الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
بعد خطف سفينة إماراتية.. الحوثيون مستمرون في تهديد الملاحة العالمية

كيوبوست- منير بن وبر
في سبتمبر 2019 قال القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني اللواء يحيى صفوي، إن الشعب الإيراني سينتقم من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، وأن أي عمل ضد إيران من شأنه إحداث اضطراب في المنطقة. أما أحدث المؤشرات الواضحة على الاهتمام الإيراني بمنطقة البحر الأحمر فهو الفيديو الذي نشرته قوات التحالف العربي، والذي يظهر فيه أحد القادة التابعين لميليشيات “حزب الله” يتحدث مع أحد القادة الحوثيين حول عدة نقاط؛ من بينها أهمية مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، وأهمية البحر كبوابة لوصول “الدعم الإيراني” و”ضرورة السيطرة على البحر الأحمر وسواحله”.
تجلَّى التركيز الإيراني العنيف على البحر الأحمر منذ بداية الحرب في اليمن؛ إذ سعت الميليشيات الحوثية المدعومة إيرانياً إلى زعزعة الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية ذات الأهمية الجيوسياسية العالية من خلال الألغام البحرية والهجمات الصاروخية والاستهداف بواسطة الزوارق المفخخة دون ربان. تتصاعد التكهنات بسعي إيران إلى إغلاق باب المندب ومضيق هرمز -وحتى قناة السويس- كلما زادت التوترات بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. وبطبيعة الحال، يمكن أن يؤدي وكلاء إيران في المنطقة، المتمردون الحوثيون وميليشيات “حزب الله”، دوراً بارزاً في تحقيق مساعي طهران.
اقرأ أيضاً: ماذا تعني سيطرة الحوثيين على باب المندب؟
تمتلك منطقة البحر الأحمر أهمية استراتيجية منذ قرون، ولطالما كانت موضع صراع بين القوى العظمى، وموطناً للقواعد العسكرية من مختلف البلدان. يمر عبر البحر الأحمر سنوياً ما قيمته نحو 700 مليار دولار من التجارة المنقولة بحراً؛ إنه أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، رابطاً أوروبا بآسيا، ورابطاً دول الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل التي تبدي اهتماماً كبيراً بمضيق باب المندب؛ حيث يمر ما نسبته12 % من تجارتها البحرية من خلاله.
استهداف حوثي متواصل
أعلن التحالف العربي، يوم الإثنين، الثالث من يناير الجاري، أن سفينة شحن تحمل العلم الإماراتي تعرضت إلى القرصنة والسطو من قِبل ميليشيات الحوثي قبالة مدينة الحديدة اليمنية. وأوضح المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، العميد الركن تركي المالكي، أن السفينة كانت تقوم بمهمة بحرية من جزيرة سقطرى اليمنية إلى ميناء جازان السعودي، وتحمل على متنها معدات ميدانية خاصة بتشغيل المستشفى السعودي الميداني بالجزيرة بعد انتهاء مهمته وإنشاء مستشفى بالجزيرة.

