الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

بعد تحطيم ثماثيله.. كرستوفر كولومبوس مُستعمِر أم مستكشف؟

كيوبوست – مدى شلبك

تعددت مظاهر احتجاجات “حياة السود مهمة” التي تنتشر في أمريكا مؤخراً؛ فإلى جانب التظاهر ورفع الشعارات والمواجهات مع عناصر الشرطة، حطم المحتجون ثماثيل لشخصيات اعتبروها رموزاً للعنصرية. وكان من هؤلاء الذين دُمِّرت تماثيلهم المستكشف الإيطالي كرستوفر كولومبوس (1451م- 1506م).

ولاقت خطوة تخريب تماثيله ردود فعل متناقضة؛ فهناك من اعتقد أن لا علاقة تربط كولومبوس بمظاهر العنصرية الحالية، وآخرون رأوا أنه سبب رئيسي في ما أحاق بالسكان الأصليين والأقليات في أمريكا. فهل كان كولومبوس مستعمِراً أم مجرد مستكشف؟

كولومبوس والبحر

خلال مراهقته شارك كولومبوس في العديد من الرحلات التجارية في البحر المتوسط ​​وبحر إيجه -إحدى أذرع البحر المتوسط- كما ذهب في رحلاتٍ بحرية إلى إفريقيا؛ الأمر الذي أكسبه خبرة بتيارات المحيط الأطلسي. ونما طموح كولومبوس بالوصول إلى الهند والصين. وعلى ما يبدو لم تكن غايته بريئة؛ فقد كان المغزى من وصوله إلى هناك هو جني ما كانت تشتهر به آسيا، كاللآلئ والأحجار الكريمة والذهب والفضة والتوابل.. وغيرها.

إزالة رأس كرستوفر كولومبوس في بوسطن – أرشيف

لجأ كولومبوس إلى إنجلترا والبرتغال -عاش فيها خلال شبابه- لتمويل رحلات الوصول إلى آسيا، مروجاً لطريق بحري غرباً عبر المحيط الأطلسي، بدلاً من التوجه شرقاً عبر البر أو الدوران حول رأس الرجاء الصالح؛ لضمان بلوغ مقصده في وقت أسرع وجهد وكلفة أقل. كانت فكرة كولومبوس حينها صائبة؛ حيث اعتمد على مبدأ كروية الأرض، بالتالي إذا اتجهنا غرباً سنصل إلى شرق الأرض؛ لكن الحسابات غير الدقيقة أدت بكولومبوس إلى مكان غير المقصود.

فبعد أن رُفض طلبه برعاية رحلاته من قِبل عدة دول، وبعد 6 سنوات من التوسل، وافق ملك إسبانيا فرديناند والملكة إيزابيلا، على تمويلها. انطلق كولومبوس في رحلته، خلال صيف 1492، بأسطول مكون من ثلاث سفن، (سانتا ماريا، وبينتا، ونينيا)؛ ليصل إلى اليابسة في أكتوبر من العام نفسه، اليابسة التي اعتقد أنها الهند كانت في الحقيقة جزيرة في جزر البهاما الحالية، تلتها كوبا التي ظن أنها بر الصين الرئيسي، ثم هايتي وجمهورية الدومينيكان، مخمناً أنها اليابان.

اقرأ أيضاً: الرقص التاهيتي.. كيف يؤثر الاستعمار على ثقافة المكان؟

بذلك لم يدرك كولومبوس لا الهند ولا الصين؛ بل انتهى بما سمي بـ”العالم الجديد” -اليوم يسمى الأمريكتَين- الذي يرى البعض أنه فعلياً كان مكتشفاً؛ فقد كان مسكوناً من قِبل قبائل أُطلق عليها في ما بعد “الهنود الحمر”، وكان قد وصل إليه الفايكنج قبله بخمسة قرون، عندما أبحروا -كحالته- غرباً من مضائق النرويج. (*)

استعباد وعنف

يرى البعض أن رحلات كولومبوس إلى الأمريكتَين كانت نقطة البداية في خطوة الاستعمار الأوروبي لأنحاء متفرقة من العالم، معتبرين أنه بذلك يعد رمزاً من رموز الاستعمار، إلى جانب تاريخه الحافل بالاستعباد والعنف الذي استخدمه ضد السكان الأصليين هناك.

بالعودة إلى مذكراته، فقد كتب كولومبوس عن السكان الأصليين: “سيكونون خادمين جيدين.. مع خمسين رجلاً يمكننا إخضاعهم جميعاً وجعلهم يفعلون ما نريد”، وبناء عليه قام باستعباد العديد منهم من الجزر الغربية بعد رحلته الأولى، مستعيناً برجاله، كما فرض سياسات العمل القسري عليهم؛ بغية البحث عن الذهب، والعمل في المزارع، وأخذ العديد منهم إلى إسبانيا ليتم بيعهم، فمات جزء كبير منهم في الطريق.

كرستوفر كولومبوس ورجاله على متن السفينة

علماً بأن اللقاءات الأولى مع السكان الأصليين كانت وديَّة من جانبهم، فقد أوضح في مذكراته أن الهنود الحمر أحضروا الببغاوات وكرات من القطن والرماح.. وغيرها؛ للمبادلة مقابل أشياء أخرى، قائلاً: “قد استبدلوا كل شيء يمتلكونه عن طيب خاطر”، بينما وصفهم بأنهم يمتلكون قواماً جيداً، وأنهم لا يحملون السلاح ولا يعرفونه.

وفي محاولة للخلاص، قام السكان الأصليون بالتمرد، إلا أن كولومبوس اعتمد رداً عنيفاً لإرهابهم، بصفته حاكماً ونائباً لجزر الإنديز، حسب وثائق اكتشفها مؤرخون إسبان عام 2005. وكانت نتيجة التصدي لحملة التمرد أن قُتل العديد منهم، بينما أمر كولومبوس بعرض جثثهم المقطعة في الشوارع!

اقرأ أيضًا: سبارتاكوس.. العبد الذي انقلب على عبوديته

كما أسهمت الأمراض التي جلبها الأوروبيون القادمون إلى الأمريكتَين، نتيجة لما سمي بـ”التبادل الكولومبي”، والذي تم في عهده على نطاق واسع، للنباتات والحيوانات والثقافة والأشخاص (العبيد)؛ ما نتج عن هذا التبادل بشكل ثانوي، في انتشار الأمراض المعدية على نطاق واسع، وأدت إلى تقليل أعداد السكان الأصليين الذين لم تكن قد تشكَّلت لديهم بعد مناعة منها. وهذا التبادل الذي استفاد منه العالم القديم، حُسبت نتائجه السلبية على كولومبوس؛ حيث اعتبرت حرباً بيولوجية شنها الاستعمار الجديد، لإثراء منتجاته على حساب السكان الأصليين.

كما اتُّهم كولومبوس بسوء الإدارة عام 1500، وتم احتجازه من قِبل السلطات الإسبانية، إلا أنه استعاد حريته؛ ولكن تم تجريده من ألقابه. وقام برحلته الأخيرة إلى الأمريكتَين عام 1502، وتوفي عام 1506.

(*) جوهرُ الإنسانية: سَعيٌ لا ينتهي وحَرَاكٌ لا يتوقف (تشارلز باسترناك).

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة