الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
بعد غرق إيران ماليًا، الميليشيات العراقية تجني أموالًا عبر “إتاوات الحماية”
توفير الحماية مقابل الأموال!

ترجمة كيو بوست عن مجلة “ميدل إيست أفيرز”، بقلم الكاتب الأمريكي مايك باتريك فلانغان
في المناطق المليئة بالفساد، غالبًا ما يجري معاقبة السلوك القانوني؛ ببساطة لأن قوى إنفاذ القانون في هذه المناطق لا تعمل من أجل الشعب، بل من أجل قوى خبيثة تمتلك السلطة الفعلية في الميدان.
وللأسف، تحولت أجزاء من العراق إلى ممالك إقطاعية، يجري فيها تطبيق قوانين انتقائية مصممة من أجل حماية المصالح المالية والسلطوية لأولئك المسؤولين المحليين، ممن يمتلكون القرار على الأرض بعيدًا عن سيادة القانون الأصلية.
اقرأ أيضًا: مخاوف عراقية شعبية ورسمية من تنامي نفوذ الميليشيات الشيعية
أنا على دراية بهذا الوضع تمامًا، إذ سبق لي أن رأيت ما كان يحصل في مدينتي قديمًا –شيكاغو- من عصابات مشابهة. كانت شيكاغو مليئة بعصابات عنيفة “تمتلك” أراضي محددة “محمية” من الفصائل المتنافسة؛ “محمية” بتكاليف مالية تُدفع من رجال أعمال، يسعون إلى الحصول على حماية ضد هجمات العصابات الأخرى. وإن لم يدفع أولئك التجار الأموال المطلوبة، فإنهم يتعرضون لهجمات من القوى ذاتها التي تعمل في مجال توفير الحماية.
في هذه المناطق، وفي كثير من الأحيان، ينخرط رجال الشرطة في هذا “المخطط” ويشاركون في أنشطة “الحماية” بعد أن يحصلوا على أجور عالية من العصابات. وبالفعل، أصبحت إتاوات الحماية مربحة جدًا، بينما ينتظر العنف أولئك الذين يشككون بشرعية العصابات المحلية الحاكمة، في ظل غياب تنفيذ قانون نزيه أو قوي بما يكفي من أجل استقبال شكاوى المتضررين.
ولذلك، يضطر السكان المحليون من أصحاب الأموال أو المنزلة الاجتماعية الرفيعة أن يدفعوا للعصابات نظرًا لعدم وجود بديل آخر. إما أن يدفعوا مقابل الحماية من البلطجية، أو يعانوا من العنف، في ظل لا مبالاة من الشرطة، وأحيانًا بتواطؤ منها.
ينقسم العراق اليوم إلى إقطاعيات مربحة، يضطر فيها التجار والراغبون بممارسة الأعمال التجارية إلى دفع الثمن. في الشمال، يقوم الأكراد ومسعود البرزاني بتشغيل إتاوات حماية خاصة بهم، من أجل جني الأرباح. قد تكون المجموعات التابعة لهما أقل عنفًا من نظيراتها العراقية، لكنها مكسوة بالحديد وتحقق أرباحًا مالية كغيرها من مجموعات إتاوة الحماية. وفي الغرب، يواصل تنظيم داعش ممارسة نفوذ “غير مبرر”، ويحصد أموالًا من جميع القادمين الساعين إلى تأسيس أعمال تجارية هناك. وفي الجنوب، تمارس إيران نفوذها عبر ميليشيات إيرانية وغيرها من الكيانات الرسمية وغير الرسمية من أجل هزّ جيوب رجال الأعمال.
اقرأ أيضًا: الميليشيات الشيعية العراقية على أبواب اقتتال داخلي – شواهد وأسباب
تُعتبر ميليشيا عصائب أهل الحق، التابعة لإيران، من أكبر العصابات التي تمارس إتاوة الحماية في العراق. ووفقًا لمراقبين، تتصدر هذه المجموعة قائمة “الرابحين” من عمل إتاوة الحماية بحسب المصطلح المستخدم لوصف المافيات الأمريكية. تحظى هذه المجموعة اليوم بدعم كامل من إيران، علمًا بأن أصولها تنبع من جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر. عندما عقد مقتدى الصدر سلامًا مؤقتًا مع الحكومة العراقية الرسمية، ومع الأمريكيين كذلك، واصلت عصائب أهل الحق هجماتها وابتعدت كليًا عن الصدر.
ومع غرق إيران ماليًا، ازدادت حاجة الميليشيات العراقية الموالية لطهران إلى توليد أموالها الخاصة، فلم تجد سوى العمل في مجال إتاوة الحماية. وبالفعل، نجد عصائب أهل الحق اليوم تمارس الابتزاز و”تحمي” طريقها إلى الاستقلال المالي.
في الآونة الأخيرة، دفعت شركات كويتية ثمن حماية باهظًا لعصائب أهل الحق لتتمكن من الاستثمار في مجمع المطار الجديد في محافظة الديوانية. وقد مُنيت تلك العملية المفتوحة بسمعة سيئة لدرجة أن صحفًا مختلفة تداولت الخبر. وكما يقول البعض: “أنْ تدفع مالك أفضل من أن تتعرض للتفجير أو القصف أو حتى القتل”.
اقرأ أيضًا: مؤسسة أمريكية تكشف معلومات صادمة حول وكلاء إيران في المنطقة العربية
وفي بغداد، تنخرط عصابات إتاوة الحماية بطرق أقل وضوحًا، لكن الأحزاب السياسية تشارك بعمق في إتاوة الحماية من أجل السيطرة على الاستثمارات والمشاريع التجارية المربحة. في الآونة الأخيرة، جرى اعتقال صاحب مطعم بارز في بغداد على يد قوات أمنية تحمل أوراقًا تعريفية تابعة لعصائب أهل الحق. وقد جرى تأكيد ذلك من محطة تلفزيونية محلية بارزة يديرها عمار الحكيم، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق.
وبعد أن فضح ذلك التقرير استخدام هويات عصائب أهل الحق من رجال أمن حكوميين، شن تحالف “الفتح” الموالي لإيران هجومًا كلاميًا عنيفًا ضد عمار الحكيم، متهمًا إياه باستهداف “العصائب” والمصالح الإيرانية وكذلك قوات الحشد الشعبي. حينها، تدخل رئيس الدولة شخصيًا ودعا إلى الهدوء وضبط النفس، بعد أن كان الطرفان على وشك الدخول في صراع مسلح مفتوح حول هذه المسألة.
والنتيجة الرئيسة لذلك هي أن أصحاب رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبي، المتخوفين بالفعل من عدم فعالية سيادة القانون في العراق، باتوا يفزعون تمامًا من نشاطات إتاوة الحماية التي ظهرت على السطح من جديد. وبالفعل، انهارت مؤخرًا عدد من المشاريع الاستثمارية الأجنبية والصفقات الخارجية الكبيرة في جنوبي العراق بشكل خاص.
وبسبب تورطها العميق في نشاطات إتاوة الحماية، أصبحت مشاركة عصائب أهل الحق في النشاطات التجارية العادية منبوذة في جنوبي العراق. والأهم من ذلك، يشعر السكان اليوم بخوف وهلع من وحشية ممارسات عناصرها، ما حقق لها “الطاعة” من الكثيرين.
اقرأ أيضًا: كيف ننظر إلى الميليشيات الإيرانية في المنطقة العربية؟
لقد أصبح العراق مثقلًا بسبب عبء الفساد المنتشر وتفشي إتاوة الحماية غير القانونية. هاتان الآفتين هما نتيجة مباشرة لغياب إنفاذ قانون مستقل وصادق، وكذلك لغياب محكمة قضائية مستقلة قادرة على تنفيذ قانون الدولة.
وإلى أن يتم علاج أوجه القصور هذه، سيبقى الاستثمار الخارجي شحيحًا وسيكون النشاط الاقتصادي الداخلي نادرًا للغاية. يجب على العراق أن يحرر نفسه من هذه الشرور المزدوجة.
المصدر: مجلة “ميدل إيست أفيرز” الدولية