وأكد المالكي أن الميليشيات تتحمل المسؤولية الكاملة، قائلاً إن على الميليشيات إخلاء سبيل السفينة فوراً، وإلا سوف تتخذ قوات التحالف الإجراءات والتدابير اللازمة كافة، بما فيها استخدام القوة عند الاقتضاء. وسرعان ما أكد المتمردون الحوثيون احتجازهم السفينة، والتي وصفوها بأنها تقوم بـ”أعمال عدائية” وأنها تحمل معدات عسكرية. بينما تناقلت وسائل إعلام، نقلاً عن مصادر محلية في الحديدة، أن الميليشيات الحوثية عمدت إلى نقل أسلحة وعتاد إلى متن السفينة المختطفة.
جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها الميليشيات الحوثية طريق الملاحة على البحر الأحمر؛ فمنذ الانقلاب الحوثي وهذه المنطقة تعيش وضعاً غير مستقر جرّاء الهجمات الحوثية المدعومة إيرانياً، الأمر الذي يجعل منطقة البحر الأحمر وخليج عدن إحدى المناطق الساخنة والمخيفة في العالم بسبب هجمات المتمردين والقرصنة والتهريب المتكررة منذ عقود.
اقرأ أيضاً: باب المندب تحت الاستهداف.. هذه أهمية المضيق العالمية
في أكتوبر من عام 2016 وقعت أولى الهجمات الصاروخية الحوثية على السفن في البحر الأحمر، وكانت من نصيب السفينة الإماراتية “سويفت” التي تم استهدافها قُبالة سواحل المخا أثناء قيامها برحلة اعتيادية لنقل المساعدات الإنسانية إلى اليمن، ونقل الجرحى منها لتلقي العلاج بالخارج. وخلال نفس العام، استهدف الحوثيون السفينة الحربية الأمريكية “يو إس إس ميسون” مرتين بصواريخ لم تحقق هدفها.
تستمر هجمات الحوثيين على حركة الملاحة البحرية، ولا تشمل تلك الهجمات القطع البحرية فحسب، مثلما تم استهداف فرقاطة سعودية أثناء قيامها بدورية مراقبة غرب ميناء الحديدة في عام 2017؛ بل حتى السفن التجارية، مثلما حدث في عام 2018 عندما استهدفوا ناقلتي نفط سعوديتَين في البحر الأحمر. وفي نوفمبر 2020، تعرضت ناقلة نفط يونانية إلى هجوم بينما كانت راسية في ميناء الشقيق السعودي على البحر الأحمر، شمال الحدود البحرية بين السعودية واليمن. وما هذه الحوادث سوى بضع حلقات في سلسلة الهجمات وحوادث القرصنة في البحر الأحمر وخليج عدن.

تهديدات البيئة المحلية
ولا تقتصر تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر على السفن الكبيرة التي تمر بهذه المنطقة الحيوية فحسب؛ بل هناك تهديدات أخرى على حياة الصيادين والقوارب التي تعمل بالمنطقة؛ حيث تشكل الألغام الحوثية تهديداً مباشراً لمصدر رزق عدد كبير من الصيادين من أبناء الحديدة. علماً بأن الحوثيين يستخدمون الألغام البحرية والزوارق المفخخة والصواريخ في هجماتهم.
ناقلة النفط “صافر” هي تهديد آخر يستخدمه الحوثيون كورقة ضغط؛ ترسو الناقلة منذ عقود قُبالة ميناء رأس عيسى بالحديدة، ولكنها حُرمت من الصيانة الدورية المناسبة منذ عام 2015؛ مما يجعلها اليوم تشكل تهديداً لا يُستهان به بعد تسرب كميات من النفط الخام المخزن داخلها. إن تسرُّب أكثر من مليون برميل من النفط الخام الذي تحمله السفينة يمكن أن يتسبب في أضرار هائلة في الحياة البحرية، ومصانع تحلية المياه في الدول المطلة على البحر الأحمر، وتهديد طرق الشحن الدولية في حالة الإغلاق، ناهيك بالإضرار بمصادر دخل الصيادين والأُسر المعتمدة على قطاع صيد الأسماك، والإضرار بالبنية التحتية وأية سفن تبحر حولها.
اقرأ أيضاً: بسبب الحوثيين.. ناقلة النفط “صافر” تهدد بكارثة في البحر الأحمر
تأتي عملية الاستيلاء الأخيرة التي قام بها الحوثيون بالتزامن الملحوظ في نشاطهم العدواني عموماً ضد المملكة العربية السعودية؛ حيث ذكر تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في الولايات المتحدة، أن الهجمات الحوثية على السعودية قد تضاعفت خلال عام 2021، وأفاد التقرير أن هذا التصعيد يعطي صورة أوضح لصراع إقليمي طويل الأمد. كما أفاد التقرير أيضاً أن حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، قد زوَّد الحوثيين بالسلاح والتدريب.
كما تتزامن الهجمات أيضاً مع ضربات موجعة يوجهها التحالف العربي ضد الحوثيين؛ أسفرت عن مقتل الآلاف منهم وتدمير الكثير من العتاد الحربي. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تشهد الحرب في اليمن بعض التغييرات الحاسمة خلال الفترة المقبلة؛ فإن ذلك ربما يعني المزيد من الأخطار التي ستواجه الملاحة البحرية في البحر الأحمر؛ الأمر الذي يستوجب حمايةً وتدخلاً وتعاوناً دولياً لإبقاء هذا الممر الحيوي آمناً ومستمراً، لما له من دور أساسي في استقرار الأسواق العالمية، وتأثير ذلك على الأمن القومي للكثير من الدول.