة، من المرجح أنها ستكون بلا أي حضور رسمي للحركة الإسلامية، دون أن يبدو عليه أنه قد استوعب جيداً ما يجري حوله.

بدا الغنوشي مصراً على عدم التخلص من الصورة الأولى التي رسمها له التونسيون منذ حلوله ببلادهم، وتأسيسه حركته؛ رجل غريب عنهم، لا يشبههم، ولا صلة بين مشاغلهم ومشاغله، ظل دائماً شخصاً قريناً بالعنف والدم، ومعادياً للهوية الوطنية، وها هو اليوم يثبت مجدداً أنه لا يشبههم، وأن السنوات العشر التي قضاها في الحكم لم تساعده على مجرد فهم هذا الشعب، وأن هوسه بالسلطة هو بوصلته الوحيدة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة